الإعلام العربي في زمن الذكاء الاصطناعي... بين التحدي وإعادة الاختراع
بقلم د. هاني الزنط
تقف وسائل الإعلام أمام مفترق طرق حاسم. لم يعد التحدي مجرد الانتقال من الورقي إلى الرقمي، بل في إعادة صياغة المضمون والأسلوب لمواكبة جمهور أكثر وعياً وتطلباً. وفي الشرق الأوسط، يضاف إلى ذلك واقعٌ محلي مركّب من السياسة والمجتمع والاقتصاد، ما يجعل السؤال الأهم اليوم: كيف يحافظ الإعلام على دوره كصوت للحقيقة وسط فوضى المعلومات؟
انخفضت ثقة الجمهور بالإعلام بسبب انتشار المحتوى المضلل عبر مواقع التواصل، ما جعل كثيرين يبحثون عن مصادر بديلة للمعلومة. استعادة هذه الثقة تتطلب شفافية، مهنية، واستقلالية حقيقية في صناعة الخبر. تعاني المؤسسات الصحفية من ضعف الموارد بعد تراجع الإعلانات وصعوبة تطبيق أنظمة الاشتراك المدفوعة، مما يهدد جودة المحتوى ويقلل من فرص تمويل التحقيقات الاستقصائية الجادة. ومن الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات التحليل البياني، أصبح الإعلام مطالباً باستخدام أدوات ذكية لا تكتفي بعرض الخبر، بل تفسّره وتربطه بسياقه الواقعي. الصحفي العربي يعيش في بيئة مليئة بالتحديات الأمنية والمعلوماتية، فالأمان الرقمي وحماية المصادر لم تعد رفاهية، بل شرطاً أساسياً لاستمرار المهنة.
يمكن للإعلام العربي أن يصنع الفرق حين يروي القصص المحلية بأسلوب إنساني عالمي يلامس القارئ في أي مكان، فيجد فيه رسالة وقيمة مضافة. ومن الموقع الإلكتروني إلى تطبيق الهاتف والبودكاست، أصبحت الشراكة بين الوسائط ضرورة لخلق تجربة تفاعلية متكاملة تزيد من ولاء الجمهور. باستخدام أدوات التحليل المفتوح والذكاء الاصطناعي، يمكن للصحفي أن ينتج محتوى تحليلياً يواجه الأخبار الكاذبة ويُعيد الثقة في المعلومة الموثوقة. الإعلام لا ينقل فقط، بل يُعلّم كيف نفهم ونفكك ما يُنقل إلينا، فتثقيف الجمهور حول كيفية التحقق من الخبر هو نصف المعركة ضد التضليل.
تعتمد سياسة المحتوى الحديثة على نموذج مزدوج يجمع بين المحتوى المفتوح والمدفوع، ويستخدم تحليلات الجمهور لتخصيص التجربة وتطوير المحتوى، كما تبني الشراكات مع الجامعات والمؤسسات البحثية لتعزيز المصداقية، وتلتزم بتدريب الصحفيين على الأمن الرقمي وحقوق النشر.
الإعلام العربي أمام فرصة تاريخية، إما أن يظل متلقياً للتقنية من الخارج، أو أن يصنع نموذجه الخاص الذي يجمع بين الأصالة والحداثة. فالمستقبل لن يكون لمن يملك المنصة فقط، بل لمن يملك الثقة والوعي والرؤية. الإعلام ليس مجرد وسيلة، بل هو ضمير المجتمع وصوت الحقيقة.
