recent
أخبار ساخنة

ماذا تعرف عن رَوْح بن زنباع ( الجزء الثالث )

 ماذا تعرف عن رَوْح بن زنباع ( الجزء الثالث )





كتب- محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع روح بن زنباع، وقد وقفنا عندما كتب معاوية إلى الخليفة عثمان بن عفان، إن عبادة بن الصامت قد أفسد عليّ الشام وأهله، فإما أن تكفه إليك، وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب إليه عثمان بن عفان أن يُرحل عبادة حتى يُرجعه إلى داره بالمدينة المنورة، وفى النهايه قد مات عباده بالرملة سنة أربعه وثلاثين من الهجره، وكان عمره أثنين وسبعين سنة، وكان رجلا طويلا جسيما جميلا، وكان لعبادة بن الصامت من الولد الوليد وكانت أمه هى السيده جميلة بنت أبي صعصعة وهى أخت الصحابي قيس بن أبي صعصعة، وإبنه محمد وكانت أمه هى السيده أم حرام بنت ملحان، وأولاده داود وعبيد الله، ولكن لم تذكر أمهاتهم، وكان عباده قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنه الكثير والكثير، وأما عن روح بن زنباع، فكان له دار في دمشق وهى معروفة في البُزوريين.
وقد ولي جند فلسطين ليزيد، وكان يوم مرج راهط مع مروان، وكان روح بن زنباع بن روح بن سلامة بن حُداد بن حديدة بن أمية بن امرؤ القيس بن جمانة بن وائل بن مالك بن زيد مناة بن أفصى بن سعد بن إياس بن أفصى بن حرام بن جذام، وكان لروح بن زنباع الموقف مع بشر بن مروان، وكان بشر بن مروان أديبا ظريفا، يحب الشعر والسمر والسماع والمعاقرة، وقد كان أخوه عبد الملك بن مروان قال له حين ولاه العراق، إن روحا عمك الذي لا ينبغي أن تقطع أمرا دونه، لصدقه وعفافه ومناصحته ومحبته لنا أهل البيت، فاحتشم بشر منه، وقال لندمائه أخاف إن انبسطنا أن يكتب روح إلى أمير المؤمنين بذلك، وإني لأحب من الأنس والاجتماع ما يحبه مثلي، فقال له بعض ندمائه من أهل العراق بحسن مساعدته ولطيف حيلته، أنا أكفيك أمره حتى ينصرف عنك إلى أمير المؤمنين غير شاك ولا لائم.
فسر بشر بذلك، ووعده الجائزة وحسن المكافأة إن هو تأتى له ما وعد به، وكان روح شديد الغيرة، وكانت له جارية إذا خرج من منزله إلى المسجد أو غيره ختم بابه حتى يعود بعد أن يقفله، فأخذ الفتى دواة وأتى منزل روح عشيا مختفيا وخرج روح للصلاة، فتوصل الفتى إلى دخول الدهليز في حال خروج روح، وكمن تحت الدرجة، ولم يزل يحتال ليلته حتى توصل إلى بيت روح، فكتب على حائط في أقرب المواضع من مرقد روح، يا روح من لبنيات وأرملة، إذا نعاك لأهل المغرب الناعي، إن ابن مروان قد حانت منيته، فاحتل لنفسك ياروح بن زنباع، ولا تغرك أبكار منعمة، واسمع هديت مقال الناصح الداعي، ورجع إلى مكانه بالدهليز، فبات فيه، فلما أصبح روح خرج إلى الصلاة فتبعه غلمانه، والفتى متنكر في جملتهم مختلط بهم، فلما عاد روح وافتتح باب حجرته تبين الكتابة وقرأها، فراعه ذلك وأنكره.
وقال ما هذا، فوالله ما يدخل حجرتي إنسي سواي، ولا حظ لي في، المقام بالعراق ثم نهض إلى بشر، فقال له يا ابن أخي، أوصني بما أحببت من حاجة أو سبب عند أمير المؤمنين، فقال أو تريد الشخوص يا عم؟ قال نعم، قال ولم؟ هل آنكرت شيئا أو رآيت قبيحا لا يسعك المقام عليه، قال لا والله، بل جزاك الله عن نفسك وعن سلطانك خيرا، ولكن أمر حدث، ولا بد لي من الإنصراف إلى أمير المؤمنين فأقسم عليه أن يخبره، فقال له إن أمير المؤمنين قد مات أو هو ميت إلى أيام، قال ومن أين علمت بذلك، فأخبره بخبر الكتابة، وقال ليس يدخل حجرتك غيري وغير جاريتي فلانة، وما كتب ذلك إلا الجن أو الملائكة، فقال له بشر أقم فإني أرجو أن لا يكون لهذا حقيقة، فلم يثنه شيء، وسار إلى الشام، فأقبل بشر على الشراب والطرب، فلما لقي روح عبد الملك بن مروان أنكر أمره، وقال ما إقدامك إلا لحادثة حدثت على بشر.
