ماذا تعرف عن عبد الرحمن بن الأشعث (الجزء الثانى)
بقلم - محمــــد الدكــــــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع عبد الرحمن بن الأشعث وقد توقفنا عند والده محمد بن الأشعث وهو قاتل مسلم بن عقيل، ومسلم بن عقيل الهاشمي القرشي وهو ابن عم الحسين بن علي بن أبى طالب، وقد أرسله إلى أهل الكوفة لأخذ البيعة منهم، وهو أول من استشهد من أصحاب الحسين بن علي في الكوفة، وقد عُرف فيما بعد بأنه سفير الحسين، وكان يحظى بمكانه مرموقة ومتميزة في أوساط الشيعة، حيث يقيمون له مآتم العزاء في شهر محرم من كل عام، وتعرف الليلة الخامسة من المحرم في المجتمعات العربية الشيعية بليلة مسلم بن عقيل، وقد اشترك محمد الأشعث أيضا في قتال المختار الثقفي، وهو المختار بن أبي عبيد وهو قائد عسكري طالب بدم الإمام الحسين بن علي وقتل جمعا من قتلته، ممن كان بالكوفة وغيرها أمثال عمر بن سعد، وعبيد الله بن زياد، وحرملة بن كاهل، وشمر بن ذي الجوشن، وغيرهم، وقد سيطر على الحكم بالكوفة.
وقد رفع شعار يا لثارات الحسين، وكان يخطط لبناء دولة علوية في العراق، وقد قُتل في الكوفة فى عام سبعة وستين للهجرة على يد جيش مصعب بن الزبير، وقد قتله أخوان من بني حنيفة أحدهما طرفة والآخر طراف ابنا عبد الله بن دجاجة، وقد دفن في الكوفة قرب مسجدها وكان لثورة المختار دور كبير في نشر التشيّع وتوسيع رقعته، وقيل أنه قد سأل الحجاج بن يوسف الثقفى عن رجل يعينه على الشرطة في العراق، فأجابوه أن عبد الرحمن بن الأشعث أصلح للمهمة مشيرين لمكانته في العراق، ووافق الحجاج وذهبوا يخبروا عبد الرحمن الذي رد قائلا "ومثلي يتقلد سيفا ويمشي بين يدي ابن أبي رغال؟ وهو يقصد الحجاج بن يوسف، والله ما رأيت أحدا قط على منبر يخطب إلا وظننت في نفسي أنا أحق بذلك منه" وكانت العلاقة بين الحجاج بن يوسف وعبد الرحمن سيئة للغاية حتى إن عم عبد الرحمن دعى الحجاج بعدم إرسال عبد الرحمن.
وهو الذي كان يسمي الحجاج بن يوسف الثقفى، بإبن أبي رغال، وكان الحجاج كلما رآى عبد الرحمن قال يالخيلائه، أنظر إلى مشيته، ولله لهممت أن أضرب عنقه، فقد كان عبد الرحمن مغرورا معتدا بنفسه وبنسبه إلى ملوك مملكة كندة، وكان يجلس في مجالس أخواله من همدان ويقول " وأنا كما يقول ابن أبي رغال إن لم أحاول أن أزيله عن سلطانه، فأجهد الجهد إذ طال بي وبه البقاء" وقد خرج عبد الرحمن بن الأشعث على رأس أربعين ألف مقاتل سماه الناس بجيش الطواويس، وقد أبلغ الرسل الحجاج بموقف عبد الرحمن بن الأشعث، فرد قائلا لاحاجة لي به وعين على الشرطة رجلا آخر، وعندما تعرض جيش الحجاج بن يوسف، لهزيمة قاسية من شبيب الخارجي توجه عبد الرحمن بنفسه على رأس ستة آلاف مقاتل نحو شبيب، كان شبيب يحاول استدراج عبد الرحمن وإرهاق جيشه وقد مشى عبد الرحمن على وصية سلفه الجزل بن سعيد الكندي.
وهو الذي أهداه فرسا يقال لها الفسيفساء، فكان عبد الرحمن حذرا مدركا لأسلوب شبيب الخارجي في القتال، فقد كان الخارجي يستدرج الجيوش إلى الأماكن الوعرة ويدعهم يقتربون منه حتى يغير عليهم بغتة ففطن عبد الرحمن لذلك وجعل يلاحق شبيب ويحفر خندقا حول جيشه كلما توقف الخارجي، وفي سنة ثمانين للهجرة توجه عبد الرحمن بن الأشعث إلى سجستان بعد إبادة جيش عبيد الله بن أبي بكرة من قبل الترك، وقد غزا عبد الرحمن بلاد الترك فعرض صاحبهم أن يدفع الخراج للمسلمين فلم يجبه عبد الرحمن حتى ضم من بلادهم جزء ا كبيرا وتوقف بسبب دخول موسم الشتاء، وقد بعث الحجاج بن يوسف، برسالة إلى عبد الرحمن ينهاه عن التوقف وهدده بعزله وتعيين أخاه إسحق بن محمد الكندي أميرا على الناس، فتشاور عبد الرحمن مع جنده وقال أنه لا ينقض رأيا رآه بالأمس ووافقه عامر بن واثلة الكناني ودعوا إلى خلع من سموه بعدو الله الحجاج.
