الإيجار القديم في ميزان البرلمان: هل ينجح مشرط الجراح في علاج الأزمة؟
بقلم- د. بيتر ناجي فوزي
عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، وزميل جمعية الضرائب المصرية
بين ضرورة تصحيح تشوهات تشريعية استمرت لعقود، وحماية الفئات الأقل دخلًا من تداعيات أي تحرير مفاجئ، يناقش مجلس النواب المصري خلال الأيام المقبلة مشروع قانون الإيجار القديم الذي تقدّمت به الحكومة، في محاولة لوضع حد لأزمة مزمنة تمسّ ملايين المصريين من الملاك والمستأجرين على حد سواء.
القانون الجديد يستهدف تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بما يتماشى مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل الإيجارات المتدنية التي ما زالت تحكم آلاف العقود المحررة منذ منتصف القرن الماضي.
أبرز ملامح مشروع القانون:
رفع القيمة الإيجارية للوحدات السكنية إلى 20 ضعف القيمة الحالية، وبحد أدنى 1000 جنيه شهريًا في المدن و500 جنيه في القرى.
رفع إيجار الوحدات غير السكنية (المؤجرة للأشخاص الطبيعيين) إلى 5 أضعاف القيمة الحالية.
زيادة سنوية بنسبة 15% على القيمة الإيجارية المقررة.
إنهاء عقود الإيجار القديمة بعد مرور خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون.
إلزام المستأجر بالإخلاء بنهاية المدة، مع إمكانية طلب الأخلاء من المحكمة حال الرفض.
إعطاء أولوية للمستأجرين المتضررين للحصول على وحدات بديلة عبر بوابة إلكترونية تنشئها الحكومة خلال شهر من صدور القانون.
أزمة معقدة تتطلب تدخلًا جراحيًا
مجلس النواب لا يواجه قانونًا عاديًا، بل ملفًا ملغومًا يتطلب تدخلًا دقيقًا بـ"مشرط جراح"، وليس بمطرقة تشريعية قاسية. القضية بالغة الحساسية، لأنها تمسّ استقرار الأسر من جهة، وحقوق الملاك من جهة أخرى. لذلك، فإن أي تعديل يجب أن يُبنى على قراءة متأنية للمشهد، وعلى مقترحات تضمن العدالة والاستدامة.
سبعة مقترحات ضرورية يجب أن تراعيها التعديلات:
التحرير الفوري للشقق المغلقة، مع وضع ضوابط صارمة لتحديد حالتها الحقيقية، ما يفتح الباب لتحرير ما يقرب من 400 ألف وحدة سكنية مغلقة وإعادة ضخها في السوق مما يتيح معالجة نحو 30% من الأزمة العقارية دون إضرار بالأطراف.
مراعاة الفئات غير القادرة على تحمل الزيادات، كالأرامل، وأصحاب المعاشات، ومحدودي الدخل، من خلال تطبيق ربع نسبة الزيادة عليهم فقط، وتعويض الملاك عن الفارق من خلال صندوق حكومي.
إزالة العقارات الآيلة للسقوط أو التي صدر بحقها قرارات ترميم، على أن يتم توفير بدائل آمنة للسكان من خلال مشروعات الإسكان الاجتماعي، بتمويل من حصيلة الضرائب العقارية الناتجة عن تعديلات القانون.
ربط الزيادات بمدة العقد، وفق معادلة عادلة:
عقود ما قبل 1980: زيادة 3% سنويًا × عدد سنوات العقد.
عقود ما بعد 1980: زيادة 2% سنويًا × عدد سنوات العقد.
مع الالتزام بوضع حد أدنى وأقصى لقيمة الإيجار وفقًا للمنطقة الجغرافية.
فترة انتقالية مرنة لتطبيق التعديلات تدريجيًا، بما يمنح المستأجرين الوقت اللازم لتوفيق أوضاعهم ويُخفف العبء عن الفئات المتأثرة.
تفعيل آليات الدعم الاجتماعي بشكل واضح ومنظّم، بحيث لا يُترك الملاك وحدهم يتحملون تكلفة العدالة الاجتماعية، ولا يُترك المستأجر دون غطاء يحمي استقراره.
موقف المحكمة الدستورية والحق التشريعي للبرلمان
وفي سياق الجدل الدائر، يُثار أحيانًا ادعاء بأن إصدار قانون جديد للإيجارات القديمة يُخالف أحكام المحكمة الدستورية العليا، وهو ادعاء لا أساس له من الصحة قانونًا.
فمن الناحية الدستورية، حين تصدر المحكمة الدستورية حكمًا، فإنها تفصل في مدى دستورية نص قائم، وتكون قراراتها ملزمة بشأن النص المعروض عليها فقط. أما البرلمان، فهو يملك كامل الحق كسلطة تشريعية مستقلة في أن يُصدر قوانين جديدة تنظم العلاقات القانونية وفق ما يراه محققًا للصالح العام، طالما التزم بالقواعد الدستورية ولم يتعارض مع المبادئ الأساسية للحريات والحقوق.
وبالتالي، فإن التدخل التشريعي لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر ليس فقط مشروعًا، بل هو ضرورة تشريعية طال انتظارها لتصحيح خلل تاريخي في منظومة الإيجارات، طالما جاء القانون الجديد متوازنًا وعادلًا وملتزمًا بالدستور.
قانون غاية في الخطورة والأهمية
المشهد اليوم لا يحتمل قرارات غير مدروسة. المطلوب من البرلمان أن يصوغ قانونًا يحترم الواقع ويواكب المستقبل. فالملف أكبر من مجرد زيادة في الإيجار، إنه اختبار حقيقي لقدرة الدولة على الجمع بين العدالة الاقتصادية، والرحمة الاجتماعية، وتنشيط السوق العقاري في وقت واحد.