أوبنينسك.. أول محطة نووية في العالم ترى النور من قلب الاتحاد السوفيتي
في مثل هذا اليوم من عام 1954، كتب الاتحاد السوفيتي صفحة جديدة في تاريخ الطاقة، بإطلاقه أول محطة طاقة نووية في العالم بمدينة أوبنينسك، لتكون إيذانًا ببداية استخدام الطاقة الذرية لأغراض سلمية. المحطة كانت بمثابة إنجاز هندسي غير مسبوق، إذ استخدمت اليورانيوم المخصب لتوليد 5000 كيلوواط من الكهرباء، فاتحة الطريق لعصر جديد من الاعتماد على الطاقة النووية في توليد الكهرباء.
نجاح محطة أوبنينسك لم يكن مجرد تجربة، بل انطلاقة لبرنامج ضخم اعتمد عليه السوفييت لاحقًا لتشييد المزيد من المحطات، من أبرزها محطة نوفوسيبيرسك التي فاقت قدرة أوبنينسك بأكثر من مئة مرة. ومع أن الاستخدامات الأولى للطاقة الذرية ارتبطت بالأغراض العسكرية، فإن هذا التحول إلى الاستخدام المدني عزز من مكانة الطاقة النووية في منظومة الطاقة حول العالم.
ورغم هذا النجاح، فإن مشاريع الطاقة النووية لم تكن بمعزل عن التحديات. فقد عانى البرنامج من تباطؤ في التوسع بنهاية الخمسينيات بسبب صعوبات اقتصادية، فضلًا عن تزايد المخاوف بشأن الأمان النووي، خاصة بعد كارثة تشيرنوبيل الشهيرة عام 1986، التي ألقت بظلالها على المشهد العالمي للطاقة النووية.
كارثة تشيرنوبيل، التي وقعت خلال اختبار روتيني في المفاعل الرابع بالمحطة، أسفرت عن انفجار مروع أدى إلى تسرب كميات هائلة من الإشعاعات، وأودى بحياة 31 شخصًا فورًا، وأصاب مئات الآلاف من العاملين في مهام الإطفاء والتنظيف. كما تعرض أكثر من 8 ملايين شخص في روسيا وأوكرانيا وبيلاروس لمستويات متفاوتة من الإشعاع، مما حول الحادث إلى واحد من أسوأ الكوارث النووية في التاريخ.
أما محطة أوبنينسك، فقد مثلت مزيجًا من الطموح الهندسي والرؤية المستقبلية، حيث استخدمت مفاعل AM-1 بقوة 5 ميجاوات مزودًا بتقنيات تبريد حديثة، ما مكنه من العمل بكفاءة لأكثر من 48 عامًا. وبجانب توليد الكهرباء، لعبت المحطة دورًا مهمًا في الأبحاث النووية وإنتاج النظائر المستخدمة في المجال الطبي.
ومع تطور التقنية، شهد نظام التحكم في المفاعل تحسينات كبيرة، شملت إمكانية الإيقاف الآمن في حالات الطوارئ، والتحكم عن بُعد في عناصر المفاعل، واستبدال أجزاء التشغيل، لتضمن أعلى درجات الأمان والسلامة.
في مايو من عام 1954 بدأ تشغيل المفاعل رسميًا، وفي يونيو أضاءت محطة أوبنينسك أول مصباح كهربائي من طاقة نووية سلمية في التاريخ. ومع أن المحطة توقفت نهائيًا عن العمل في أبريل 2002 لأسباب اقتصادية، فإنها ستظل رمزًا لبداية الثورة النووية السلمية، ونقطة انطلاق لرحلة ممتدة غيّرت شكل العالم في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والطب.