recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

المسألة الزنبورية مناظرة أم مؤامرة ؟!

الصفحة الرئيسية

 

المسألة الزنبورية مناظرة أم مؤامرة ؟!


بقلم الدكتور/ إيهاب العطار


 وردت المسألة الزنبورية في كثير من كتب النحو والتراجم، فذكرت مسندة في بعضها، وذكرت بلا إسناد أصلاً في البعض الآخر، ولكننا سنعتمد هاهنا على أصح الأسانيد التي ذكرت هذه المسألة وهو ما ذكره الزجاجي في كتابيه: مجالس العلماء، وأمالي الزجاجي.
























 سأقوم أولًا بذكر المسألة كاملة بسند الزجاجي، ثم أقوم ثانيًا بنقد السند والمتن ؛ لنجيب على السؤال الذي طرحناه قبلًا : (المسألة الزنبورية مناظرة أم مؤامرة)؟!
























أولًا : المسألة الزنبورية كاملة بسند الزجاجي :

قال الزجاجي- رحمه الله تعالى - :« أخبرنا الحسن علي بن سليمان الأخفش النحوي ، حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب ، قال : حدثني سلمة ، قال: قال الفراء : قدم سيبويه على البرامكة ، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي ؛ فجعل لذلك يومًا ، فلما حضر تقدمتُ والأحمر فدخلنا ، فإذا بمثال في صدر المجلس ؛ فقعد عليه يحيى ، ومعه إلى جانب المثال جعفر  والفضل ، ومن حضر بحضورهم ، فأقبل عليه الأحمر فسأل عن مسألة ، فأجاب فيها سيبويه ، فقال له : أخطأت ، ثم سأل عن ثانية فأجاب؛ فقال له: أخطأت ، ثم سأله عن ثالثة فأجاب ؛ فقال له : أخطأت ، فقال له سيبويه: هذا سوء أدب!

























قال الفراء : فأقبلت عليه ؛ فقلت : إن في هذا الرجل حدةً وعجلةً ، ولكن ما تقول فيمن قال : هؤلاء أبون ، ومررت بأبين، كيف تقول مثال ذلك من وأيت وأويت ؟ فقّدر فأخطأ ، فقلت : أعد النظر ؛ فقدر وأخطأ ثلاث مرات يجيب ولا يصيب ، فلما كثر ذلك، قال : لستُ أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره.




















قال: فحضر الكسائي؛ فأقبل على سيبويه فقال : تسألني أو أسألك ؟ قال: لا، بل سلني أنت  فأقبل عليه الكسائي فقال : كيف تقول :كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها ؟ فقال سيبويه : فإذا هو هي، ولا يجوز النصب، فقال له الكسائي : لحنت، ثم سأله عن مسائل من هذا النحو : خرجت فإذا عبد الله القائمُ، أو القائمَ ؟ فقال سيبويه : في كل ذلك بالرفع دون النصب ، وقال له الكسائي: ليس هذا من كلام العرب ، العرب ترفع ذلك كله وتنصبه ، فدفع سيبويه قوله، فقال يحيى بن خالد : قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلدكما، فمن ذا يحكم بينكما ؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب، ووفدت عليك من كل صُقع، وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهما أهل المصرين، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم ؛ فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر : قد أنصفت، فأمر بإحضارهم فدخلوا، وفيهم أبو فقعس، وأبو زياد، وأبو الجراح، وأبو ثروان، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه؛ فتابعوا الكسائي، وقالوا بقوله، فأقبل يحيى على سيبويه فقال : قد تسمع أيها الرجل؛ فاستكان سيبويه، وأقبل الكسائي على يحيى؛ فقال : أصلح الله الوزير، إنه قد وفد إليك من بلده  مؤملًا ، فإن رأيت ألا ترده خائبًا !

























فأمر له بعشرة آلاف درهم ؛ فخرج وصيّر وجهه إلى فارس ، وأقام هناك ، ولم يعد إلى البصرة ».





















ثانيًا : نقد السند والمتن: 

أ- نقد السند:

١-أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي توفي ٣٣٧هـ (بغدادي) كما ذكر أستاذنا الدكتور/ شوقي ضيف ..وقرأتُ ترجمته في سير أعلام النبلاء والبداية والنهاية ووفيات الأعيان وغير ذلك ، فلم ينص أحد على أنه ثقة ، راجع- إن شئت- تاريخ بغداد ، وسير أعلام النبلاء، والبداية والنهاية، ووفيات الأعيان ، وبغية الوعاة.



































٢- أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الأصغر توفي ٣١٥هـ(بصري) متعصب كما ذكر ذلك أستاذنا الدكتور /شوقي ضيف، وثقه الخطيب البغدادي، وابن خلكان، والذهبي.








































٣- أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب توفي ٢٩١هـ(كوفي) وثقه الخطيب البغدادي ، وتابعه الذهبي ، ووثقه ابن خلكان .


























