recent
أخبار ساخنة

حين يتكلم القرآن.. تتجلى الرحمة وتعلو القيم

 

حين يتكلم القرآن.. تتجلى الرحمة وتعلو القيم

حين يتكلم القرآن.. تتجلى الرحمة وتعلو القيم


بقلم: د. خالد البليسى


«العِلمُ رحمٌ بين أهله»… عبارة قصيرة، لكنها بدت حاضرة بكل معناها وهي تتجسد أمام أعين الملايين من خلال برنامج «دولة التلاوة»، ذلك العمل القرآني الفريد الذي لم يكن مجرد مسابقة، بل رسالة أخلاقية وإنسانية وثقافية، أعادت التذكير بجوهر القرآن وأهله.

وما ظنك إذا كان هذا العلم هو علم أشرف الكتب السماوية وأعظمها؛ القرآن الكريم؟

هنا يكاد العقل يطيش من فرط الجمال، لا من مشهد واحد، بل من رحلة كاملة تبدأ منذ لحظة الإعداد لهذا البرنامج، الذي أعاد إحياء أصول وقيم أصيلة في المجتمع المصري، بل في وجدان الأمة الإسلامية والعربية، مؤكدًا برسالة واضحة لا لبس فيها: مصر هي دولة التلاوة بلا منازع، وستظل – بإذن الله – منبعًا لا ينضب للقرآن وأهله.

لقد شاهدنا أحفاد دولة التلاوة، وهم يحاكون الكبار من القراء العظام، في مشهد يعيد إلى القلوب شعور الفخر والاعتزاز بهذا الوطن المعطاء، الذي ما زالت أرضه تنبت قرّاءً، وتحمل فوق ترابه أجيالًا تحفظ كتاب الله، وتتشرب أخلاقه قبل حروفه.

وما نشاهده اليوم ليس مصادفة، بل ثمرة إعداد دقيق وانتقاء راقٍ، يبدأ من وزارة الأوقاف المصرية، ممثلة في معالي وزيرها فضيلة الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، حفظه الله ورعاه. رجل نرى فيه صورة العالم العامل، المتواضع بلا تصنّع، الذي أعاد للأوقاف مكانتها وهيبتها. ومن أصدق الشواهد على ذلك، ذلك المشهد الإنساني المؤثر حين نزل الوزير بنفسه ليواسي طفلًا بكى لخروجه من المنافسة، بكلمات طيبة وضمّة أبوية صادقة، شعر معها الطفل بالاحتواء قبل المواساة… مواقف لا يتسع المقام لحصرها.

ثم تأتي لجنة التحكيم من العلماء الأجلاء، فتشعر وأنت تتابع ملاحظاتهم أن مصر – بل الأمة – محفوظة بأمثال هؤلاء. علم راسخ، وأدب جم، وتواضع حقيقي للعلم وأهله. لا كلمة تخرج إلا بميزان، ولا ملاحظة تُقال إلا بروح تربوية، تعلّم قبل أن تحكم.

أما المشهد الأجمل والأرقّ، فهو ما قدّمه أحفاد دولة التلاوة من المتسابقين أنفسهم. رحمة متبادلة، ومودة صادقة، ومنافسة شريفة. نرى البصير يمسك بيد منافسه الضرير، يقوده إلى الداخل أو الخارج، في صورة إنسانية تختصر معنى الأخوّة. ونرى من خرج من المنافسة يهنئ من بقي، بابتسامة صافية من القلب، لأنهم أدركوا أن الغاية أسمى من الفوز، وأنها منافسة «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون».

وتبلغ المشاعر ذروتها في ذلك المشهد الخالد، حين خرج الطفل عبد الله من المسابقة، وبكى بدموع أبكت الملايين. يشعر به الشيخ عطية الله – أحد المتسابقين – دون أن يراه بعينه، لكن الله وهبه نور البصيرة، فيقدّم موقفًا سيظل محفورًا في الذاكرة، حين يؤثر أخاه على نفسه قائلًا: «خذ مكاني، وأنا متنازل عن مكاني ودرجاتي لعبد الله».

أي جمال هذا؟ وفي أي زمن نعيش؟ وأمام أي طراز من البشر نحن؟

إنه القرآن يا سادة… وهؤلاء هم أهل القرآن، فلا عجب.

لقد أثبت «دولة التلاوة» أن القرآن لا يُتلى بالأصوات وحدها، بل يُترجم أخلاقًا، ورحمة، وتواضعًا، وحبًا. وأن مصر، بتاريخها وقرّائها وعلمائها، ستظل – بإذن الله – دولة التلاوة… قلبًا وصوتًا ورسالة.


google-playkhamsatmostaqltradent