"تضاريس النص في الرواية السعودية".. صدر حديثا للدكتور عزوز إسماعيل
كتب- محمود عبد الغنى
كعادته يفاجئنا الدكتور عزوز على إسماعيل بإصدارات من
العيار الثقيل، حيث صدر للدكتور عزوز على إسماعيل عن دار
«المثقفون العرب» بالقاهرة كتابه الجديد.
«تضاريس النص فى الرواية السعودية»، والذى يعتبر المولود
الثالث للموسوعة التى ما زلنا، حتى الآن، نتنسم عبيرها وهى
«المعجم المفسر لعتبات النصوص».
عن الكتاب يقول دكتور عزوز إسماعيل: «تحتم علينا الظروف
أن نخرج من الحيز الضيق للنقد الأدبى إلى آفاق أرحب
وأوسع تدعو إلى التفكير والتأمل فى حياة النص الأدبي، بدءاً
من كيفية وجوده من العدم إلى أن أصبح كائناً حياً نعايشه
ونتحدث معه، وهو ما يجعلنا نبحث فى تضاريسه النصية
التى تكون منها، ومعرفة جيولوجيته التى كونت تلك التضاريس
عبر السنين من فكر وثقافة وما حوى ذلك من
حفريات ظلت راسخة سنوات طويلة إلى أن سرد لنا الكاتب
نصه، ويأتى دورنا لنستكشف تلك التضاريس التى كونت
النص أو تكون منها النص، فالتَّضَاريسُ النَّصِّية تلك
المُرْتَفَعَاتُ والسُّهولُ والهِضَابُ فى النَّـصِّ، وما النَّصُّ فى
مجمله إلا مجموعةٌ من المُرْتَفعاتِ والمُنْحَدَرَاتِ التى تؤثِّر بالسَّلب
أو الإيجابِ على حراكه وتفاعله، وإذا بحثنا هذه الجزئية
فسوف تلقى بظلالها على مدى تطور النص وقدرة الكاتب
على الإبداع الحقيقى وغربلة للمبدعين وتصبح من ثم
«التضاريس النصية» عتبة من عتبات النص، ومدخلاً مهما
لدراسة النصوص. وهو ما قمنا بفعله مع عدد من الكتاب
السعوديين الكبار نحو الكاتبة نبيلة محجوب، والكاتب أحمد
الشدوى والدكتور غازى القصيبى والأديبة زينب حفني.
«تضاريس النص فى الرواية السعودية «هو المولود الثالث من
«المعجم المفسَّر لعتبات النصوص» بعد كتاب «الألم فى
الرواية العربية» و«الغرابة فى الرواية العربية»، لتأتى
«تضاريس النص فى الرواية السعودية». ويبقى أكثر من مائة
وخمسين مصطلحًا من مصطلحات المعجم تحتاج أن تكون
كتبًا، وتحتاج فى الوقت نفسه إلى فريق عمل أكاديمى ضخم
يساعد فى إخراج هذه المصطلحات إلى النور على هيئة
مؤلفات تفيد النقد الأدبى وتأخذه إلى وجهة أخرى لم تكن
مطروقة من قبل.
شَهدَتْ الرِّوايةُ السُّعوديةُ تَطوراً مَلْحُوظاً عبر قرنٍ منَ الزَّمانِ،
منذُ الرَّعيل الأوَّل حتى الآن؛ حيثُ ظهرتْ فى السَّنوات الأخيرة
رواياتٌ عديدةٌ لكتابٍ كثيرين، أضافوا إضافات حقيقية للمشهد
الرِّوائى العربي؛ سواء أكانوا رجالاً أم نساءً
. وبدا الأمر طبيعياً فى مرحلة التطور، فقد أسَّس الرعيل الأول
بالفعل للرِّواية فى أرض المملكة؛ حيث بدأتْ الرِّواية السُّعودية
مع تلك الإرهاصات الأولى؛ فرأينا «التوأمان» لعبد القدوس
الأنصارى 1930، ونتذكر أنَّ هذا التاريخَ قريبٌ من رواية
«زينب» لمحمد حسين هيكل 1914، ويسبق أول رواية لنجيب
محفوظ 1939. ثم رواية «فكرة» لأحمد السِّباعي، و«البعث»
لمحمد على مغربى 1948. ولكنَّ الرِّواية الأهم كانت «ثمن التضحية» 1959 لحامد الدمنهوري، تلك الرِّواية التى أرَّخت
بالفعل للبداية الحقيقية للرِّواية السُّعودية، وصولاً إلى الوقت
الحاضر، والذى شهد كتاباتٍ عديدةً فى الرِّواية السُّعودية فى
