recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

المعادن الأرضية النادرة.. نزاع عالمي جديد «بروفايل»


المعادن الأرضية النادرة.. نزاع عالمي جديد «بروفايل»

إعداد - حسن سليم

 هل تدركون وأنتم تقرأون الآن هذه الكلمات من خلال هاتفكم المحمول أو من خلال حاسوبكم الشخصي أن كلا منهما يدخل في تكوينه واحد أو أكثر من المعادن الأرضية النادرة؟ 

لقد أصبح من المستحيل إنتاج منتج من منتجات التكنولوجيا الحديثة دون استخدام هذه العناصر؛ فهي تُستخدم في كل شيء بدءاً من الصواريخ مروراً بتوربينات الرياح، والأجهزة الطبية، والأدوات الكهربائية، والهواتف المحمولة، ومحركات السيارات الهجينة والكهربائية.


ويمكن العثور على المعادن الأرضية النادرة -في الغالب- في جميع أنحاء العالم، ولكن عددا قليلا -فقط-  من الدول لديه احتياطيات بتركيزات عالية، كما أنه ليس كل الدول لديها القدرة على استخراج وتطوير هذه العناصر واستخدامها في الصناعات الأخرى، فعلى الرغم من الأهمية الشديدة لهذه المعادن، فإن الصين وحدها هي القوة المهيمنة على السوق، والمتحكمة في سلاسل التوريد؛ فهي أكبر منتج وأكبر مصدر ولديها أكبر احتياطي.


وحاليًّا، تُكثف الولايات المتحدة الجهود؛ لإنهاء الهيمنة الصينية على سوق المعادن الأرضية النادرة، من خلال خطوات واسعة للنهوض بسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة، وتطوير بدائل لتعدين هذه العناصر، إلا أنها ما زالت تواجه العديد من العقبات التقنية والبيئية.

 لم يكن مصطلح المعادن الأرضية النادرة مألوفًا حتى أواخر القرن العشرين لكثير من الناس خارج مجالات الكيمياء والجيولوجيا والهندسة المتخصصة، ولكن مع ظهور التكنولوجيا الحديثة، اكتسبت هذه المعادن زخما كبيرا بسبب خصائصها الفريدة واستخداماتها المهمة، فتقريبًا معظم المستهلكين يصادفون هذه العناصر الحيوية في حياتهم اليومية دون معرفة ذلك.

وعلى الرغم من اسمها، لا تعتبر هذه العناصر نادرة حقًا، حيث وصفتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأنها "وفيرة نسبيًّا في القشرة الأرضية".

ومع ذلك، فإن الاختلاف بين هذه المعادن والمعادن الأخرى في أنها أكثر صعوبة في التعدين؛ لأن احتمال وجودها بتركيزات عالية بما يكفي للاستخراج الاقتصادي، ضئيل.

التعريف والأهمية

تشمل المعادن الأرضية النادرة 17 عنصرا هي: اللانثانوم، والسيريوم، والبراسيوديميوم، والنيوديميوم، والبروميثيوم، والسماريوم، واليوروبيوم، والجادولينيوم، والتربيوم، والديسبروسيوم، والهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والإيتربيوم، واللوتيتيوم، والسكانديوم، والإيتريوم، وتنقسم إلى مجموعات فرعية خفيفة وثقيلة -على أساس أوزانها الذرية- موجودة في الرواسب الطبيعية على مستوى العالم، وهي في الواقع أكثر وفرة مما يوحي به اسمها، ولكن عمليات استخراجها ومعالجتها وتكريرها شديدة الصعوبة.

وغالبًا ما يكون من الصعب الحصول على العناصر الأرضية النادرة الثقيلة، التي تشمل معادن مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، والتي تدخل في العديد من الصناعات، مثل الأسلحة والأجهزة الإلكترونية والمركبات الكهربائية، ويعد النيوديميوم والبراسيوديميوم من أكثر العناصر الأرضية النادرة الخفيفة المرغوب فيها والضرورية في منتجات مثل المحركات والتوربينات والأجهزة الطبية، وقد ازداد الطلب عليها في السنوات الأخيرة مع نمو التكنولوجيا، وسيستمر في الصعود وسط السباق المستمر لإنشاء سوق كبيرة للسيارات الكهربائية.

