حتماً تقلب الطاولة في النهاية
بقلم:هبة المنزلاوي_دمياط
كلية الإعلام جامعة القاهرة
نجد في الخطاب السياسي مصطلحا يتكرر علينا دائماً ويتطلب منا التحليل والنقد والبحث وهو (سياسة قلب الطاولة)
وكثيراً ما يقع على أسماعنا مثلا أن رئيس الحكومة قلب الطاولة على المعارضة، أو المعارضة قلبت الطاولة على الحكومة ،أو الوزير قلب الطاولة على حكومته، بل وصل هذا المصطلح إلى المجالات المختلفة ومنها: الرياضية والاقتصادية وغيرها وسياسة قلب الطاولة ليست فقط بين طرفين منفصلين ومستقلين مثل المعارضة والحكومة أو الحزب ومنافسه بل يتم اتباع هذه السياسة داخل الحزب الواحد وقد تحدث داخل تحالفين ،فهذه السياسة متكاملة على الرغم من بعض الاختلاف في الاستخدام وفي الإيحاء بصورة عامة.
ويعرِّف" قاموس أكسفورد" هذا المصطلح" بأنه تعبير مجازي يوحي بقلب موقف ما إلى صالحك بل إنه يتعدى فكرة التملص من موقف سلبي أو تجنبه بذكاء إلى الانتفاع به بأقصى درجة" فما هي ماهية هذا المصطلح؟ ! معظم الثقافات تعرف الألعاب اللوحية مثل طاولة الزهر، أو الشطرنج، أو الدامة التي تحتاج مزاولتها إلى جلوس لاعبين أمامهما الطاولة ويقومان برص أحجار الشطرنج، ومثيلتها والقيام بقلب الطاولة، أثناء اللعب يعني أن يضع لاعب نفسه بموقع الآخر ،وكان "جورج تشابمان" قد بدأ في استخدام هذا المصطلح في الأدب بمسرحية إنجليزية عام 1612 ثم موعظة دينية لروبرت ساندرسون عام 1644 كإيحاء لتبادل الأدوار، ولا يوجد تاريخ بعينه على بداية استخدامه في السياسة لكن هناك تباين في معناه حسب المواقف السياسية، فأحياناً مصطلح قلب الطاولة يدل على موقف ضدك قمت بتحويله لصالحك وقلب ذات الموقف على خصمك.
فعلي سبيل المثال عندما قام "دونالد ترامب" بالترشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 عن الحزب الجمهوري تصرف الناس ناحية هذا الأمر بتهاون واعتبروا أنه مزحة وكان أولهم منافسونه في الحزب، فهو لا يقارن بأي مرشح آخر في تاريخ أمريكا وليس له خلفية سياسية ولا عسكرية فقط ،هو مجرد رجل أعمال ثري قام بالمشاركة في عدة أعمال هوليوودية ،وقام منافسونه باستغلال هذا أثناء السباق الانتخابي، وكانوا يرددون أنه جاهل سياسياً ولم يقم ترامب بإنكار ذلك الجهل السياسي واستطاع أن يحول ذلك لصالحه عندما وطد في عقول مؤيديه أن الشخصيات السياسية التي مرت عليهم كاذبة ،وتقول ما لا تفعل أمّا هو فرجل حر مستقل، صادق ،وناجح وسيقوم بنقل نجاحه من عالم الأعمال إلى نجاح في البيت الأبيض ورئاسة أمريكا؛ فقلب الطاولة على كل السياسيين المخضرمين واكتسح السباق .
وأحياناً أخرى يتم استخدام هذا المصطلح في السباق على المصلحة والقوة على شكل تغيير موقف اعتماداً على عنصر المفاجأة، فمثلاً في لبنان لا يوجد شيء يجمع بين التيار الوطني الحر وحزب الله قبل عام 2006 ؛ فالتيار حزب مسيحي أغلبية مؤيديه من الطبقة الوسطى من أنصار الطائفة المارونية، ورئيسه ميشيل عون على علاقة سيئة بسوريا أما حزب الله فهو حزب ديني شيعي انتماؤه لإيران، وصلته بسوريا وثيقة ولكن عندما أراد عون الفوز برئاسة لبنان قام بقلب الطاولة على السياسيين الآخرين الذين يريدون ذات المنصب فعقد اتفاقا سياسياً مع الحزب لأنه يعلم جيداً أن السبيل للرئاسة لا بد من أن يمر بسوريا وكان الوضع السياسي في صالح التيار فبالطبع وافق حزب الله وكسب حليفاً سياسياً جديداً لم يكن علي باله.
وهناك العديد من الأمثلة على هذا المصطلح ولكن الأكيد أن عنصر المفاجئة هو الرابط الأساسي بينها جميعاً أي يعني خروج عنصر بشكل مفاجئ يرفض، يتمرد، يغير موقفه يعلن موقفاً جديداً وهي مفاجأة سوف تربك الطرف المقابل، وربما توجه له ضربة موجعة لمصالحه وخططه وأهدافه فيشتت الحسابات المتفق عليها ويربك الأوضاع الجارية ويحولها بذكاء لصالحه مع ملائمة الظروف السياسية لخدمة مصالحه ويجب مراعاة الدقة والحكمة في هذه اللعبة لكي تؤتي ثمارها فذلك يتطلب فن دقيق، وظروف مناسبة، وتوقعات وتقديرات محكمة ورصينة لإمكانات الطرف الآخر ولو حدث عكس ذلك فسوف تكون سياسة قلب الطاولة كارثة على صاحبها.

