recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

عظمةالإسلام في التسامح مع غير المسلمين

 عظمةالإسلام في التسامح مع غير المسلمين



بقلم دكتور.طارق عتريس أبوحطب


الإسلام دين، و دنيا،دستور،وشريعة،قول،وعمل،حياة ونسك، ارتضاه الله لعباده،و أكمله لهم، و أتم عليهم به النعمة،فهو قوام كل مائل، وقصد كل جائر، ونصفة كل ملهوف، يهدي إلى البر،و ينأى عن الشر،يدعو إلى كل فضيلة و مكرمة، و ينفر من كل دنيئة و منقصة،به فخر الموحدين،و عزة الطائعين، و سبيل المهتدين،و شرعة الطامحين،و مبتغى السالكين ،به يزداد المؤمنون يقينا؛لأنه طريق السعادة، والاستقامة، والسلام،( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) ٱل عمران١٩،  ومن أبرز خصائص الإسلام الكمال والشُّمول والعالَميَّة؛ لذا جاءت تشريعاته عامَّة 

وجاء خطابُه عالميًّا، ، متضمِّناسعادةَ الدَّارين، فلم يخص بفيوضات رحمته أهله المنتسبين إليه، بل وسعت رحمته كلَّ ذات كبد رطبة،فكان بحق سبيل الإحسان إلى الناس كافَّة، والتعامل معهم بالحسنى؛و الأخلاق المثلى،ومن هنا كانت الدعوة الصريحة التي أطلقها القرٱن الكريم في سورة الإسراء ٱية ٥٣(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)وفي هذا إعلان و بيان أن الشيطان يتربَّص بالناس الدوائرَ، ويحرص أن يَنزَغ بينهم، ويجعلهم عُرْضة للخِصام والتناحر، والسِّباب والتقاتل، فأمر بدايةبالقول الحسن - الذي هو أصل التعامل وأساسه - ليغرس الأُلفة والمودة، ويؤصل الرحمة  في القلوب والصدور،قال تعالى في سورة البقرةٱية ٨٣ :(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)فقدَّم القولَ الحَسَن للناس على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ليدرِكوا أهميةَ التعامل الحَسَن مع الناس في الإسلام، وفضله على سائر الأحكام و الفرائض والواجبات، وعندما امتدح الله تعالى عبادَه الصالحين وما اتَّصفوا به من كريم الصفات، وطيِّب الأخلاق، ذكَر في طليعة صفاتهم في سورة الفرقان ٦٣(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)، يقول ابن كثير: "إذا سَفِه عليهم الجُهَّال بالسيئ، لم يُقابِلوهم عليه بمِثله، بل يَعفُون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرًا"، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، وهي حقيقة أكدها القرٱنالكريم في الٱية ٥٥ من سورة القصص (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) ومن هنا؛ حَظِيَ جانب العلاقات بين الناس باهتمام كبير من التشريع  الإسلامي، خاصةالعلاقة بين المسلمين ومخالفيهم في الاعتقاد، سواء في الأصول العامة التي تقوم عليها تلك العلاقة، أو في الفروع التفصيلية المرتبطة بها.

 و هو في التعامل الحسن  لا يُفرِّق بين المسلم وغير المسلم، سواء كان مشركًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا؛رغم ما يُروَّج من شُبَهات وأباطيلَ تصف الإسلام بدين السيف، ونَبْذ الآخر المخالف في العقيدة، وعدم الاعتراف به، فإن المتأمل المحقِّق في تاريخ الإسلام ليجد صورةً مناقِضة تمامًا لِما سبق، صورة شعارُها الاعتراف بالآخر والتسامح معه؛ فقد وفَّر الإسلام لغير المسلمين مالم يتوفر لهم حتى في عقائدهم من العيش الآمن والمستقر، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، فاسحًا لهم المجالَ لممارسة شعائرهم، والتمتع بحرياتهم، بل والتمكين لهم داخل بلاد الإسلام، فكثيرا ما وجه القرآن الكريم- وهو دستورالمسلمين - أتباعه إلى حسن التعامل مع مخالفيهم في الدين، فوضع قانونًا عامًّا التزم به الرسولُ صلى الله عليه وسلم والمسلمون في جميعِ عصورهم وديارهم، وهو:( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)الٱية ٢٥٦ من سورة البقرة،والتي ورد عن عبدالله بن عباس،أنها نزلت  في مسلمٍ من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له: الحصين، كان له ابنان نصرانيان، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا استكرهتهما على الإسلام، فإنهما قد أبيَا إلا النصرانيةَ، فأنزَل الله فيه الآية، فلم يُجبِر الإسلام أحدًا على الدخول فيه مكرهًا، بل ترك الناس وما اختاروه لأنفسهم من العقيدة، حتى إن الخالق- جل وعلا- أنكر على الرسول- صلى الله عليه وسلم- شدةَ حرصِه على إسلام المشركين من أهل مكة في الٱية ٩٩ من سورة يونس :(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)،وقد عقبت المستشرقة الألمانية "زغريد هونكه"في كتابها"  شمس العرب تسطع على الغرب "على هذا المبدأ:"... وبِناءً على ذلك، فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبةِ الدخولَ في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية،و المانوية، واليهود،وغيرهم الذين لاقوا قبل الإسلام أبشعَ أمثلة التعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعًا - دون أي عائق يمنعهم - بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوتَ عبادتهم وأَدْيِرَتهم وكَهَنتهم وأحبارهم دون أن يمسُّوهم بأدنى أذى"

كما حثَّ القرآن الكريم على المعاملة الحَسَنة مع المسالِمين من غير المسلمين قال تعالى في سورة الممتحنة ٱية ٨ (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، وأحل طعام أهل الكتاب ومصاهرتهم 

في سورة المائدة ٱية ٥ (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)،و في سورة العنكبوت ٱية ٤٦ (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)دعا إلى، التلطف لهم في القول، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، ذلك لأن الناس في نظر الإسلام سواسية كأسنان المُشْط، وهم- وإن اختلفت أديانهم،و معتقداتهم- تجمعهم أخوة الإنسانية، ويُوفِّر الإسلامُ لهم جميعًا الحقَّ في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز؛ قال تعالى: في سورة الإسراء ٱية ٧٠(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، فالاختلاف الذي يوجد في أفراد المجتمع الإنساني -سواء من حيث اللون أوالجنس أواللغة - آيةٌ من آيات الله تعالى؛ كما قال تعالى في سورةالروم ٱية ٢٢:(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)، وهذا الاختلاف ليس مَدْعاة للتنافر والتناكُر، بل هو سبب للتعارف والتعاضد والتعاون على الخير والبِرِّ والتقوى؛ كما تَحدَّث عنه القرآن الكريم في سورةالحجرات ٱية ١٣ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، و تتجلى سماحة الإسلام، في قبول الٱخر، في حثه على احترام كرامة الآخر الإنسانية وصيانتها وحِفْظها، وعلى تعميق الشعور الإنساني بهذه الكرامة، وما دامت الرسالة الإسلامية مما يحقق في المقام الأول سعادةَ الإنسان وصلاحه، ويضمن جلْب المنفعة له ودرء المفسدة عنه،و هذه المقاصد الشريفة هي مُنْتهى التكريم الإلهي للإنسان بكل الدَّلالات الأخلاقية والمعاني القانونية للتكريم،ف لقد أمر الإسلامُ أتباعَه بالمحافظة على كرامة غير المسلمين ومراعاة مشاعرهم، ونهى عن جَرْح عواطفهم؛ في التوجيه السماوي الحكيم في سورة الأنعام ١٠٨ (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،فهنا نهي صريح عن النيل من الآلهة التي يَعبُدها المشركون من الوثنيين والبوذيين، وكل هذا صونًا لكرامة الإنسان، وحِفاظًا على حريَّته، واحترامًا لمشاعره؛ يقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة:" لا يَحِل لمسلم أن يَسُب صُلبانهم، ولا دينهم، ولا كنائسهم، ولا يتعرَّض إلى ما يؤدِّي إلى ذلك؛ لأنه بمنزلة البعث على المعصية"، ثم إن هذا الدستور الذي سنَّه القرآن الكريم في التعامل مع أهل الكتاب، وجد تطبيقه العملي على أرض الواقع في كل عصور الإسلام وفي جميع بقاعه،و ربوعه،  يتجلَّى لنا في التعامل النبوي مع غير المسلمين

وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة المسلمين في ذلك، فقد روي عنه أنه كان يحضر ولائمَهم، ويعودُ مرضاهم، ويُحسِن إلى محتاجهم، وروي أنه كان يقترض مِن أهل الكتاب نقودًا ويرهن عندهم أمتعتَه، حتى إنه تُوفِّي ودرعُه مرهونة عند يهودي بالمدينة في دَيْن عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك؛ ولم يكن فعله لعجز من أصحابه عن إقراضه؛ إذ كان منهم الموسرون، بل كان يفعل ذلك تعليمًا للمسلمين وإرشادًا، و في السيرة النبوية لابن هشام،أن النبي- صلى الله عليه وسلّم- لَمَّا زاره وفد نجران النصراني، استقبلهم في مسجده، وفرش لهم عباءته وأجلسهم عليها، وعندما حان وقت الصلاة قاموا متوجهين نحو المشرق ليصلوا صلاتهم، فقام المسلمون لمنعهم عن ذلك، فنهاهم عن ذلك، وتركهم يصلون في طمأنينة، و في الحديث الذي رواه ابن إسحاق،  و ذكره ابن هشام، عندما فتح مكة، وكان المسلمون آنذاك أكثر قوةً وأكثر عددًا، عفا عن المشركين، ولم يلحق بهم أي أذى رغم كل ما فعلوه به عندما كان بين ظهرانيهم، بل قال لهم قولتَه الشهيرة: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟"، قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال:" اذهبوا؛ فأنتم الطلقاء"،و قال الهادي البشير في الحديث الذي رواه أبو داود: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا خصمه يوم القيامة" وفي الحديث الذي رواه أحمد،و النسائي بسند صحيح يقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم-: "مَن قتل رجلًا من أهل الذمة، لم يجد ريح الجنة"، وكتب النبي  عهدًا إلى يهود المدينة جاء فيه:" لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم"'، ولم تقتصر تعاليم النبوة على الأحياء فحسب؛  بل حتى مع الأموات منهم؛ فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: مرَّ بنا جَنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقُمْنا به، فقلنا: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي؟! قال:"إذا رأيتم الجنازةَ، فقوموا"   وفي رواية: فقال صلى الله عليه وسلم: "أليست نفسًا؟!"، و نجده - صلى الله عليه و سلم- يوصيناوصية صادقة، و يدعونا دعوةصارمة، إلى التعامل الحَسَن مع سائر الخلق -على اختلاف أجناسهم وألوانهم، واختلاف مذاهبهم ومشاربهم -، بالرحمة والألفة، والمودة والرأفة  في توجيهه الكريم،  في سنن الترمذي، من حديث عبد الله بن عمرو " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم من في السماء"، ويَضمَن صلى الله عليه وسلم للقائمين بهذا التعامل الحسن الرحمةَ من الله - عز وجل - في الدنيا والآخرة، كماأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا ويؤذونهم في أنفسهم وأموالهم؛ في قوله الشريف في صحيح ابن حبان عن حكيم بن حزام "إن الله يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا"، كماأوصىانا- عليه أفضل الصلاة و السلام-  بالإحسان إلى كلِّ شيء، إنسانًا كان أوحيوانًا، قريبًا كان أو بعيدًا، مسلمًا كان أو كافرًا، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه النووي،عن شداد بن أوس بن ثابت بن المنذر  :" إن الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء؛ فإذا قتلتُم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، وليُحِدَّ أحدكم شفرتَه، وليُرِح ذبيحته"، حتى قال صلى الله عليه وسلم:" في كل كَبِد رَطْبةٍ أجرٌ"، والإسلام لا يسمح لأتباعه بسوء التعامل مع الطير أو الحيوان، فضلاً عن الإنسان، وقد أورد النووي في " رياض الصالحين " عن ابن مسعود رضي الله عنه"كنَّا معَ رسولِ اللَّهِ في سفَرٍ فانطلقَ لحاجتِهِ فرأَينا حُمَّرةً معَها فرخانِ فأخَذنا فرخَيها فجاءت تعرِشُ فجاءَ النَّبيُّ فقالَ : مَن فجعَ هذِهِ بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها إليها. ورأى قريةَ نملٍ قد حرَّقناها. فقالَ : مَن حرَّقَ هذِهِ ؟ قُلنا : نحنُ قالَ : إنَّهُ لا ينبَغي أن يعذِّبَ بالنَّارِ إلَّا ربُّ النَّارِ"