وقد ازدادت شعبية المعادن الأرضية النادرة على مدار العشرين عامًا الماضية، بسبب الزيادة الكبيرة في الطلب على تلك العناصر، إذ يكاد يكون من المستحيل إنتاج منتج من منتجات التكنولوجيا الحديثة لا يحتوي على أي منها، حيث يتم فصل العناصر الأرضية النادرة بشكل فردي إلى أكاسيد ومعادن، وأخيرا مغناطيسات تُستخدم في كل السلع التكنولوجية، من الصواريخ إلى توربينات الرياح والأجهزة الطبية والأدوات الكهربائية والهواتف المحمولة ومحركات السيارات الهجينة والكهربائية، وحتى أبسط المنتجات تحتوي على عناصر أرضية نادرة.

استخدامات المعادن الأرضية النادرة

يتجلى استخدام المعادن النادرة في السيارات الحديثة، وهي واحدة من أكبر مستهلكي منتجات المعادن النادرة، كما تستخدم في العشرات من المحركات الكهربائية، حتى البنزين أو وقود الديزل الذي يدفع السيارات يتم تكريره باستخدام محفزات تكسير المعادن النادرة التي تحتوي على اللانثانوم أو السيريوم أو أكاسيد المعادن النادرة المختلطة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وسائل الإعلام وأجهزة الاتصال الحديثة -الهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر- تستخدم جميعها عناصر معدنية نادرة كمغناطيس لمكبرات الصوت ومحركات الأقراص الثابتة والفوسفور لشاشات العرض الضوئية، وعلى الرغم من أن كميات المعادن النادرة المستخدمة صغيرة جدًا (0.1-5٪ من حيث الوزن، باستثناء المغناطيس الدائم، الذي يحتوي على حوالي 25٪ من النيوديميوم)، لكنها ضرورية؛ حيث إنه لن يعمل أي من هذه الأجهزة بشكل جيد، لولا المعادن النادرة.

وتعتبر بعض الدول المعادن الأرضية النادرة ضرورية للاستخدام في تقنيات الدفاع، حيث تشمل الاستخدامات العسكرية نظارات الرؤية الليلية، والأسلحة الموجهة بدقة، ومعدات الاتصالات، ومعدات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية الدفاعية، كما أنها مكونات أساسية لصنع السبائك شديدة الصلابة المستخدمة في المركبات المدرعة والقذائف.

الاحتياطيات الدولية

يمكن العثور على المعادن الأرضية النادرة -في الغالب- في جميع أنحاء العالم، ولكن هناك عددا قليلا –فقط- من الدول لديه احتياطيات بتركيزات عالية بما يكفي لإنتاج المناجم.

وتقدر الاحتياطيات العالمية من المعادن النادرة (REO) بنحو 120 مليون طن متري، وذلك حتى عام 2020، وتتصدر الصين المشهد العالمي باحتياطياتها البالغة 44 مليون طن متري، تليها فيتنام بـ 22 مليونًا، والبرازيل بـ 21 مليونًا، وروسيا بـ 12 مليونا، والهند بـ 6.9 ملايين، وأستراليا بـ 4.1 ملايين، وجرينلاند ومثلها الولايات المتحدة بـ 1.5 مليون طن متري.

ومن الدول الأخرى التي تشكل أيضًا أكبر نسبة من الموارد الاقتصادية للمعادن النادرة في العالم ماليزيا وجنوب إفريقيا وسريلانكا وتايلاند وتنزانيا، كما أن لدى كندا كذلك احتياطيات من المعادن الأرضية النادرة.

 هيمنة الصين على إنتاج المعادن الأرضية النادرة

بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، أصبحت الصين أكبر منتج في العالم للمعادن الأرضية النادرة، وتُعد الصين القوة المهيمنة الآن على السوق، ووفقًا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية عام 2018، فإن الصين "قد أغرقت السوق العالمية بشكل استراتيجي" بمعادن أرضية نادرة بأسعار رخيصة؛ للقضاء على المنافسين الحاليين والمستقبليين.

وخلال التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، عززت الصين قبضتها على سوق المعادن النادرة في العالم، وزادت تنافسية الأسعار الصينية؛ مما جعل منجم ماونتين باس في كاليفورنيا، الذي كان أكبر منتج للمعادن النادرة في العالم، غير قادر على المنافسة وأوقف التشغيل، ومنذ أواخر التسعينيات، استحوذت الصين على أكثر من 90٪ من الإنتاج العالمي في المتوسط، وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية. 

