ثورة 30 يونيو.. حين استرد المصريون دولتهم
بقلم: د. أيمن عيسى
استشاري إدارة وتنمية الموارد البشرية
في الثلاثين من يونيو 2013، كتب الشعب المصري ملحمة جديدة في تاريخ نضاله من أجل الكرامة والهوية الوطنية، حين خرجت ملايين الأصوات الهادرة من كل فجّ وصوب، لترفض حكم جماعة لم تعبّر يومًا عن وجدان الأمة ولا عن إرادتها، بل سعت لاختطاف الدولة، وتفريغها من مضمونها الوطني والمؤسسي، وتحويلها إلى أداة في مشروع طائفي ضيق.
لقد جاءت ثورة 30 يونيو لتعيد الأمور إلى نصابها، وتؤكد أن مصر لا تُحكم إلا بإرادة شعبها، وأن الهوية الوطنية الجامعة لا يمكن أن تختزل في فكر جماعة أو أيديولوجيا طائفية. واليوم، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على هذا الحدث المفصلي، نستطيع أن نرصد عددًا من المكاسب التي أعادت لمصر مكانتها، وأطلقت قطار التنمية من جديد.
ومن أولى ثمار الثورة استرداد مؤسسات الدولة التي كادت تسقط تحت سيطرة مشروع "التمكين" الذي سعت إليه جماعة الإخوان. تم تصحيح المسار السياسي، وعاد الجيش المصري بدوره الوطني إلى صدارة المشهد كحامٍ لإرادة الشعب، لا طرفًا في معادلات السياسة. وتم إطلاق خارطة طريق واضحة تضمّنت انتخابات رئاسية وتشريعية، وصياغة دستور جديد، وبناء مؤسسات شرعية قائمة على الاختيار الشعبي لا الفرض التنظيمي.
وفي عام 2014، أبصر النور دستور وطني حقيقي، شارك في إعداده طيف واسع من المجتمع، وضَمِن الحريات، وكرّس مبدأ المساواة، وأكّد على مدنية الدولة واستقلال سلطاتها. الدستور لم يكن مجرد وثيقة قانونية، بل عقد اجتماعي جديد يؤسس لجمهورية حديثة، عمادها المواطن، وحُكمها القانون، وقيمها العدالة والتعددية.
ما بعد 30 يونيو شهد أعنف موجات الإرهاب، إلا أن الدولة المصرية، بقيادة قواتها المسلحة وشرطتها الوطنية، خاضت معركة وجود ضد قوى التطرف، وتمكنت من تطهير سيناء، وتفكيك أخطر الخلايا الإرهابية، وترسيخ الأمن في ربوع البلاد. كما شهدنا تفعيلًا للدور الفكري في المواجهة، عبر مؤسسات دينية وتعليمية واجتماعية تسعى لاجتثاث جذور الفكر المتطرف.
ولقد الثورة مهدت لانطلاقة تنموية شاملة، لم تعرفها مصر منذ عقود. من قناة السويس الجديدة إلى العاصمة الإدارية، من شبكة الطرق العملاقة إلى مشروعات الإسكان والطاقة، إلى المدن الذكية والمناطق الصناعية الجديدة. المشروعات لم تكن مجرد بنية تحتية، بل رؤية دولة تسعى لبناء اقتصاد قوي، وخلق فرص عمل، وتوفير حياة كريمة لمواطنيها.
وكان من أجمل ما أفرزته الثورة فتح الباب أمام تمكين حقيقي للمرأة المصرية، التي أصبحت تتصدر المشهد في السياسة والإدارة والقضاء والدبلوماسية. كما تم دعم الشباب عبر برامج تأهيلية ومبادرات رئاسية، وفتحت لهم مسارات القيادة والعمل، ليشاركوا في رسم ملامح المستقبل بدلًا من الوقوف في طابور الانتظار.
لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد حراك سياسي عابر، بل كانت نداءً من أعماق الوعي الجمعي، رفضًا للتزييف، واستعادة للهوية، وبداية لعصر جديد.
وبينما يستكمل المصريون اليوم مسيرة البناء والإصلاح، تبقى 30 يونيو شاهدًا على أن الشعوب هي صاحبة السيادة الحقيقية، وأن الإرادة الوطنية إذا اجتمعت، لا تهزم.