وكانت تلك بداية واحدة من أعنف الثورات وأشدها على الدولة الأموية، وقد بعث عبد الملك بن مروان بمدد للحجاج فقتل عبد الرحمن بن الأشعث، مطهر بن الحر الجذامي وعبد الله بن رميثة الطائي واقتحم البصرة فبايعته البصرة وكل همدان وهم أخواله وانضم إليه القراء والتابعين مثل سعيد بن جبير ومحمد بن سعد بن أبي الوقاص وعظم شأن عبد الرحمن فخشي عبد الملك بن مروان وهلع وعرض على أهل العراق نزع الحجاج بن يوسف، وتولية عبد الرحمن عليهم فحز ذلك في نفس الحجاج كثيرا، وقد استمر خروج بن الأشعث قرابة الأربع سنين وخاض بضعا وثمانين معركة مع الحجاج وجيوشه كلها كانت لصالح عبد الرحمن إلا أن هُزم في دير الجماجم فهرب عبد الرحمن إلى بلاد الترك هو وعبيد بن أبي سبيع التميمي فأرسل الحجاج عمارة بن تميم اللخمي يطلب عبد الرحمن، فعندما أدرك الكندي أنه سيسلم إلى اللخمي آثر الانتحار على أن يسلم للحجاج.
وذلك سنة خمس وثمانين للهجرة، وكانت ثورة ابن الأشعث هي ثورة حصلت ضد الحجاج بن يوسف الثقفي وكانت بقيادة عبد الرحمن بن الأشعث وشارك فيها عدد من العلماء مثل سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم، ولكنها فشلت في النهاية وكان أسباب فشل هذه الثوره عدة أمور ومنها هو ذكاء عبد الملك بن مروان وشخصيته القيادية وضعف شخصية عبد الرحمن بن الأشعث وعدم خبرته السياسية، وكان أهم نتائج فشل هذه الثورة هو ازدياد تسلط الحجاج، ولقد أراد الحجاج أن يستعين بأسرة ابن الأشعث حين ولي العراق ليكونوا له قوة يعتز بها على أعدائه، فلم يكد يقدم العراق أميرا حتى زوج ابنه محمد من ميمونة بنت محمد الأشعث ليستميل بذلك أهلها وقومها إليه، وقد أفلح في ذلك، وإن أخفق في استمالة أخيها عبد الرحمن بن محمد الأشعث، وقالوا عن عبد الرحمن أنه كان له أبهة في نفسه وكان جميلا بهيا منطيقا مع ما كان له من التقدم والشرف.
فازدهاه ذلك كبرا وفخرا وتطاولا، وقد قربه الحجاج بن يوسف، وألحقه بأفاضل أصحابه وخاصته وأهل سره كما يقولون وأجرى عليه العطايا الواسعة، صلة لصهره وحبّا لإتمام الصنيعة إليه وإلى جميع أهله، فأقام عبد الرحمن كذلك حينا مع الحجاج لا يزيده الحجاج إلا إكراما ولا يظهر له إلا قبولا، وفي نفس الحجاج من عجبه ما فيها، لتشمخه زاهيا بأنفة حتى إنه كان ليقول إذا ما رآه مقبلا "أما والله يا عبد الرحمن، إنك لتقبل عليّ بوجه فاجر وتدبر عني بقفاء غادر، وأيم الله لنبتلين حقيقة أمرك على ذلك" وقالوا فمكث بهذا القول منه دهرا حتى إذا عيل صبر الحجاج من صلف عبد الرحمن أراد أن يبتلي حقيقة ما يتفرس فيه من الغدر والفجور، وأن يبدي منه ما يكتم من غائلته، فكتب إليه عهده على سجستان، وإنما أراد الحجاج بذلك أن يمهد له سبيل الثورة حتى يحسم أمره، وقد أدركت أسرة ابن الأشعث ما يريده الحجاج، وذعرت من ذلك أشد الذعر، فتوسلوا إلى الحجاج أن يرجع عن عزمه فلم يقبل.