٤-سلمة بن عاصم توفي٣١٠هـ (كوفي) وثقه الخطيب البغدادي، والسيوطي.
























٥- يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الفراء توفي٢٠٧هـ (كوفي)، وثقه الخطيب البغدادي ، والذهبي .



























نلاحظ في هذا السند أن :

١-الزجاجي لم ينص أحد من الأئمة على توثيقه (ومدار المسألة الزنبورية عليه).

























٢- نقل الزجاجي المسألة عن (الأخفش الأصغر) وهو معروف بتعصبه للبصريين والمسألة - كما هو معلوم- فيها إساءة بالغة لسيبويه إمام البصرة!










٣-باقي رجال السند (كوفيون) وهم أصحاب الكسائي .


























٤- على الرغم من خطورة هذه المسألة، وكثرة شهودها فهم (من كل صُقع) لا يوجد لها إلا سندٌ يتيم يوصف بالصحة ؟! 

ب-نقد المتن :

١-قدم سيبويه على البرامكة.

٢-عزم يحيى البرمكي على الجمع بينه وبين الكسائي، وحدد يومًا لذلك.

٣-حضر صاحبا الكسائي : علي بن المبارك الأحمر، والفراء.

٤- سأل علي بن المبارك سيبويه ثلاثة أسئلة ؛ فيجيب سيبويه ويخطئه علي بن المبارك بأسلوب فيه حدة وفظاظة ؛ مما جعل سيبويه يقول له : هذا سوء أدب ( وهنا نلاحظ أن سيبويه يُسأل فقط ولا يَسأل ..فأين هي المناظرة آنذاك)؟!

٥- عندما قال سيبويه لعلي بن المبارك : هذا سوء أدب ، أقبل الفراء على سيبويه قائلًا: إن في هذا الرجل حدة وعجلة ، ويسأل الفراء بدوره سيبويه ويخطئه أيضًا! وهنا قال 

سيبويه : لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره! ( ونلاحظ هنا أيضًا أن الفراء  - إن جاز التعبير - أخذ سيبويه غسيل ومكواة بعد أن عصره ونشره ، وسيبويه يبدو وكأنه تلميذ خائب لا يحسن جوابًا)!




















٦- وهنا يأتي الكسائي ، ويسأل سيبويه عن المسألة الزنبورية، وحدث الخلاف المشهور بينهما، وهنا تدخل يحيى البرمكي قائلًا: اختلفتما وأنتما رئيسا بلدكما، فمن ذا يحكم بينكما، فقال الكسائي : هذه العرب ببابك، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى وجعفر للكسائي :أنصفت، فتابعوا الكسائي .






















(ونلاحظ هنا أمرًا جديرًا بالاعتبار والنظر وهو  أن سيبويه دائمًا مسئولٌ وعلي بن المبارك الأحمر والفراء والكسائي هم الذين يسألون فكيف نسمي هذا الأمر مناظرة )؟!






























٧- سيبويه وأكرر مرة ثانية سيبويه وما أدراكم من سيبويه ثم ما أدراكم من سيبويه ؟!

إمام النحاة صاحب كتاب (الكتاب) الذي درج النحاة على نعته بقرآن النحو  لم يجب إجابة واحدة صحيحة (تبل ريق) محبيه والمؤمنين برئاسته للنحاة ! 



































٨- الترتيب الذي حدث في هذه( المناظرة).. أسئلة على بن المبارك وتخطئته سيبويه بأسلوب فيه حدة وكذلك الفراء ألا يشي هذا بأن هذا أمر دُبِر بليل 



















٩-ألا يوحي قول الكسائي : هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب ، ووفدت عليك من كل صقع(لا حظ من كل صقع) يوحي بنوع تدبير للإيقاع بسيبويه ؛ فهل تصادف مجيء سيبويه مع حضور العرب من كل (صقع) على باب يحيى البرمكي ؟!



















١٠-(استكانة سيبويه) أمام يحيى البرمكي عندما قال له بعد تأييد العرب الذين أتوا من كل صُقع : قد تسمع أيها الرجل ، تنفي أن يكون لدى سيبويه مسحة من علم فضلًا عن أن يكون إمامًا في النحو !















ثالثًا : أسأل القارئ الكريم بعد هذا الإسهاب:

 هل ما حدث مع سيبويه مناظرة أم مؤامرة؟! 

ربما نحتاج إلى إعادة النظر في هذا السند وهذا المتن ؛ لنجيب عن هذا السؤال !

المسألة الزنبورية مناظرة أم مؤامرة ؟!
google-playkhamsatmostaqltradent