وفي عام 2011، ارتفعت أسعار المعادن النادرة عندما قيدت الصين الصادرات، للحفاظ على الإمدادات للصناعات المحلية، وفي عام 2019، كانت الصين مسؤولة عن 80٪ من واردات المعادن النادرة، وفقًا للمسح الجيولوجي الأمريكي.

بلغ إنتاج المعادن الأرضية النادرة حول العالم 240 ألف طن متري في عام 2020، ويشكل إنتاج الصين حوالي 60٪ من الإنتاج العالمي تليها الولايات المتحدة، بحصة 16٪ من إنتاج المعادن النادرة العالمية بحوالي 38 ألف طن متري عام 2020. هذا، وتهيمن الصين على أكثر من 90٪ من تعدين وإنتاج المعادن الأرضية النادرة داخل أراضيها وخارجها. 

وتراقب الولايات المتحدة ميانمار عن كثب، والتي زاد إنتاجها من المناجم في السنوات الأخيرة؛ مما منحها حصة 12٪ من الإنتاج العالمي اعتبارًا من عام 2020، وهو ما يصل إلى 30 ألف طن متري من المعادن النادرة، كما تعد أستراليا ومدغشقر والهند وروسيا من الدول التي لها حصص في الإنتاج العالمي.

محاولات الحد من هيمنة الصين على المعادن الأرضية النادرة

أولا: الولايات المتحدة تحاول الخروج من مظلة الهيمنة الصينية

لدى الولايات المتحدة احتياطيات كبيرة من المعادن الأرضية النادرة، لكن المشكلة تكمن في أنها تنازلت عن قدراتها في التعدين والمعالجة للصين على مدار العقود الماضية، ويجب عليها الآن إعادة بناء الصناعة، في وقت أصبحت فيه الصين بالفعل جزءًا لا يتجزأ من سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة.

وقد صرحت جولي كلينجر، الأستاذ المساعد في الجغرافيا بجامعة ديلاوير، بأنه "يمكن فتح 100 منجم جديد في جميع أنحاء العالم بدعم عالمي، ولكن بدون الاستثمار في التصنيع والمعالجة ذات القيمة المضافة، سيستمر باقي العالم في الاعتماد على الصين للحصول على معادن نادرة مكررة".

وحاليًّا، تعمل الولايات المتحدة على استخراج المعادن الأرضية النادرة في عدة ولايات، بما في ذلك "وايومنغ وتكساس وكاليفورنيا"، لكن التجارب السابقة غير مبشرة؛ فقد أعادت شركة "موليكورب" فتحَ منجم "ماونتين باس" في كاليفورنيا، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها أفلست في عام 2015، وقامت شركة MP Materials بشراء المنجم واستأنفت الإنتاج في عام 2017.

وفي السنوات الأخيرة، تلقت شركة MP Materials عددًا كبيرا من المنح والعقود من وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الطاقة للبحث وتحسين القدرات المحلية، ومن أكبر عملاء الشركة شركة Shenghe Resources، وهي شركة صينية مسؤولة عن المعالجة والتوزيع والتكرير، والتي تمتلك أيضًا حصة في شركة MP Materials، وقد أثار هذا الارتباط بعض المخاوف بين علماء وزارة الطاقة، ولكن التمويل الحكومي استمر.

وتخطط شركة MP Materials لإعادة استثمار التدفق النقدي الحر الناتج عن العمليات لتوسيع قدرات الشركة، بما في ذلك استعادة قدرة التكرير المحلية في "ماونتين باس" بحلول العام المقبل، فهي تخطط "لاستعادة سلاسل توريد المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك التكرير والفصل، وصنع المغناطيس بحلول عام 2025.

وهناك لاعب رئيس آخر على الساحة هو "ليناس"، وهي شركة تعدين أسترالية، وتُعد واحدة من أكبر معالجات المعادن النادرة خارج الصين، وتدير منشأة فصل في ماليزيا، وقد حصلت مؤخرًا على تمويل بقيمة 30.4 مليون دولار من البنتاجون لبناء منشأة لمعالجة المعادن الأرضية الخفيفة في تكساس، وقد حصلت على عقد آخر، بالشراكة مع Blue Line Corp، ومقرها أيضًا في تكساس، لبناء منشأة لفصل المعادن الأرضية النادرة الثقيلة.

ولكن ما زالت هناك مجموعة من العقبات أمام السوق الأمريكية، فعلى الرغم من أن شركات مثل ليناس و   Materials MP حريصة على تكثيف سلاسل التوريد المحلية، لكن استخراج العناصر الأرضية النادرة يعد عملية صعبة بسبب مجموعة من العوامل البيئية والتقنية والسياسية، حيث صرح "ناكانو" -من برنامج أمن الطاقة وتغير المناخ التابع لمركز الدراسات الدولية الاستراتيجية- "بأن العديد من المناطق، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، لديها وفرة من هذه الموارد، ولكنها تفتقر إلى الخبرة، التي تمتلكها دول أخرى مثل الصين، في المعالجة وإنتاج المغناطيس.

وسيتطلب خروج الولايات المتحدة من مظلة الهيمنة الصينية الوصولَ إلى "مستويات هائلة من الإنتاج"، وبناء سلسلة استخراج وإنتاج قد تستغرق ما يصل إلى عقد من الزمان، وأفضل مسار في الوقت الحالي هو العمل مع الحلفاء مثل الاتحاد الأوروبي؛ لتقليل الاعتماد على الصين.

ثانيا: اليابان تنجح في الخروج من دائرة الهيمنة الصينية 

في عام 2010، قطعت بكين فجأة جميع صادرات المعادن النادرة إلى اليابان؛ بسبب نزاع مع سفينة صيد، حيث كانت طوكيو تعتمد بالكامل –تقريبًا- على الصين فيما يتعلق بالمعادن الحيوية.

وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار المعادن النادرة العالمية قبل أن تنهار مع انفجار فقاعة المضاربة، وأجبرت اليابان على إعادة التفكير في سياسة المواد الخام المهمة؛ فبعد عقد من الزمان، قللت بشكل كبير من اعتمادها على الصين في توريد المعادن النادرة، وتواصِل تنويع سلسلة التوريد الخاصة بها من خلال الاستثمار في جميع أنحاء العالم. 

وضعت اليابان استراتيجية تعتمد على الاستثمار في شركات المعادن النادرة والشراكة معها في جميع أنحاء العالم، بعد فترة وجيزة من الحظر الصيني، وكانت هذه الاستراتيجية ناجحة إلى حد كبير؛ حيث خفضت اليابان إمدادات المعادن النادرة من الصين بأكثر من 90٪ من الواردات إلى 58٪ في غضون عقد من الزمن (من 2010- 2020)، ووفقًا لقاعدة البيانات الإحصائية لتجارة السلع الأساسية، تهدف اليابان إلى خفض ذلك إلى أقل من 50٪ بحلول عام 2025.

ونظرًا لأنه من المتوقع أن يؤدي التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة إلى زيادة الطلب على المعادن النادرة، فمن المقرر أن تزيد اليابان تمويلها لاستكشاف المعادن الأرضية النادرة، حيث يتم التركيز على رفع الحد الأقصى الحالي البالغ 50٪، وهي نسبة تمويل الدولة لمشروعات استكشاف الموارد؛ مما قد يخفف العبء المالي للقطاع الخاص في مشروعات التعدين، المحفوفة بالمخاطر بطبيعتها.

ويشير خبراء الصناعة إلى أن مثال اليابان يوضح أهمية الاستثمار المستهدف -بقيادة الدولة- في قطاع المعادن النادرة، فمن خلال هذه الاستراتيجية يمكن لليابان توجيه أموال حكومية كبيرة لدعم مشروعات التعدين المختلفة.

وقد استثمرت اليابان 250 مليون دولار في شركة ليناس الأسترالية في عام 2011، مقابل إمداد ثابت من العناصر الأرضية النادرة، وتمت إعادة هيكلة شروط القرض في عام 2016، لحماية  المتعثرة من الانهيار، وأعيدت هيكلة تلك الشروط مرة أخرى في عام 2019؛ لضمان حصول اليابان على "أولوية العرض" للمعادن النادرة حتى عام 2038.

كما قامت اليابان، وفقا لهذه الاستراتيجية، مؤخرًا بتعميق الاستثمارات في مشروع مشترك مع شركة Namibia Critical Metals""، ومقرها كندا، للمساهمة في مشروع "لوفدال" لتعدين المعادن النادرة في ناميبيا، وقد استثمرت بالفعل الملايين لتمويل الاستكشاف والتطوير في المشروع، وهي مستعدة لضخ 10 ملايين دولار أخرى في المشروع، حيث إن مشروع "لوفدال" له أهمية خاصة، لأنه غني بالمعادن النادرة الثقيلة.

ثالثا: اضطرابات ميانمار تهدد هيمنة الصين

تعد ميانمار في مقدمة سلسلة صناعة المعادن النادرة العالمية، حيث تحتوي على نصف الخامات الأرضية النادرة في العالم، ويتم تصدير معادنها الأرضية النادرة الثقيلة إلى الصين؛ لاستخراجها ومعالجتها، ثم يتم تصديرها إلى العالم.

ويعد اعتماد الصين على ميانمار تهديدا لهيمنتها على سوق المعادن النادرة؛ لذا "تحاول أن تنوع مصادر استيرادها من دول أخرى، مثل فيتنام ولاوس وكمبوديا، ولكن الأمر لم يكن بهذه السهولة، فعملية نقل سلاسل التوريد تتطلب الكثير من الجهود، كما أن هناك الكثير من عدم اليقين وعوامل غير مستقرة تحيط بالإمدادات الجديدة من تلك المصادر المحتملة".

وفي السنوات الأخيرة، اعتمدت الصين اعتمادًا كبيرًا على المعادن النادرة المتوسطة والثقيلة الواردة من ميانمار، والتي تمثل أكثر من 60٪ من إجمالي استخدامات المعادن النادرة لامتصاص الأيونات في الصين، حيث اتخذت الحكومة الصينية إجراءات صارمة ضد التعدين غير القانوني، وعززت التدابير في مجال حماية البيئة.

وقد ارتفعت واردات الصين من العناصر الأرضية النادرة من ميانمار بنسبة 23٪ عن عام 2019، لتصل إلى حوالي 35500 طن عام 2020، بما يمثل 74.39٪ من إجمالي الواردات، تليها ماليزيا بنسبة 17.06٪، وفيتنام بنسبة 4.46٪.

 وقد أشار تقرير صادر عن شركة Soochow Securities إلى أن العناصر الأرضية النادرة المتوسطة والثقيلة من المحتمل أن تتأثر أكثر؛ بسبب الاضطرابات السياسية في ميانمار، والتي قد تؤثر على المناجم؛ مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج أو توقفه تمامًا؛ وهو ما يعقبه إعاقة عمليات شحن المواد الخام من ميانمار إلى الشركات الصينية.

وبالفعل، قد تضاءلت صادرات ميانمار من العناصر النادرة إلى الصين إلى حد ما؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار المعادن النادرة في السوق، وفقًا لما قاله مدير مؤسسة المعادن النادرة في "جانتشو" بمقاطعة "جيانغشي" بشرق الصين.

كما أشار التقرير إلى أن مناجم المعادن النادرة في ميانمار، التي تحصل منها الشركة على إمداداتها، تعمل كالمعتاد، لكن المشكلات اللوجستية قد أعاقت الصادرات منذ منتصف مارس 2021.

فعندما اندلعت الاضطرابات السياسية في فبراير 2021، ظلت صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى الصين غير متأثرة، حيث توجد معظم المناجم الأرضية النادرة في الجزء الشمالي من البلاد، وكان الوضع مستقرًا، حيث أظهرت بيانات الجمارك، في الفترة من يناير إلى فبراير 2021، ارتفاع واردات أكسيد الأتربة النادرة بنسبة 24.6٪ على أساس سنوي إلى 3546 طنا، لكن الأمور ساءت في الأيام الأخيرة، حيث إن تكاليف المواد الخام قد ارتفعت بنسبة 30-40٪ على الأقل منذ بداية العام.

جرينلاند منطقة نزاع حول المعادن الأرضية النادرة

تمتلك جرينلاند -أكبر جزيرة في العالم- موارد ضخمة من المعادن الأرضية النادرة، فمع انحسار الغطاء الجليدي والأنهار الجليدية في جرينلاند، تتسابق شركتا تعدين مقرهما أستراليا -الأولى تسعى للحصول على تمويل في الولايات المتحدة والأخرى مملوكة لشركة صينية مدعومة من الدولة- للحصول على الموافقة على التنقيب عن المعادن الأرضية هناك.


