من أخلاق الحبيب
بقلم - داليا كامل
خلق ( الحلم )
الجزء الأول .
حديثنا اليوم عزيزي القاريء عن صفة جميلة و خلق عظيم من أخلاق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
حديثنا اليوم عن صفة الحلم و الصفح .
الحلم بكسر الحاء هو ضبط إرادي للإنفعال في مواجهة إساءات الأخرين و هو السكون و الهدوء والبعد عن الغضب و الإنتقام .
يقال عن الحلم أيضا أنه تريث الإنسان و ضبطه لنفسه و ملكه لجوارحه عن إيقاد جمرة الشر ،
والحلم لا يكون حلما إلا مع توفر القوة و تمكن القدرة من الإنسان بحيث لا يضطر إلى ضبط نفسه بل هو من يختار هذا السلوك العظيم في مواجهة المواقف المختلفة في الحياة ، ولا يسمى العاجز فاقد القدرة حليما مادام لا يتوفر له سبل الإنتقام ممن أغضبه .
يكفي الحلم شرفا عزيزي القاريء أنه صفة من صفات الله عز وجل و مشتق منه إسم من أسمائه الحسنى ، فهو الله( الحليم ) .
يقول العلماء: الحليمُ.. أي الذي لا يعجُل على عباده عقوباتهم بذنوبهم..
حليمًا فهو ذا صفحٍ وأناة لا يستفزه جهل جاهل ولا عصيان عاصٍ ، سبحانه وتعالى الحليم الذي يصفح مع القدرة والمُتأني الذي لا يعجل بالعقوبة،
ولقد ورد إسم الحليم في القرآن الكريم إحدى عشرة مرة منها قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ، وقوله تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} ، ومن ذلك قوله في سورة الأحزاب: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} ،وقوله في سورة فاطر: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
أما عن صفة الحلم عند صاحب الخلق العظيم و المقام الرفيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نجد أن الحلم و الصبر على الجاهلين و اللين مع أتباعه و أعداءه سمة أساسية تحفل بها سيرته العطرة ، ومع هذا
نجد أن الله عز و جل قد أراد من نبيه الكريم تأكيد هذه السمة العظيمة من أخلاق نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال {خُذ ِالْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} صدق الله العظيم .
في هذه الآية العظيمة أمر الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بثلاثة أوامر، هي:
أن يأخذ العفو ، وأن يأمر بالمعروف، وأن يعرض عن الجاهلين ، ثلاثة أوامر جمعت أمهات الفضائل .
قال الإمام جعفر الصادق عن هذه الآية : ( أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق في هذه الآية ، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية ) .
و الآن تعالى عزيزي القارئ لنلقي الضوء على بعض صور الحلم عند نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ..
* جميعنا نعلم ما لاقى نبينا الكريم من أذى على أيدي مشركي قريش و مع هذا لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جمع قريشًا فقال لهم: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟" قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال "اذهبوا فأنتم الطلقاء" ..
* يحكي لنا سيدنا أنس موقف أخر من مواقف حلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه بينما : كان يمشي مع النبي صلى الله عليه أدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، حتى نظر إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء.
* عن عبد الله بن عبيد قال: لما كسرت رباعيةرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشُجَّ في جبهته، فجعلت الدماء تسيل على وجهه، قيل: يا رسول الله، ادعُ الله عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَانًا وَلا لَعَّانًا، وَلَكِن بَعَثَنَي دَاعِية وَرَحْمَة، اللهُمَّ اغْفِر لِقَومِي فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ" .
*يروي جابر بن عبد الله، يقول: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ، فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً؛ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
قَالَ: "اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ".
فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟"
قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ.
قَالَ: "أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟"
قَالَ: لا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ " صلوا عليه وسلموا تسليما .
نستكمل معا في اللقاء القادم خلق الحلم عند رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم و طريقة التحلي بهذا الخلق العظيم و أثره على النفوس ..
تابعونا ..

