ماذا تعرف عن المُسَيّب بن نجبة (الجزء الثالث)
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث عن المُسَيّب بن نجبة وقد توقفنا عندما كان الاجتماع الأول الذي ضم هؤلاء قد عُقد في منزل سليمان بن صرد، وكان أول المتكلمين في الاجتماع هو المُسيّب بن نجبه، وبعد أن أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف، وتكلم بعدئذ زعيم آخر هو رفاعة بن شدّاد، فأثنى على ما جاء في خطبة المسيّب، وأوصى باتخاذ سليمان بن صرد زعيما للثورة، ويمكن تلخيص أهداف ثورة التوّابين بأنها تريد إزاحة الأمويّين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود في مختلف أقاليم الدولة، وأن يأخذ القصاص من المسؤولين ومن قتلة الإمام الحسين، سواء الأمويّين أم المتواطئين معهم، وأيضا تجسيد فكرة الاستشهاد، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء، وكذلك الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس، وقد انتهى الاجتماع بهذه المقررات الحاسمة، وإختيار سليمان بن صرد زعيما لهم.
وذلك لسبقه في الإسلام وصحبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأوثقهم علاقة بالإمام علي بن أبى طالب، وأبنائه عليهم جميعا السلام ورضى الله عنهم أجمعين، وكان هو أرفعهم شأنا في مكانته القبلية، وقد جمع الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي، الذي سُمّي أمير التوّابين، أنصاره في منطقة النخيلة، في الخامس من ربيع الثاني سنة خمسة وستين من الهجرة، ثم سار بهم إلى قبر الإمام الحسين رضي الله عنه، وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجل، فما أن وصلوا إلى القبر الشريف، حتى صاحوا صيحة واحدة، وازدحموا حول القبر أكثر من ازدحام الحُجّاج على الحجر الأسود عند لثمه، فما رؤي أكثر باكيا من ذلك اليوم، فترحّموا عليه، وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال، وتجديد العهد معه، وأما عن معركة عين الوردة فلا يمكن أن نقول بأن هذه الثورة انهزمت أو فشلت عسكريا، لأن الفشل والإخفاق لم يكن أمرا مفاجئا بالنسبة لها.
لذلك توجه قادتها وأنصارها إلى المعركة، وهم يشعرون في قَرارة أنفسهم أنهم متجهين إلى نهايتهم المحتومة، ومحاولين التكفير عن ذنوبهم بالانتقام من قتلة الإمام الحسينرضى الله عنه، أو الموت في سبيل ذلك، فحققوا بذلك أهدافهم المرسومة، وكان لهم من النتائج ما أرادوا، فقد تحرك القائد سليمان بن صرد بعد زيارة قبر الإمام الحسين، وتجديد العهد معه مع جنده قاصدين الشام، فوصلوا إلى الأنبار، ومنها إلى القيارة وهيت، ثم إلى قرقيسيا وهي بلدة على مصب نهر الخابور في الفرات، وبعدها منطقة عين الوردة، وفي الثاني والعشرين من جمادى الأُولى عام خمسة وستين من الهجرة، دارت في منطقة عين الوردة رحى الحرب بينهم وبين جند الشام، وأبلى التوابون بلاء حسنا، فكان لهم النصر أول الأمر، غير أن ابن زياد سرعان ما أمد جيش الشام باثني عشر ألفا بقيادة الحصين بن نمير، ثم بثمانية آلاف بقيادة شرحبيل بن ذي الكلاع.
فأحاطوا بالتوابين من كل جانب، فلمّا رأى سليمان ما يلقى أصحابه من شدة، ترجّل عن فرسه وهو يومئذ في الثالثة والتسعين من عمره وكسر جفن سيفه وصاح بأصحابه، يا عباد الله، من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه والوفاء بعهده، فليأت إليَّ، فاستجاب له الكثيرون، وحذوا حذوه، وكسروا جفون سيوفهم، وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة، حتى أصيب زعيمهم سليمان بسهم، فوثب ووقع، وهو يقول فزت ورب الكعبة، وحمل الراية بعده المسيّب بن نجبه، فقاتل بها حتى استشهد، بعد جهود مستمية، وتبعه بقية القوّاد وعدد كبير من المقاتلين، باستثناء رفاعة بن شداد الذي اعترف بالهزيمة وأدرك عدم جدوى القتال، وكانت القيادة قد انتقلت إليه، فأصدر أوامره سرا إلى البقية الباقية من التوابين بالانسحاب والتراجع، وتمّت عملية التراجع بنجاحٍ تام، وابتعد التوّابون المنسحبون عن ميدان المعركة، وأصبحوا في منأى عن مطاردة الجيش الأموي المنتصر، الذي استنكف عن محاولة اللحاق بهم، وقد انتهت المعركة إلى جانب أهل الشام.
