ماذا تعرف عن المُسَيّب بن نجبة (الجزء الأول)
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ومازال الحديث موصولا عن مقتل الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين، وعن من قتلوه وعن من نصروه وأيدوه وعن من أخذوا بثأره رضى الله عنة، ولكن يجب علينا جميعا أن نعلم، بأن الإسلام حافَظ على الكليات الخمس الضرورية، وهي حفظ الدين والنفس والنسل، والعقل والمال، ووضع الحدود والقيود التي تحافظ على هذه الضروريات الخمسة، ففي سبيل حفظ الدين فإنها تزهق الأنفس المسلمة في الجهاد في سبيل الله، لأن حفظ الدين مقدّم على حفظ النفس والنسل والعقل والمال، ولأجل الحفاظ على النفس فقد حرم الله عز وجل، قتل النفس المسلمة بغير حق، وإن المسلم دمه معصوم وماله معصوم، ولا يجوز استباحة دماء المسلمين وأموالهم إلا بحقها، بل لا يجوز الإشارة إلى المسلم بالسلاح، لأن الشيطان قد ينزع في يده فيقتل نفسا بخير حق، فيتحمل الوزر عند الله تعالى، ولقد أخبر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم
أنه ستأتي فتن في آخر الزمان يكثر فيها القتل والفتن حتى إن الرجل ليمر على القبر ويتمنى أن يكون فيه، فقال صلى الله عليه وسلم " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بالقبر فيقول، يا ليتني مكانه " رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ليأتينّ على الناس زمان لا يدري القاتل في أيِّ شيء قَتَل، ولا يدري المقتول على أي شيءٍ قُتِل " رواه مسلم، وقد حدث ما أخبر به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من كثرة القتل والتساهل فيه حتى إنك لا تدري علام يقتتل الناس، وربما قاتل بعضهم بعضا على أمور يسيرة ولكن الشيطان لم يتركهم حتى أوقعهم في سفك الدماء، وإن تعظيم الإسلام النفس المسلمة والتشديد في النهي عن قتلها لا يقف عن حدود النهي عن قتل المسلم بغير حق، بل إن الإسلام أوجب الدية والكفارة على قاتل النفس المسلمة خطأ، فقتل الخطأ شرع فيه الإسلام الكفارة والدية.
وهو خطأ غير مقصود، وذلك تعظيما لحرمة النفس المسلمة التي صانها الإسلام، وقد وضع لها القيود للحفاظ عليها، وإن قتل المسلم خطأ يدل على التشديد في حرمة النفس المسلمة، فإذا كان الإسلام قد وضع هذه القيود على من قتل مسلما خطأ فكيف بمن يزهق الأرواح البريئة متعمدا؟ وكيف بمن يقتل الأنفس المسلمة بغير حق؟ وكيف بمن يزرع القنابل والألغام والمتفجرات فيستهدف الأرواح المسلمة البريئة، فيقتل العشرات ويجرح المئات ويروع الآلاف من المسلمين؟ وكيف بمن يقتل الصغير والمرأة والشيخ العجوز من غير جريرة اقترفوها إنما إشباعا لنزواته الشيطانية؟ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة " وهذا الحديث متفق عليه.
فإن دم المسلم حرام وماله حرام وعرضه حرام، وقد صان الإسلام الدماء والأموال والفروج، ولا يجوز استحلالها إلا فيما أحله الله فيه، وأباحه، وقتل المسلم بغير حق من كبائر الذنوب، والقاتل معرّض للوعيد، وحفاظا على النفس المسلمة البريئة من إزهاقها وقتلها بغير حق، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الإشارة إلى مسلم بسلاح، ولو كان مزاحا، وذلك سدّا للذريعة، وحسما لمادة الشر التي قد تفضي إلى القتل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار " متفق عليه، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" رواه مسلم، وسوف نتحدث فى هذا المقال عن رجل أراد القصاص والثأر من قتلة الحسين بن على رضى الله عنه وأرضاه.
ألا وهو المُسَيّب بن نجبة، ويجب أن نعلم جميعا أولا، أنه مما شرع الله تعالى لعباده هو القصاص في النفوس أو فيما دونها، وذلك لوأد الثارات، وإطفاء نيران الانتقام، وإحلال الأمن في الناس، وإزالة أسباب الخوف والفوضى والاضطراب، ولقد كان العرب في جاهليتهم يعظمون الثأر والانتقام، ويقدمونه على العفو أو القصاص، وإذا قتل القتيل فيهم لم يهدئوا حتى يصيبوا ثأرهم، ويشفوا صدورهم بالانتقام ممن قتله، ومن مقولاتهم المشهورة "الدم لا يغسل إلا بالدم" وقيل لأعرابي" أيسرك أن تدخل الجنة ولا تسيء إلى من أساء إليك؟ فقال، بل يسرني أن أدرك الثأر وأدخل النار" وكان بقتل رجل واحد تفنى عشيرة وتقتل قبيلة، لأن الثأر والانتقام حين يثور لا يخمد إلا بفناء أحد الفريقين، وقد فنيت قبيلة بكر وتغلب في دم قبيلة وائل ربيعة، واستمر الثأر والانتقام فيهم أربعين عاما، فلما جاء الله تعالى بالإسلام ألغى به رسوم الجاهلية وثاراتها، وشرع القصاص العادل.
وأما عن المُسَيّب بن نجبة بن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن شمخ بن فرارة الفزارى، فهو تابعي، والتابعون في التاريخ الإسلامي هم شخصيات إسلامية لم تعاصر النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عاشت في فترة لاحقة بعد وفاته وكان ذلك في القرن الأول والقرن الثاني الهجري، أو عاشت في فترته ولم تره وإنما كان إيمانها ودخولها للإسلام بعد وفاته، وكان لها دور ملحوظ في فترة حياتها فتعلمت الحديث من الصحابة وعلمته إلى غيرها وكانوا من الذين يتبعون سنن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة، وقد قيل عن المُسَيّب بن نجبة أنه أدرك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان رأس قومه، وقد شهد معركة القادسية وفتوح العراق، ومعركة القادسية هى أحد معارك الفتح الإسلامي لفارس وقد وقعت فى الثالث عشر من شهر شعبان فى السنة الخامسة عشر من الهجرة.
بين المسلمين بقيادة سعد بن أبي وقاص والإمبراطورية الفارسية بقيادة رستم فرخزاد في القادسية، وقد انتهت بانتصار المسلمين ومقتل رستم، وكانت هى أحد أهم المعارك لفتح العراق، وقد شهدت المعركة تحالف للإمبراطور الساساني يزدجرد الثالث مع الإمبراطور البيزنطي هرقل الذي زوج حفيدة مانيانغ إلى يزدجرد كرمز للتحالف، وكان المُسَيّب بن نجبة مع الإمام علي بن أبي طالب في مشاهده، وقد سكن الكوفة، والكوفة هى مدينة عراقية ومركز قضاء تتبع إداريا إلى محافظة النجف في منطقة الفرات الأوسط جنوب العاصمة بغداد، وكانت المدينة هى عاصمة للخلافة الإسلامية في زمن الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب، والمركز الرئيسي وكان لوجود الكثير من العلماء المسلمين بها فقد اتخذها الخليفة علي بن أبي طالب عاصمة لحكومته بعد الانتقال من المدينة إليها، وقيل أن المُسَيّب هو من أصحاب الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه.