أرض الحرمين الشريفين. وقد اقتحمت الأنثى تلك الأرض بكل
جسارة وإقدام وقدمت أعمالاً روائية يُحتذى بها فى عالم
الرِّواية، وأعتقد أنه لولا وجود تلك المساحة من الحُريَّة ما ظهرتْ تلك الأسماء النسائية، وهو شيء يُحمد ويثمن جيداً لأرض الحرمين الشريفين أن تجعل الأدب والفن والثقافة والإبداع
طريقاً من طرق النهوض بالبلاد، والتى تأخذ بيد البلاد مع
العوامل الأخرى إلى الرقى والتقدم والازدهار، فلم تتقدم أمة
بدون رفعة شأن الآداب والفنون والثقافة بصفة عامة، مع
الاحتفاظ بالقيم ودون المساس بالثوابت. بدأ هذا الكتاب
بالأديبة الأستاذة نبيلة محجوب التى قالت لا بد من التحرر من
إرث الألم والحزن والغضب، لنتمكن من رؤية ينابيعنا الخاصة،
ونترك للزمان فرصة تحديث وجودنا ليفتح لنا بوابة التناغم
والتآلف التى تفضى إلى الحياة بدلاً من هذه البوابة المحطمة
المفضية إلى ذكرياتنا المظلمة]وهى واحدة من النساء
السُّعوديات اللائى قدمن أدباً راقياً معبراً عن الحياة فى
السُّعودية، خاصة أرض مكة المكرمة، وتعتبر واحدة من النساء
اللاتى أسهمن إسهاماً حقيقياً فى الصالونات الأدبية، وهى
واحدة ضمن مائة شخصية نسائية هن الأكثر تأثيراً فى أرض
المملكة عام 2017.
وأعتقد أن الأديبة نبيلة محجوب لو بدأت الكتابة قبل ذلك بكثير
لقدمت لنا رصيداً ضخماً للرِّواية السُّعودية، ولكن ما يُحمد لها
أنها آثرتْ الأمومة على الكتابة، فجاءت رواياتُها بعد ذلك ثرية
وناضجة، فقد قرأتْ فى الآداب العربية والعالمية، وهو ما
ظهر فى كتاباتها، فهى تنحو نحو العالمية من خلال القضايا
التى تقتحمها، وهو ما لفت انتباهى فى أدبها، حين ناقشتُ
عملاً لها فى القاهرة، وهو رواية «ممرات الريح» بحضور
سفير المملكة العربية السعودية بالقاهرة سعادة السفير أسامة
نقلي، الذى أكَّـد لى أنه يقرأ كل شهر كتاباً وهو ما أثلج
الصدر كون السياسى رجلاً عاشقاً للثقافة ومحباً لها.
وقامت بدراسة عدد من روايات نبيلة محجوب، نحو رواية
«ممرات الريح»، و«بين مطارين» و«هروب الزعيم». وفضلاً
عن ذلك، فقد أخذت عدداً من الروائيين السعوديين الكبار
أيضاً، وقدمت دراسة عن رواية «العصفورية» للكاتب
والمفكر السُّعودى الدكتور غازى عبدالرحمن القصيبي، وأيضاً
رواية «الشبورة» للكاتب والأديب السعودى الكبير الأستاذ
أحمد الشدوي، وأخيراً انتهيت برواية للكاتبة السعودية
الدكتورة زينب حفنى فى روايتها «عقل سيئ السمعة»
وجميعهم أدباء سعوديون أضافوا إضافات حقيقية للرواية
العربية، خاصة الدكتور غازى عبدالرحمن القصيبي-رحمه الله- فهو رجل سياسى ومفكر واسع الثقافة، وكانت
رواية «العصفورية» شاهدة على ذلك.
وقد استندتُ إلى منهجين لتفسير النص الأدبى عند
هؤلاءالكتاب؛ هما المنهج الاجتماعى والمنهج النفسي؛ لأنَّ من
هذه الأعمال ما ارتبط بحياة أهل المملكة وعاداتهم وتاريخهم
الطويل المرتبط بالقيم الاجتماعية والشعائر الدينية الإسلامية،
والتى أثرتْ عليهم وعلى ارتباطهم الاجتماعي، وما حدث من
أشياء كان لها عظيم الأثر فى النفوس، مما أعطى تلك
الأعمال قدرة على التشعب فى فضاءات عدة
فضلاً عن روايات أخرى كانت متشعبة فى أماكن مختلفة.