ماذا تعرف عن سرجون الأكدى (الجزء السابع)
إعداد - محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع مع الملك سرجون الأكدى، وقد توقفنا عندما برز دور الإله إنليل خلال القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد مع ازدهار نيبور، وقد اضمحلت عبادة إنليل بعدما دمر العيلاميون مدينة نيبور في العام ألف ومائتان وثلاثين قبل الميلاد، وخُلع عن رئاسة آلهة البانثيون السومري على يد الإله البابلي مردوخ، وكان الإله بيل النظير البابلي للإله إنليل ومردوخ وإله الرعي تموز أو دموزي، وقد لعب إنليل دورا شديد الأهمية في أسطورة الخلق السومرية، ففصل أنو، وهو السماء، عن كي، وهو الأرض، وهكذا جعل الأرض موطنا قابلا لعيش البشر عليها، وفي أسطورة الطوفان السومرية، يكافئ إنليل الملك زيوسودرا بالخلود لأن الأخير استطاع النجاة من الطوفان، وفي أسطورة الطوفان البابلية، يكون إنليل سبب هذا الطوفان، فهو الذي بعثه ليبيد العرق البشري لأن البشر أصدروا ضجيجا صاخبا.
وقد منع ذلك الإله إنليل من النوم، وتحكي أسطورة إنليل ونينليل قصة مساعي إنليل المتكررة لإغراء نينليل عن طريق عدة مظاهر وتجليات، ما أدى إلى ولادة إلهة القمر نانا وآلهة العالم السفلي نرغال ونينازو وإنبيلولو، وقد اعتبر إنليل مخترع القزمة أداة، وراعي الزراعة، يظهر إنليل أيضا، وبشكل رئيس، في عدد من الأساطير الأخرى التي تحكي قصة ابنه نينورتا، من بينها أسطورة آنزو ولوح الأقدار ولوغالي، وبعد ذلك اتجه سرجون لفتح البحر الأبيض المتوسط وبذلك اصبح سرجون أول امبراطور في التاريخ القديم وأول من وحد اراضي العراق اليوم، وبعد ان وحد سرجون المدن السومرية والسامية قرر توجيه فتوحاته إلى الشمال وتمكن من السيطرة على مدن ماري ويارموتي وإبلا وثم اتجه نحو غابات الارز في لبنان وإلى الجبال الفضية وهى جبال طوروس وتمكن الأكديون من الاستيلاء على الطرق التجارية المهمة التي كانت تنقل الخشب والمعدن التي كانت بمحاذاة نهر الفرات
وبعد ذلك توجه سرجون نحو الشرق وتمكن من الاستيلاء على المدن العيلامية وتمكن من ضم مدينة اوان وثم استولى على مدينة شوشان وبارهاشي وكافة المناطق المجاورة لهذه المدن اصبحت تحت السيطرة الاكدية، وقد كشفت أحد ملاحم في تل العمارنة المكتوبة بااللغة الأكادية عن ان سرجون هاجم القبائل الحيثية والحورية في قلب الأناضول وحارب ملك مدينة بوروشاندا وتمكن من ضم تلك المدينة أيضا وكان هذا انجازا كبيرا يحسب لسرجون إذ الذي فعله كان في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد واكدت الحفريات في تركيا وجود الجيش الاكدي في الاناضول ونفس الملحمة اكدت بأن الملك سرجون قام بالسيطرة على السواحل الغربية للبحر الأبيض المتوسط وكذلك بأنه تمكن من انشاء اسطول في البحر الأبيض المتوسط واتجه نحو جزيرة قبرص والتي كان اسمها في ذلك الوقت كريت، وقام بمحارية كيفتيو التي كانت احدى المواقع في قبرص.
وقد توفي الملك سرجون في سنة ألفان ومائتان وتسعة وسبعين قبل الميلاد وقد استمر حكمه لمدة ستة وخمسين سنة وحكم من بعده ابنه ريموش، وريموش أو ريموس فهو أحد الملوك الاكديين والابن الأكبر لسرجون الأول والملكة تاشلولتوم، وقد تسلم الحكم من والده سرجون وحسب قائمة الملوك الاكديين فانه حكم لمدة تسعة سنوات، وفي عهده وبعد وفاة والده قامت ثورات عليه في المدن السومرية مثل كيش واوروك ولكش واوما، التي توحدت ضد السيادة الاكدية عليها وكذلك ثارت مدن عيلامية منها مدينة اوان ولا توجد الكثير من المدونات عن فترة حكمه وثم مات في سنة ألفان ومائتان وسته، وقد استلم الحكم مكانه مانيشوتشو أخوه، وأما عن تل العمارنة وكان اسمها اخيتاتون، أي بمعنى أفق أتون، وهي العاصمة الجديدة التي أنشأها الملك إخناتون، وهي تقع على بعد خمسة وأربعين كيلو متر جنوب مقابر بني حسن بمحافظة المنيا.
ولا تزال بقايا العاصمة القديمة موجودة حتى الآن، وفي العصور الوسطى بعد أن كانت تلك المنطقة خربت منذ ان قام توت عنخ امون وغير العاصمة اتت قبيلة العمارنة وسكنت هناك مده طويلة شملت قرون وعمروها وبعد أن هجروا ورجعوا إلى مناطقهم سميت المنطقة باسم تل العمارنة لأن من ارجع الحياة إليها هم قبيلة العمارنة وتل لأنها كانت تل خراب ولكن أصبحت تل مدينة تجوز للسكن، وبعض مساكن الصفوة المهدمة لا تزال موجودة أيضا في الطرف الشمالي للموقع، بمواجهة الحائط الخارجي للقصر الملكي، ويضم المتحف المصري نماذج جميلة من غطاء أرضي من الجص، والذي كان مصدره هذه المساكن، وقد تم أيضا اكتشاف مجموعة من المقابر في تل العمارنة، وأهمهم تقع إلى الشمال مثل مقابر مري رع، أحمس، بنتو، ومقبرة العائلة الملكية التي يعتقد أنها قد تم حفرها للملك وعائلته.
ويتمركز تل العمارنة في دير مواس محافظة المنيا في شمال صعيد مصر، وهي تمتد على طول الشاطئ الشرقي للنيل لمسافة تقترب من خمسة أميال، وقيل أنه عندما أدرك إمنحوتب الرابع، وهو أخناتون أنه لا إمكانية للاستمرار في طيبة وهى الأقصر، وبعدما أظهر كهنة آمون العداء لدعوته الجديدة التي حاول إدخالها بدلا من ديانة آمون، والعقائد الأخرى في مصر، كان عليه لزاما أن يبحث عن موقع جديد ينتقل إليه ويدعو منه لربه آتون، ذلك المعبود الذي أراد الملك به حسبما يعتقد بعض المتخصصين توحيد مجمع الأرباب المصرية، وهكذا أسسها الملك إمنحتب الرابع وهو أخناتون، مدينته الجديدة وانتقل في العام الرابع من حكمه إلى عاصمته الجديدة أخت أتون، أي بمعنى أفق آتون، أو قرص الشمس، وهذا المكان الذي استقر فيه ويُعرف حاليا باسم تل العمارنة، ويقع على بعد عشرة كيلومترات من ملوي، على البر الشرقي للنيل.
تاركا كل من منف وطيبة وهى الأقصر، اللتان كانتا بمثابة عاصمتي مصر وقتذاك والمقرين الملكيين صيفا وشتاء، وتمتد مدينة العمارنة على مساحة خمسة وعشرين كيلومترا من الشيخ سعيد، شمالا حتى الشيخ عبد الحميد جنوبا، وهي منطقة محاطة بسلاسل الجبال من ثلاث جهات شرقا وشمالا وجنوبا، أما حدودها الغربية فيحدها نهر النيل، وتقوم على أطلالها أربعة قرى هي الحوطة الشرقية التابعة لمركز ديروط التابع لمحافظة اسيوط، والعمارية الشرقية والحاج قنديل والتل الشرقى أو تل العمارنة، والثلاث قرى تابعين لمركز ديرمواس التابع لمحافظة المنيا، أما تسميتها بتل العمارنة، فهي نسبة إلى قرية بني عُمران أو البدو العمارنة، الذين كانوا يُقيمون بها، وتضم تلك المدينة التي أمر أخناتون بإنشائها قصرين ملكيين وهما القصر الشمالي والقصر الجنوبي.