بعد أن ترك التوّابون أمثلة رائعة للبطولة والفداء، التي استمدت روحها من مواقف الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه رضي الله عنهم، والتي لها صداها في النفوس، وأثرها القوي في التاريخ الإنساني كله، وكان لما مات يزيد بن معاوية، اجتمع نفر من أهل الكوفة، وندموا على سكوتهم عن نصرة الحسين بن علي، والحُسين بن علي بن أبي طالب وهو سبط الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الإمام الثالث عند الشيعة، وقد أطلق عليه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لقب سيد شباب أهل الجنة فقال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " وكان رضى الله عنه كنيته أبو عبد الله، فقالوا ما ينمحي عنا هذا الذنب إلا ببذل أنفسنا في طلب ثأره، فخرجوا في جيش إلى جهة الشام، ويزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي القرشي الدمشقي.
وهو ولد في خلافة الصحابي عثمان بن عفان في عام ستة وعشرون للهجرة، في قرية الماطرون، وكانت أمه هي السيدة ميسون بنت بحدل الكلبية، وقد طلقها معاوية فيما بعد، وقد عاش فترة من حياته في البادية بين أخواله، وقد تولى الخلافة بعد وفاة والده في سنة ستين من الهجرة، ولم يبق من معارضي فكرة توليته العرش، إلا أربعة عند توليه الحكم غير الصحابي الحسين بن علي والصحابي عبد الله بن الزبير، في سنة واحد وستين للهجرة اتجه الصحابي الحسين إلى العراق بعد أن أرسل أهلها إليه بالقدوم وأن يصبح أميرهم، ولكنه ما إن وصل هناك حتى تخلوا عن الفكرة ودخل الحسين في حرب مع جيش عبيد الله بن زياد انتهت باستشهاده، ولكن معارضة الصحابي عبد الله بن الزبير في الحجاز وتهامة أخذت في النمو فثار أهل المدينة المنورة في سنة ثلاثة وستين للهجرة على يزيد وخلعوا بيعته وأظهر عبد الله بن الزبير.
شتم يزيد، وقام يزيد بتجهيز جيش لمحاربة عبد الله بن الزبير، وأهل المدينة إن رفضوا العودة في طاعته، وقد انتهت بانهزام أهل المدينة واستمر حصار ومحاربة معارضي مكة المكرمة حتى وفاة يزيد بن معاوية في سنة أربعة وستين للهجرة، وبعد وفاته ظلت شخصيته مدار جدل بين المؤرخين والعلماء والعامة حول إسلامه أو كفره، وحول لعنه أو المنع من لعنه، وحول نصبه العداء لآل البيت أو براءته من النصب، وحول شربه للخمر أو تبرئته، وكان سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة علي قيادة هذا الجيش، وكان ممن كاتب الحسين بن علي بن أبي طالب ليبايعه، فلما عجز عن نصره ندم، فقاد جيش التوابين الذي التقى جيش عبيد الله بن زياد في معركة عين الوردة وقتل يومها سليمان بن صرد، وكان الذي قتل سليمان يزيد بن الحصين بن نمير، رماه بسهم فمات وحمل رأسه إلى مروان بن الحكم، وقد جهز إليهم مروان بن الحكم جيشا عليه عبيد الله بن زياد.
وعبيد الله بن زياد بن أبيه ويلقب بأبي حفص وهو والي العراق ليزيد بن معاوية، وقد ولي البصرة سنة خمسة وخمسين من الهجرة، وكما ولي خراسان، وقد قتله إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي معركة معركة الخازر، ومروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي القرشي رابع خلفاء الدولة الأموية في دمشق وهو مؤسس الدولة الأموية الثانية، رغم قصر فترة حكمه، لكن يمتاز مروان بن الحكم بأنه مؤسس السلالة التي حكمت العالم الإسلامي ومن ثم حكمت الأندلس، فلما اقتربوا من الشام خطب سليمان في أصحابه، فرغبهم في الآخرة وزهدهم في الدنيا، وحثهم على الجهاد، وقال، إن قتلت فالأمير عليكم المسيب بن نجبة، فإن قتل فعبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فعبد الله بن والى، فإن قتل فرفاعة بن شداد، ورفاعة بن شداد بن عبد الله بن بشر بن بدا بن فتيان بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث البجلي الأنماري، و لقبه أبو عاصم الكوفي، وكان فقيها قارئا شاعرا.
وهو من خيار أصحاب الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، ومن الشجعان المقدمين، وهو من الرهط الذين تولوا تجهيز أبي ذر بعد وفاته بالرَّبذة، وقيل أنه شهد مع الإمام علي بن أبي طالب معركة صفين، وكان أميرا على بجيلة، فكان من الصحابة الاجلاء الذي نصر أمير المؤمنين على بن أبى طالب، وقد خرج لطلب ثأر الإمام الحسين رضى الله عنة من قاتليه هو التابعي المسيب بن نجبة، وكان من قدماء التابعين وكبارهم الذين أفناهم الحرب، وكان من وجوه أصحاب الإمام علي رضى الله عنة، ومن قادة التوابين للطلب بثأر الإمام الحسين رضى الله عنة، وكان ممن خرج إلى نصرة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنة في حرب الجمل، ولقد كانت النهاية عندما بعث المسيب بن نجبة في خمسمائة فارس، فأغاروا على جيش ابن ذي الكلاع، فقتلوا منهم وجرحوا، واستاقوا أنعاما، ثم قُتل المُسَيّب وانهزموا، وحُمل رأس المُسَيّب بن نجبة إلى مروان بن الحكم بعد الوقعة.