وتقول الشركتان: إن تطوير كل منجم في جرينلاند سيكلف حوالي 500 مليون دولار، ويخطط كلاهما لإرسال المواد المستخرجة للمعالجة النهائية في الصين التي تهيمن على عمليات معالجة تلك المعادن.


وقد أنفقت الشركة المدعومة من الصين بالفعل أكثر من 100 مليون دولار في التحضير للتعدين، وحصلت على دعم سياسي أولي من حكومة جرينلاند الائتلافية، لكن خططها تشمل تصدير اليورانيوم، وهو وقود نووي، وقد واجهت مؤخرًا معارضة شديدة.

 

وتتولى شركة "Greenland Minerals and Energy Limited" الأسترالية إدارة المشروع، وقد بلغ إجمالي الاستثمار في المشروع 1.36 مليار دولار، ويُقدر عمر إنتاج المنجم بعمر أولي يبلغ 37 عامًا، ومن المتوقع أن يصل حجم الإنتاج إلى ثلاثة ملايين طن سنويًّا.


ومن المتوقع أن ينتج المشروع معادن أرضية نادرة مختلطة، مثل: "النيوديميوم"، و"البراسيوديميوم"، و"الأوروبيوم"، و"الديسبروسيوم"، و"التيربيوم"، و"الإيتريوم"، بالإضافة إلى المنتجات الثانوية، بما في ذلك "أكسيد ثلاثي اليورانيوم" (U₃O₈)، ومنتجات "اللانثانم" و"السيريوم"، ومركزات "الزنك" و"الفلورسبار".


كتب "بير كالفيج"، كبير مستشاري هيئة المسح الجيولوجي للدنمارك وجرينلاند، موجز سياسات صادر في فبراير 2021، بشأن العناصر الأرضية النادرة (REEs). حيث تعد العناصر الأرضية النادرة (REEs) أساسية لمجالات الاتصالات وانتقال الطاقة الخضراء والدفاع، ولكن يتم إنتاجها بشكل حصري تقريبًا في الصين، وعلى الرغم من اقتراب مناجم العناصر الأرضية النادرة في جنوب جرينلاند من التوسع في الانتاج، تظل الدنمارك وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي مهمشين عن سلاسل التوريد المستقبلية للمواد الخام.


وأفاد التقرير بأنه تم اكتشاف مشروعين للتعدين في جرينلاند  ((Kvanefjeld وKringlerne))، واللذين يعدان بمثابة أكبر مورد للعناصر الأرضية النادرة في العالم. ولكن على الرغم من ذلك، من المستحيل عمليا على الشركات المنافسة خارج الصين الحصول على حصة كبيرة مقارنة بالقوة المهيمنة من قبِل الصين على سوق العناصر الأرضية النادرة.


ويرى العديد من أعضاء المؤسسة السياسية في جرينلاند أن كلا المشروعين يمثلان فرصة لخلق وظائف مطلوبة بشدة وفرصة للتنمية الاقتصادية، فضلا عن كونهما نقطة انطلاق طويلة الأجل على طريق الاستقلال عن هيمنة الصين.

أفريقيا.. فرص واعدة للمعادن الأرضية النادرة 

برزت أفريقيا كمصدر بديل للمعادن الأرضية النادرة، لكن الافتقار إلى اتفاقيات ملموسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمنتجين الأفارقة أثار حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل المعادن النادرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع ذلك، فقد تم تحديد عدد من دول جنوب وشرق إفريقيا، لأنها تمتلك رواسب عالية الجودة وكبيرة بما يكفي من المعادن الأرضية النادرة، لجعل استغلال التعدين بها مجديًا اقتصاديًّا، وتزويد حكوماتها وشعوبها بفرص اقتصادية جديدة، وتشمل هذه البلدان ناميبيا وجنوب إفريقيا وكينيا ومدغشقر وملاوي وموزمبيق وتنزانيا وزامبيا وبوروندي.

أهم المشروعات في القارة السمراء

-منجم (سونج هيل) في ملاوي:

تديره شركة (Mkango Resources)، ومقرها دولة ملاوي، وتمتلك أحد أهم مصادر المعادن الأرضية النادرة، حيث تمتلك وتدير شركة (Mkango) منجم (Songwe Hill)، والذي تم الكشف عن وجود معادن نادرة به بدرجة تركيز تصل إلى 2.2٪ خلال عام 2019، وقد بلغت تكلفة الاستثمار به نحو 7.7 مليون دولار.

- منجم (جاكارا) في بوروندي:

تم اكتشافه من قبل شركة "سوموكي" البلجيكية في عام 1936، إلا أن أول إنتاج للمعادن الأرضية النادرة من المنجم كان في ديسمبر 2017.

يتم تشغيل منجم Gakara للمعادن الأرضية النادرة بواسطة Rainbow Rare Earths التي تمتلك 90٪ من المشروع، بينما تمتلك جمهورية بوروندي النسبة المتبقية البالغة 10٪.

يضم المنجم ما بين (262 – 375) ألف طن من المعادن النادرة عالية الجودة، بنسبة تركيز تتراوح بين (7٪ - 12٪)، كما يضم ما بين (252 - 342) ألف طن من المعادن الأرضية النادرة منخفضة الجودة، بنسبة تركيز تتراوح بين (1.0٪ - 1.5٪)، وتستهدف الشركة مبدئيا إنتاج 5 آلاف طن سنويا من المعادن الأرضية النادرة، بدرجة تركيز تصل إلى 54٪. 

- مشروع (ستينكامبسكرال) في جنوب إفريقيا:

يقع منجم "ستينكامبسكرال" في المنطقة الجافة في غرب دولة جنوب إفريقيا على بعد 350 كيلومترا إلى الشمال من مدينة الكاب، وقد تم اكتشاف المنجم في 1949، واستُخرج منه الثوريوم المستخدم كوقود نووي بين 1952 و1964.

يضم المنجم احتياطات من المعادن النادرة تتسم بأعلى درجات التركيز في العالم، هذا، ويحتوي المنجم على معادن الـ "المونازيت" و"النيوديميوم" و"البراسيوديميوم" و"الليثيوم" النادرة بكثافة مرتفعة؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن حوالي 14٪ من الصخور "في منجم ستينكامبسكرال" مكونة من معادن نادرة، الأمر الذي يُعد استثنائيا، وذلك لأن المناجم على مستوى العالم تضم بشكل عام تركيزا قريبا من نسبة 6٪.

وتشكل الإمكانات الكبيرة في هذا المنجم فرصة كبيرة لدولة جنوب إفريقيا، خصوصًا مع توجه الصين التي تنتج أكثر من 90٪ من المعادن النادرة في العالم، إلى التهديد بوقف شحناتها من المعادن النادرة التي تستوردها واشنطن بكميات كبيرة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الصين قد أصبحت خلال العام الماضي للمرة الأولى مستوردة لهذه المعادن النادرة بسبب ارتفاع استهلاكها المحلي الناتج عن تجارتها الكبيرة للمعدات الكهربائية محلية الصنع؛ حيث ارتفعت المبيعات العالمية لهذه المعدات بنسبة 68٪ العام الماضي لتبلغ 5.12 ملايين، بينها أكثر من مليون آلة بيعت في الصين.

توقعات سوق المعادن الأرضية 

من المرجح أن يؤدي الاستخدام المتزايد لعناصر المعادن النادرة المستخدمة في تطبيقات المغناطيس الدائم إلى إنعاش سوق المعادن الأرضية النادرة، وتعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي السوق الأسرع نموًا للمعادن الأرضية النادرة، بسبب زيادة الإنتاج والاستهلاك في الصين، حيث يوفر الاستخدام الكبير للمغناطيس قوة دفع كبيرة لهذه المواد المتقدمة، ومن المتوقع أن يقود سوقَ المعادن الأرضية النادرة في المنطقة.

 

سيستمر تصدر الصين لقائمة الدول المنتجة للمعادن الأرضية النادرة، حيث سيصل إنتاج الصين من المعادن الأرضية النادرة إلى 1.5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.1٪.

 

ومن الجدير بالذكر أنه من المتوقع أن تحقق سوق المعادن الأرضية النادرة في كل من اليابان وكندا نموًا بنحو 3.9٪ و6.5٪ على التوالي خلال الفترة (2020-2027)، هذا بالإضافة إلى نمو بنحو 4.7٪ في ألمانيا.