أو لأمر كرهته، فأثنى على بشر، وحمد سيرته، وقال لا بل لأمر لا يمكنني ذكره حتى تخلو، فقال عبد الملك لجلسائه انصرفوا، وخلا بروح، فأخبره بقصته وأنشده الأبيات، فضحك عبد الملك بن مروان حتى استغرق، وقال ثقلت على بشر وأصحابه حتى احتالوا لك بما رأيت، فلا ترع، وإنه ضرب البعث على رجل حديث عهد بعرس ابنة عمه، فلما صار في مركزه كتب إلى ابنة عمه كتابا ثم كتب في أسفله من البسيط، لولا مخافة بشر أو عقوبته، وأن يرى حاسد كفي بمسمار إذا لعطلت ثغري ثم زرتكم، وإن المحب إذا ما اشتاق زوار فورد الكتاب على ابنة عمه، فأجابته وكتبت في أسفله ليس المحب الذي يخشى العقاب ولو كانت عقوبته في فجوة النار بل المحب الذي لا شيء يفزعه أو يستقر ومن يهواه في الدار فلما قرأ كتابها قال لا خير في الحياة بعدها، فأقبل حتى دخل المدينة، فأتى بشر بن مروان في وقت غذائه.
فلما فرغ من غذائه أدخل عليه، فقال ما الذي دعاك إلى تعطيل ثغرك، أما سمعت نداءنا وإيعادنا؟ فقال له اسمع عذري، فإما عفوت وإما عاقبت، قال ويلك وهل لمثلك من عذر، فقص عليه قصته وقصة ابنة عمه، فقال أولى لك، ثم قال يا غلام حط اسمه من البعث، وأعطه عشرة آلاف درهم، وقال له الحق بابنة عمك وعن حصين قال كنت مع عمارة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد مع بشر بن مروان، فقال فرفع يديه بالدعاء، قال، فقال عمارة قبح الله هاتين اليدين القصيرتين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يزيد أن يشير بإصبعه، فقال حصين أول من أذن له في العيد بشر بن مروان، ولما قتل عبد الملك بن مروان، مصعب بن الزبير، ودخل الكوفة، صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إني قد استعملت عليكم رجلا من أهل بيت لم يزل الله عز وجل يحسن إليهم في ولايتهم.
أمرته بالشدة والغلظة على أهل المعصية، وباللين على أهل الطاعة، فاسمعوا وأطيعوا، وهو بشر بن مروان، وخلفت معه أربعة آلاف من أهل الشام، منهم روح بن زنباع الجذامي، ورجاء بن حيوة الكندي، وكان لما قدم روح بن زنباع على عبد الملك بن مروان، جعل يخبره عن أهل العراق فيقول له عبد الملك هذا من جبنك يا أبا زرعة، فاستخلف عبد الملك على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن العيص بن أمية، ثم عزله وولى بشر بن مروان البصرة مع الكوفة، فأتاه الكتاب بولاية البصرة وهو يشرب الدواء الكبير، فقال له الأطباء إن هذا دواء نريد أن تودع نفسك بعده، فلا تخرج، فأبى، فلما دنا من البصرة تلقاه فيمن لقيه الحكم بن الجارود، فقال له مرحبا وجعله عن يمينه، ثم لقيه الهزيل بن عمران البرجمي فرحب به وجعله عن يساره، ثم لقيه المهلب، فلما رآه يسير بينهما فقال هذان شاهدان.
وأميرنا صاحب شراب، فلم يلبث بالبصرة إلا أشهرا حتى مات، فضره ذلك الدواء، ولما ولى عبد الملك بن مروان أخاه بشر بن مروان العراقين كتب إليه بشر حين وصل، أما بعد، يا أمير المؤمنين فإنك قد أشغلت إحدى يدي وهي اليسرى، وبقيت اليمنى فارغة لا شيء فيها، وقال فكتب إليه فإن أمير المؤمنين قد شغل يمينك بمكة والمدينة والحجاز واليمن، وقال فما بلغه الكتاب حتى وقعت القرحة في يمينه، فقيل له تقطعها من مفصل الكف، فجزع، فما أمسى حتى بلغت المرفق، فأصبح وقد بلغت الكتف، وأمسى وقد خالطت الجوف، فكتب إليه أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإني كتبت إليك وأنا في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يومٍ من أيام الدنيا، وقال من الطويل، شكوت إلى الله الذي قد أصابني من الضر لما لم أجد لي مداويا فؤاد ضعيف مستكين لما به، وعظم بدا خلوا من اللحم عاريا فإن مت يا خير البرية فالتمس، أخا لك يغني عنك مثل غنائيا يواسيك في السراء والضر جهده، إذا لم تجد عند البلاء مواسيا.



google-playkhamsatmostaqltradent