ليس تمكينًا للمرأة بل تفكيكًا متعمدًا للأسرة
بقلم: حسن سليم
ما يطرح تحت لافتة تمكين المرأة، يثير سؤالا جوهريا لا يجوز القفز فوقه وهو هل ما نراه اليوم هو فعلا تمكين حقيقي، أم أنه مسار مقلق يؤدي تدريجيًا إلى تفكيك الأسرة وضرب استقرارها من الداخل؟
المتابع بإنصاف يدرك أن كثيرًا من الشعارات البراقة التي ترفع باسم حقوق المرأة تستخدم، أحيانًا، كغطاء لسياسات وتشريعات تقصي الأب، وتحول العلاقة الأسرية من شراكة تكاملية إلى ساحة صراع دائم، يدفع ثمنه طرف واحد في النهاية هو الطفل.
تمكين المرأة في جوهره الإنساني والاجتماعي لا يعني إقصاء الرجل ولا تحجيم دوره الطبيعي داخل الأسرة.. لا يعني تحويل الأب إلى مجرد مصدر إنفاق أو محفظة نقود بلا حضور تربوي أو عاطفي.. ولا يمكن بأي حال اعتباره مبررا لحرمان الطفل من والده باسم الحضانة أو حماية الأم، فحين يختزل الأب في دوره المالي فقط وتغلق أمامه أبواب المشاركة في التربية والرعاية، نكون أمام خلل عميق لا يخدم المرأة ولا الطفل ولا المجتمع.
الأخطر من ذلك أن بعض تطبيقات قانون الأسرة الحالي تتعامل مع الأب وكأنه خطر محتمل يجب إبعاده، لا شريكا أصيلا في بناء الأبناء.. هذا المنطق لا يستند إلى دين ولا إلى علم اجتماع ولا إلى علم نفس، بل يتناقض مع أبسط الدراسات التي تؤكد أن غياب الأب عن حياة الطفل من أبرز أسباب الانحراف السلوكي والاضطراب النفسي وفقدان الشعور بالأمان والانتماء، فالطفل لا يحتاج إلى أم فقط، مهما بلغ دورها وقدرها، بل يحتاج إلى أب وأم معا، إلى نموذجين متكاملين في القيم والقدوة والانضباط والاحتواء.
التمكين الحقيقي إذن، ليس تمكين طرف على حساب طرف آخر، بل تمكين الأسرة ككيان متكامل.. أسرة يكون فيها الأب حاضرا ومسؤولا، لا مهمشا ولا مطاردا داخل أروقة المحاكم.. وأسرة تكون فيها الأم مكرمة، محفوظة الحقوق، محمية قانونيا واجتماعيا، دون أن تستخدم حقها كسلاح لهدم العلاقة مع الأب.. وطفل ينشأ في بيت مستقر، لا في ساحات التقاضي وجلسات النزاع، ولا وسط لغة الكراهية المتبادلة بين الوالدين.
إن أخطر ما في بعض التشريعات الأسرية المعاصرة أنها تتعامل مع الطفل بوصفه ورقة ضغط، لا مصلحة عليا.. يتم الحديث عن حقوقه نظريا، بينما تتخذ قرارات عملية تصب في إبعاده عن أحد والديه، غالبا الأب، دون النظر إلى الأثر النفسي طويل المدى.. والحقيقة الثابتة أن مصلحة الطفل لا تتحقق بإقصاء أحد الوالدين، بل بتعاونهما، حتى في حال الانفصال، ضمن إطار من العدالة والتوازن.
ولا يمكن إغفال أن مصطلحات مستوردة مثل تمكين المرأة، حين تنقل بلا سياق ثقافي أو اجتماعي، تتحول من أدوات حماية إلى وسائل هدم، فالمجتمعات ليست نسخا متطابقة، وما يصلح في بيئة معينة قد يكون مدمرا في بيئة أخرى.. فاستخدام هذه المصطلحات دون وعي قد يقود إلى تفكيك الأسرة بدل إصلاحها، وإلى تعميق الصراع بين الرجل والمرأة بدلا من ترسيخ مفهوم الشراكة.
ما نحتاجه اليوم هو قوانين عادلة لا منحازة، تشريعات تنطلق من مصلحة الطفل أولا، لا من معارك أيديولوجية أو شعارات إعلامية.. نحتاج إلى منظومة قانونية ترى في الأب والأم شريكين، لا خصمين، وتدعم فكرة المسؤولية المشتركة لا العقاب الجماعي.. نحتاج إلى حماية حقيقية للطفل، لا المتاجرة باسمه أو استخدامه كوسيلة للضغط أو الانتقام.
الأسرة ليست ساحة حرب بين الجنسين، بل نواة المجتمع وأساس استقراره.. وإذا انهارت الأسرة، فلن ينجو المجتمع مهما رفعت من شعارات.. الأسرة أولا، والطفل خط أحمر، والأب ليس عدوا.. هذه حقائق يجب أن تكون منطلق أي نقاش جاد حول قوانين الأسرة، بعيدا عن المزايدات، وقريبا من مصلحة الإنسان.
