recent
أخبار ساخنة

أضناني بعدك ... للأديب الدكتور سعيد محمد المنزلاوي

 أضناني بعدك 


قصة قصيرة

 بقلم د. سعيد محمد المنزلاوي 



أيقظك قبيل الفجر ألم حاد، أمسكت بطنك بكلتا يديك؛ كي توقفين الألم الذي يمزق أحشاءك. عبثًا حاولت إيقاف الألم. صرخت بقوة الألم المستبد بجسدك النحيل: 

- آه

وددت لو شقت تلك الآهة جدار المكان، وسافرت إلى زوجك، فأيقظته؛ ليسعفك. 

- ما أقسى البعاد! إنني أموت بدونك. 

كانت هذه رسالتك له على الواتساب؛ كي يقرأها عندما يستيقظ من نومه. ثم عدت وحيدة تفترسك آلامك وأوجاعك. 

مرت ساعة من الآلام والانتظار، اتصل بك زوجك، حاول أن يخفف عنك بعض الألم، وود لو احتمله كله عنك. 

خلال حديثه معك، زالت عنك أوجاعك، تبدد الألم. شعرت بنشوة غامرة. 

لم تدر كم استغرقت مناجاتكما، كان حديثكما في عذوبة الأحلام والنجوى. أيقظك منها على غرة قوله: 

- عذرًا حبيبتي، لقد تأخرت عن الدوام. 

منحك قبلة عجلى، ثم أغلق الاتصال. 

عدتِ إلى وحدتك من جديد، وعاودك الألم العنيد، يمزق أحشاءك دون رحمة. 

دون شهية، تناولتِ إفطارك؛ لتتبعيه بجرعات من الدواء المر. مر بعض الوقت، زال عنك بعض الألم. 

وددت لو كان معك الآن، يحتويك بذراعيه، ويغنيك عن الدنيا، وينسيك آلامها. 

على عجلٍ ارتديتِ ثيابك، فقد حان وقت دوامك. 

وبينما كنت تصففين شعرك، أبرقت في مفرقك شعرات بيض.  لقد بدأ الشيب يزحف بلا هوادة في مفرق رأسك، كان العمر ينسحب من بين أناملك، وأنت هنا وحيدة، وزوجك هناك وحيد. باعدت بينكما قلة ذات اليد. 

- لا أستطيع تحمل بعدك عني. 

صرخت في وجهه؛ كي لا يرحل. ودار بينكما جدال طويل: 

- أنتِ تعرفين سبب سفري. 

- وأنتَ تعرف مقدار معاناتي، وأنتَ بعيد عني. 

- من أجلك سأسافر، لا أستطيع رؤيتك وأنت تتألمين.

جادلته طويلًا، ورضخت مرغمة إلى قراره بالسفر إلى بلاد النفط؛ كان عليه أن يجمع لك ثمن العملية، التي تضمن بقاءك بلا علة. 

تعلمين أنه يضحي من أجلك، ولكنك تريدينه بجانبك، تخشين أن تموتي وحيدة. 

- آآآه. 

ندت عنك تلك الصرخة، فمزقت أحشاءك، واصلت الضغط بكلتا يديك على بطنك؛ كي تكتمين الألم، لكن عبثًا كنت تحاولين. تحاملت على أوجاعك، كي لا تتأخرين عن الدوام. 

مضت سحابة اليوم بين العمل والألم، ثم عدت أدراجك إلى بيتك. 

في المساء، زرت طبيبك المعالج، نصحك بالمسارعة في إجراء العملية، فكل يوم يمر، يزداد الخطر عليك. 

كان المبلغ باهظًا، هاتفت زوجك، أخبرته بما قاله الطبيب، وضرورة إجراء العملية في أسرع وقت. 

لم يكن ما جناه زوجك من عمله يفي بكل تلك المصروفات، لكنه طمأنك، ووعدك بالحل السريع. 

مر يومان، انقطع فيهما اتصال زوجك بك، الهاتف، مواقع التواصل، كلها مغلقة. حاولت الاتصال بكل من يعرفه، لكن لم يستطع أحد من التواصل معه، فقد كان هاتفه مغلقًا. 

دارت بك الظنون، هل أصابه مكروه؟ هل تخلى عني؟ هل؟ هل؟ 

في اليوم الثالث جاءك اتصال منه، طمأنك عليه، وزف لك بشرى عودته إليك قريبًا، بل وأرسل إليك تكاليف العملية. 

- ستشفين، وتعود إليك نضارتك، وإشراقة وجهك من جديد. 

- نضارتي وأنت معي، وإشراقة وجهي، وأنا بين يديك. 

لم يمض أسبوع إلا وحجز زوجك أول طائرة إليك، دخلت حجرة العمليات، بينما كان زوجك يحلق في الفضاء، مبتهلًا لربه أن يشفيك. 

وبينما كنت تستردين وعيك، كانت أنامله تربت في حنان على يديك، تشابكت أناملكما بقوة، ولولا تحذير الممرضة، لعانقتيه مذيبة آلام البعاد الطويل. 

كان وهو يحادثك قد بدا عليه الإعياء والضمور بشكل يدعو للتساؤل. علمت بعد إلحاح منك أنه باع إحدى كليتيه؛ من أجل أن يوفر لك تكاليف عمليتك. 

كان وقع الخبر عليك كالصاعقة. جاهد أن يخفف عنك: 

- وماذا تُغني حياتي بدونك؟ 

اعتصرت يديه بين كفيك، وغمرتهما بالقبل. 

لم يكن لديك كلام توفينه حقه.

كان حبه لك غاليًا.

حين ثقلت أجفانك، توسدت راحة يده، واحتضنت بيديك كفه الأخرى.

أضناني بعدك  ... للأديب الدكتور سعيد محمد المنزلاوي
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent