recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

قصة قصيرة (خطوط) بقلم: أحمد البياتي

 قصة قصيرة (خطوط)

قصة قصيرة (خطوط)  بقلم: أحمد البياتي


بقلم: أحمد البياتي _العراق

كل شيء بدأ يتهاوى من حوله ، الأرض بدأت تتشقق وهي تصنع هوّة عميقة يتخللها ظلام سحيق ، تتفجر من عمقه استغاثات واشياء اخرى كان يلمحها من خلال التراب المتطاير من حوله ، لعلها اجساد او اشلاء كانت تعوم في اللاشيء !.رمشت عيناه قليلاً، فتزاحم الدخان عند جبهته الساخنة ، ثم راح يتلوى بين خصلات شعره المتهدلة فوق شحمة اذنه النافرة ، ضرب بكفه الهواء فتماثل امامه طريق كان يمضي باتجاهات مختلفة ، استقر بصره عند قناني عملاقة ، كانت ترتفع فوق قمة رأسه حتى لتكاد تمس السقف الذي كانت تنث ثقوبه الصغيرة ضوءاً خافتاً يتلئللأ فوق الزجاج الملون الذي كان يذكره بكتدرائية تنتصب في غابة من الأعمدة الرخامية ، تحسس جبهة الصحراء الواسعة الممتدة امامه باصابعه المرتعشة ،فشعر بلكزة حادة تدمي كفه .. وبصوت عميق بعيد غائر يذكره بفوهة دبابة كانت لاتزال تلاحقه قبل ان يهز الكثبان الرملية ذلك الدويّ الهائل .أغمض عينيه وانتظر ان يتلاشى .. طال انتظاره طويلاً ، وعندما فتح كوّة صغيرة بين اصابعه لمح خيط من الدخان ينبعث من الفوهة التي سكنت فجأة .

ابتسم وقال :-

سامسك بك مهما حاولت الفرار من قبضتي .. سأحاول ؟.

مصَّ شفتيه المتشققتين ، فشعر بطعم غريب يتفجر في فمه ، وليس هناك غير رائحة الأجساد المحترقة والصراخ المستغيث من قاع الجحيم . تلمسَ حافة الزجاجة العملاقة ، وبهدوء سحري مدَّ اصابعه ليقبض على غطاء أصفر راح يصعد حتى مسَّ حافة السقف المرصع بالنجوم . حمل جسده الثقيل بواسطة ساقيه النحيلتين ، فأرتعشت الأشياء من حوله ، حيث أخذت تصغر وتتسع وفق دوائر حلزونية كانت تنفصل عن بعضها لتتناثر بعد ذلك في فضاء أزرق بعيد.. وعندما لم يجدبداًمن تسلق المنضدة التي راحت تصرُ تحت قدميه المرتعشة ، مسك طرف الستارة المتهدلة فوق الشباك الصغير الذي يفضي الى طريق تنوس فيه المصابيح البعيدة . احتضن القنينة العملاقة وقلّصَ اصابعه محاولاً الوصول الى سطح القنينة ، غيران قصر قامته اعياه عن التمسك بحافة الغطاء المعدني ، وتذكر ان هناك ارتفاعا يمضي نحو النجوم البعيدة التي حلم بها ذات يوم وهو يمضي محمولاً على بساط طائر تحفه من الجانبين طيور بيضاء برؤوس آدمية !.فكَرَّ ان يعيد ترتيب الأشياء المحيطة به ، ان يضع كرسياً آخر يوصله الى النجوم ، انحنى فوق المنضدة وراح يضرب بكفه الظلام باحثا عن كرسي قريب ، رفع رأسه من جديد فأمتد امامه علّو شاهق اختفت على اثره النجوم ، ولم يبق سوى جدار العتمة .احتوى الزجاجة العملاقة فشعر بدقات قلبه يتردد صداه في جوف وادٍ زجاجي عميق ، دفعها بقوة جسده فوجد نفسه يتهاوى فارتطمت اعضاؤه بالنتوءات الحادة .. تأوه ، التقطته قوة ما خفية اقعدته من جديد .الدبابة كانت تتقدم منه بحذر وفوهتها تتجه نحوه ، تشنجت كفه جراء محاولة الإمساك بالدبابة التي قذفت بحممها غير آبهة بكفه المدماة ، تقيحت في فمه بقايا لسعة من شراب ناري قاتل ، كانت تلك اللسعة تستقر في ضرسه المنخور كبركة مائية آسنة . عادت الدبابة من جديد بهديرها وفوهتها المتحركة .تلفَتَ صوب الدبابة ،راقبها غير مبالٍ بأنفاسه الحارة المعبأة برائحة التبغ الذي قذفه بوجه الدبابة التي سرعان ماتدحرجت مع بقايا اعقاب سكائر وعيدان ثقاب محترق . كان الرمل يتحرك ورأسه يتدحرج وليس هناك سوى بقع ضوء بعيدة. قال بحزن :

- نعم .. هناك ثمة ارض تبتلع ابنائها بسعادة سادية قاتلة .


google-playkhamsatmostaqltradent