 

وعلى صعيد قطاع المعادن والسبائك العالمية، ستحقق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان والصين وأوروبا معدل نمو سنوي مركب قدره 7.8٪ لهذا القطاع، ومن المتوقع أن يصل حجم إنتاج هذه الأسواق إلى 934.9 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2027 مقابل 552 مليون دولار أمريكي في عام 2020، كما أنه من المتوقع أن يصل السوق في آسيا والمحيط الهادئ إلى 907.8 ملايين دولار أمريكي بحلول عام 2027، بينما ستتوسع أمريكا اللاتينية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.9٪ خلال الفترة (2020-2027).

 

وسيسيطر على سوق المعادن الأرضية النادرة 7 شركات عالمية، هي: Lynas Corporation (أستراليا)، Alkane Resources ltd (أستراليا)، أرافورا ريسورسز ليمتد (أستراليا)، China Minmetals Rare Earth Co Ltd (الصين)، Avalon Advanced Materials، Inc (كندا)، Iluka Resource Ltd (أستراليا)، Canada Rare Earth Corporation (كندا).

توقعات الإنتاج عالميًّا 

من المتوقع أن تنمو السوق العالمية للمعادن النادرة، لتصل إلى حوالي 9 مليارات دولار أمريكي بنهاية عام 2025، مقابل 5 مليارات دولار أمريكي في عام 2020.

كما أنه من المتوقع ارتفاع حجم إنتاج أكسيد الأرض النادر على مستوى العالم -باستثناء الصين- من 41.8 ألف طن عام 2019 إلى 94.0 ألف طن عام 2024.

أما على صعيد استخدام المعادن النادرة في الصناعات التحويلية، فمن المتوقع أن يتم استخدام ما يقرب من 32٪ من إجمالي استخدامات المعادن الأرضية النادرة في إنتاج الزجاج خلال 2028، ونحو 21٪ في إنتاج المحفزات، و17٪ في إنتاج المغناطيس.

 المعادن الأرضية النادرة التي يتوقع أن تتصدر المشهد

من المتوقع أن يتصدر أكسيد النيوديميوم سوق المعادن الأرضية النادرة حتى عام 2026، ويستخدم أكسيد النيوديميوم لإنتاج المغناطيس الموجود في معظم المركبات والطائرات الحديثة، بالإضافة إلى الإلكترونيات الاستهلاكية الشائعة، مثل سماعات الرأس والميكروفونات وأقراص الكمبيوتر، ويتم استخدامه في المغناطيس عالي القوة، ويعرف أيضًا بالحديد– بورون، وهو أحد أقوى المغناطيسات في العالم.

ومن المتوقع أن ينمو قطاع الفوسفور، بأعلى معدل نمو سنوي مركب حتى عام 2026، ويتم استخدام الفوسفور لتحويل الإشعاع الساقط إلى ضوء في العديد من التطبيقات التي تتطلب لونًا في الضوء المعروض، مثل: شاشات أنبوب أشعة الكاثود المستخدمة في أجهزة الرادار وفي أجهزة التلفاز، ومصابيح الفلورسنت، وغيرها من التطبيقات، وتعد العناصر المهمة في هذا القطاع هي اليوروبيوم والتيربيوم والإيتريوم.

المعادن الأرضية النادرة في استخدامات الطاقة النظيفة

يتطلع العالم إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة النظيفة، وتحقيق الهدف السابع من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، المتمثل في حصول الجميع على طاقة نظيفة وموثوق بها وبأسعار معقولة، ويتطلب الاعتماد على تقنيات الطاقة النظيفة توافر المعادن المهمة، مثل: النحاس، والليثيوم، والنيكل، والكوبالت، والمعادن الأرضية النادرة.

تختلف أنواع الموارد المعدنية المستخدمة في الطاقة النظيفة وفقًا للاستخدام، فيعتبر الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز والجرافيت من العناصر الأساسية للبطاريات، أما المعادن الأرضية النادرة فهي ضرورية للمغناطيس الدائم الضروري لتوربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية، وبالنسبة للنحاس والألمنيوم فإنه يتم استخدامهما في شبكات الكهرباء.

حيث إنه من المتوقع أن ينمو الطلب على عنصر النيوديميوم والبراسيوديميوم بنسبة 300٪ بحلول عام 2030، وذلك من أجل الاستخدام في إنشاء توربينات الرياح.

من المتوقع أن يرتفع استخدام المعادن الأرضية النادرة في إنتاج الطاقة النظيفة، ليصل إلى أكثر من 40٪ خلال عام 2040، مقابل أقل من 20٪ عام 201

google-playkhamsatmostaqltradent