ماذا تعرف عن عمرو بن أمية الضمري (الجزء الثانى)
كتب - محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى عمرو بن أميه، وقد وقفنا معه عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمرو بن أمية ومعه سلمة بن أسلم بن حريش الأنصاري فى سرية إلى مكة إلى أبي سفيان بن حرب بن أمية، فعلم بمكانهما فطُلبا فتواريا، وقد ظفر عمرو بن أمية في تواريه فى ذلك في الغار بناحية مكة المكرمه بعبيد الله بن مالك بن عبيد الله التيمي القرشي فقتله، وقد عمد إلى خبيب بن عدي الأوسي الأنصاري وكانت قريش صلبته فأنزله عن خشبته، وقتل رجلًا من المشركين من بني الديل بن بكر، وهم إخوة قومه بني ضمرة بن بكر، وقيل عنه رضى الله عنه، أنه كان أعور طويلًا، ثم قدم المدينة فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقدومه ودعا له بخير، وكان سبب السرية أن أبا سفيان بن حرب، قد قال لنفر من قريش: ألا أحد يغتال لنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإنه يمشي في الأسواق وحده، فأتاه رجل من الأعراب وقال قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم عدوا، فإذا أنت فديتني خرجت إليه حتى أغتاله فإن معي خنجرا كجناح النسر، وإني عارف بالطريق، فقال له أنت صاحبنا، فأعطاه بعيرا ونفقة، وقال له اطو أمرك، وخرج ليلا إلى أن قدم المدينة، ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل عليه، وكان في مسجد بني عبد الأشهل، ومسجد بني عبد الأشهل هو من الأوس، ويقال له مسجد واقم وهو يقع في المدينة المنورة، وهو أحد المساجد التي صلى فيها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويقع مسجد واقم في منازل بني عبد الأشهل التي شملت مافي شرقي حَرَة واقم وامتدت إلى سند حرة واقم إلى الجنوب والجنوب الشرقي حتى منخفض الحَرَة بما في ذلك منطقة العُريض إلى جوار بني حارثة.
وامتدت في الحرة جنوبا وجنوب شرق منطقة العُرَيض وفي اتجاه الغرب وحتى شمال منازل بني ظَفر في الحَرَة، فعقل راحلته وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال إن هذا يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد، فجاء ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجذبه أسيد بن حضير بداخلة إزاره فإذا بالخنجر فأخذ أسيد يخنقه خنقا شديدا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصدقني، قال وأنا آمن، قال نعم، فأخبره بأمره فخلى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وقال يا رسول الله ما كنت أخاف الرجال ، فلما رأيتك ذهب عقلي وضعفت نفسي، ثم اطلعت على ما هممت به، فعلمت أنك على الحق، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، وأما عن أُسَيد بن حُضير الأوسي، فهو صحابي جليل وكان زعيما للأوس في المدينة قبل إسلامه.
وقد ورث عن أبيه مكانته، حيث كان واحدا من كبار أشراف العرب في الجاهلية ومن مقاتليهم الأشداء وقد ورث المكارم كابرا عن كابر وكان صاحب فكر صاف وشخصية مستقيمة قوية وناصعة ورأي ثاقب وهو سبب نزول آية التيمم، وقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قد أرسل مصعب بن عمير إلى المدينة ليعلم ويفقه المسلمين من الأنصار وليدعو غيرهم إلى دين الله، وعلم سعد بن معاذ وكان صديقا لأسيد، فأراد أن يحرضه على مصعب، فقال: انطلق إلى هذا الرجل فازجره، فحمل أسيد حربته، وذهب إلى مصعب الذي كان في ضيافة أسعد بن زرارة وهو من زعماء المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام، وعند مجلس مصعب وأسعد بن زرارة رأى أسيد جمهرة من الناس تصغي في اهتمام للكلمات الرشيدة التي يدعوهم بها مصعب إلى الله.
وفاجأهم أسيد بغضبه وثورته، فقال له مصعب: هل لك في أن تجلس فتسمع، فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره، فقال أسيد: هات ما عندك، وراح مصعب يقرأ من القرآن الكريم (حم، والكتاب المبين، إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) من سورة الزخرف، وقد بدأ قلب أسيد يرق ووجهه يستشرق، فقال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله، كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ فقال مصعب: تطهر بدنك، وثوبك، وتشهد شهادة الحق، ثم تصلي، فقام من فوره ليستقبل الإسلام فاغتسل وتطهر، ثم سجد لله رب العالمين معلنا إسلامه، وفي شهر شعبان من عام عشرين من الهجرة، مات أسيد وحمل نعشه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فوق كتفه ودفن في البقيع، وأما عن عمرو بن أميه فبعدما فشلت خطة إغتيال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
عند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس إلى أبي سفيان بمكة، وذلك بعد قتل خبيب بن عدي وصلبه على الخشبة، وخبيب بن عدي كان صحابي من بني جحجبا بن كلفة من الأوس، وقيل أنه شهد غزوة بدر إلا أن ابن إسحاق والواقدي لم يذكراه فيمن شهد الغزوة، إلا أن المؤكد أن خبيبًا شارك غزوة أحد، ثم شارك في سرية المنذر بن عمرو التي بعثها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أهل نجد ليُعلموهم القرآن، فأُحيط بهم، وقُتل معظمهم، ووقع خبيب في الأسر، فباعوه إلى أناس من مكة، فأخذه أبو سروعة عقبة بن الحارث ليقتُله بأبيه الذي قُتل في بدر، فخرج به إلى التنعيم، ثم استأذنهم في صلاة ركعتين قبل أن يقتلوه، فأذنوا له، فكان أول من استن سُنّة الصلاة قبل القتل صبرًا، ومعنى كلمة القتل صبرا، هو أن تقطع أطرافه يداه ورجلاه.
وبعد ذلك مضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا، فرآه معاوية بن أبي سفيان فعرفه، فأخبر قريش بمكانه، فخافوه لأنه كان فاتكا في الجاهلية، وقالوا لم يأت عمرو بخير، واشتدوا في طلبه، وفي رواية لما قدما مكة حبسا جمليهما ببعض الشعاب ثم دخلا ليلاً، فقال له صاحبه يا عمرو لو طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ثم طلبنا أبا سفيان، فقال له عمرو إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق، فقال كلا إن شاء الله، قال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا، ثم خرجنا لطلب أبي سفيان، فلقيني رجل من قريش فعرفني، وقال عمرو بن أمية فأخبر قريشاً بي، فهربت أنا وصاحبي وصعدنا الجبل، وخرجوا في طلبنا فدخلنا كهفاً في الجبل، ولقي عمرو رجلاً من قريش فقتله، فلما أصبحنا، غدا رجل من قريش يقود فرسا ونحن في الغار، فقلت لصاحبي إن رآنا صاح بنا، فخرجت إليه ومعي خنجر أعددته لأبي سفيان.
فضربته على يده فصاح صيحة أسمع أهل مكة، فجاء الناس يشتدون فوجدوه بآخر رمق، فقالوا من ضربك، قال عمرو بن أمية، وغلبه الموت فاحتملوه ، فقلت لصاحبي لما أمسينا النجاة، فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة، فمررنا بالحرس الذين يحرسون خشبة خبيب بن عدي، فقال أحدهم لولا أن عمرو بن أمية بالمدينة لقلت إنه هذا الماشي، فلما حاذيت الخشبة شددت عليها، فحملتها واشتددت أنا وصاحبي فخرجوا وراءنا، فألقيت الخشبة فغيبه الله عنهم، وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى النجاشي بكتابين وقد كتب بهما إليه في أحدهما أن يزوّجه أم حبيبة وهي رملة بنت أبي سفيان بن حرب، وفي الآخر يسأله أن يمل إليه من بقي عنده من أصحابه، فزوّجه النجاشي أم حبيبة وحمل إليه أصحابه في سفينتين، وقد توفي الصحابى عمرو بن أمية الضمري في المدينة المنورة قبل سنة ستين من الهجره، في خلافة معاوية بن أبي سفيان.