 هكذا كان تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأعجم الضعيف من الطير،كله رحمة و تسامح،ناهيك عن غير المسلمين غير المسلمين، وهذا ما جعل العديدَ من علماء الغرب يُثْنون عليه ويشيدون بتسامحه،فهءا أديب بريطانيا الأشهر " جورج ويل " الذي يقول "محمدأعظم من أقام دولة للعدل،والتسامح"،و المؤرخ الفرنسي  "جوستاف لوبون" الذي قال في كتابه "حضارة العرب" فيما يتعلق باليهود، وبالمسيحيين خاصة: وعلى النقيض من الاعتقاد السائد، ظهر محمد معهم في منتهى التسامح والرحمة،وكان ذلك كله في إطار محكم من العدل، و المساواة،و التوجيه الحكيم الذي كان من أثره تقسيم غير المسلمين فئات،لكل فئة سبيلها في التعامل،و التواصل،فمنهم أهل الحرب "وهم الكفار الذين بين المسلمين وبين دولتهم حالة حرب، ولا ذمة لهم ولا عهد، ولا ميثاق" كما ذكر الشوكاني في " نيل الأوطار"،ومنهم  أهل الذمة" وهم الكفار المقيمون تحت ذمة المسلمين،وفي ظل رايتهم،و يُساكِنون المسلمين في ديارهم"، فهؤلاء يخضعون للأحكام الإسلاميَّة في غير ما أُقِرُّوا عليه من أحكام العقائد والعبادات، والزواج والطلاق، والمطعومات والملبوسات، ولهم على المسلمين دفع الضرر، و الأذى عنهم، وحمايتهم، قال ابن الأثير: "وسُمِّوا أهل الذمة؛ لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم"،ومنهم المعاهَد و عرفه ابن بطال بأنه" هو الكافر الذي بينه وبين المسلمين عهد هدنة" فإذا دخل ديارَ المسلمين سمِّي مُستأمَنًا،ومنهم كذلك أهل الأمان: المستأمَن: هو الحربي المقيم إقامة مؤقَّتة في ديار المسلمين،فهم ومستأمَنون، ومعاهدون معاهدة عامة، ومعاهدة خاصة، فمن قَدِم إلى بلاد المسلمين ممن هم على غير ملتنا، لعمل أو تِجارة، وسُمِح له بذلك، فهو: إما معاهَد أو مُستأمَن، فلا يجوز الاعتداء عليه؛ وقد أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَعَامًا"فنحن-المسلمين- مستسلمون لأمر الله - عز وجل - مُحترِمون لما اقتضى الإسلام احترامه من أهل العهد والأمان، فمَن أخلَّ بذلك فقد أساء للإسلام، وأظهره للناس بمظهر الإرهاب والغدر والخيانة، ومَن التزم أحكام الإسلام واحترم العهود والمواثيق، فهذا هو الذي يُرجى خيره وفلاحه" وإن واجب المسلمين بالنسبة لغير المسلمين، أن يضمنوا لهم حرية معتقدهم، و إقامة طقوس شعائرهم، وكثيرا ما عمل أسلافنا الأوائل على استمالة الأمم والشعوب التي اختلطوا بها إلى الإسلام، وذلك بما آتاهم الله من حجة ظاهرة وخلق قويم ودين ميسر تقبله الفطر ولا تستغلق عن فهم مبادئه العقول، وإن فعلنا غير ذلك فقد ناقضنا الفطرة، و انكرنا المحسوس، لأن اختلاف البشر في شرائعهم هو أمر واقع بمشيئة الله تعالى ومرتبط بحكمته،(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً)سورةالمائدةٱية ٤٨،و كما ورد في سورةهود ١١٨ و ١١٩ (ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)

فلكل إنسان حريته المطلقة في اختيار معتقده، وأمر الجميع في الٱخرة إلى الله كما صرحت ٱية الكهف ٢٩ (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها) ومن حق غير المسلم ألا يظلمه ،في نفس أو بدن بضرب أو بإيذاء أو قتل  ، أومال بسرقةأو خيانة أو غش ، أو في عرض بانتهاكه ، إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً فإنه يؤدي إليه حقه ، فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ،لأن الإسلام أوجب له العصمة في هذا كله،لأنه مستأمن وروى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: "ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير"،كذلك لا نأنف من معاملتهم في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك ، لماصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان ، واشترى من اليهود وهذه معاملة ، وتوفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله عليه الصلاة والسلام،و بلغ من التسامح الإسلامي مع غير المسلمين، مراعاةحسن الجوار ، فإذا كان جارك غير مسلم فأحسن إليه ولا تؤذيه في جواره ، وتتصدق عليه إذا كان فقيراً ،من غير الزكاة لقوله تعالى في سورةالممتحنةٱية ٨ ( لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )، وروى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت" قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ"، أيضا و من حق غير المسلم عليك أن تهدي إليه ، وتنصح له فيما ينفعه ، لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ، ودخوله في الإسلام، ،فإن كان الجار كافراً فله حق الجوار ، وإن كان قريباً كافرا فله حقان : حق الجوار ، حق القرابة،  كما ينبغي علينا كمسلمين تهنئة غير المسلمين من أهل الكتاب ، و مشاركتهم؛ إذا كان أبيح لنا مصاهرتهم،و مؤاكلتهم،فمن باب أولى تهنئتهم، وتتأكد مشروعية تهنئتهم في مناسباتهم، طالما يبادرون بتهنئتنا بأعيادنا الإسلامية، فقد أمرنا أن نجازي الحسنة بالحسنة، وأن نرد التحية بأحسن منها، أو بمثلها على الأقل، كما قال تعالى في سورةالنساءٱية٨٦: ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) فلا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرما، وأدنى حظا من حسن الخلق من غيره، والمفروض أن يكون المسلم هو الأوفر حظا، والأكمل خلقا، روى المنذري عن أبي هريرة أن رسول الله  صلى  الله عليه  وسلم  قال" أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا وخيارُكم خيارُكم لأهلِه"، و في صحيح البخاري عن

 أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال"بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ"،علمنا الله ما ينفعنا،  و نفعنا بما علمنا.

عظمةالإسلام في التسامح مع غير المسلمين
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent