recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الزفاف الأول والأخير بقلم: هبة المنزلاوي


 الزفاف الأول والأخير


بقلم: هبة المنزلاوي


كانت نظرتي الأولى هي بداية المفاجآت ،فكان الثوب الأبيض الذي وضعوني فيه في يوم زفافي الأول هو البداية البريئة التي لن تتكرر ، هذا اللون الأبيض يبشرني بأن هناك آمالا صافية تحيط بالمرء منذ لحظة ولادته ليحيا في ظلها، فهو لم  يكن يعرف ما الذي ينتظره بعد هذا الزفاف؟! الذي ترقص معه القلوب ؛ لأن هناك ثمرة حان وقت رعايتها لتنمو وتصبح نموذجا للأحياء تجتمع فيه تفاصيل الجمال لم يكن يعرف بأن هناك لصا سيخطفه من هذا الثوب الأبيض إلى كهف من الظلام تحاربه فيه الأفاعي ،لتنزف دمائه وتفرش كل أركان الكهف تحاول بدس سمومها أن تقتل براءته وتستحوذ على روحه من أجل رغباتها الدنيئة المختلطة بنار الحقد والكراهية فهي تطمع في أنفاسه و كأنها تريد أن تحصل على الثمن فهل للأنفاس أثمان؟! فالحلم روح متمردة تحيا في عالم يصارع بعضه بعضاً كلما انقطع عنه الهواء ينظر إلى أعماق صاحبه ويمسك بيده حتى يحتمي بقوته وأحاسيسه التي تتحدى

هذه الغابة الوحشية فيطمئن  ويقاوم ذئابها وكأنه ملك الغابة ولابد أن ينتصر أو بطل في فيلم حربي والبطل لا يُقْتَل ،يخشى أن يضيع في هذه الغابة وحيداً و تحجب عنه الأشجار رؤية معالم الحياة فلا تعطي له محاربة الأنياب التي تحاصره الفرصة لكى يرى نفسه ويرعى آماله يحيا  على أمل البقاء في شموخ الجبال أو الموت جندي لم يترك السلاح ،أبى في معركته أن يكون أضحوكة  لطيور الظلام فلو رأته الأفاعي ضعيفا لكان التهامه أسهل من أكل الذباب ، إنه حلم وُلد بريئا فأخذته مناورات الحياة بعيداً عن دائرته الصغيرة التي كان يتمتع فيها بالأمان ،فاليوم لم يعد يشعر بالاطمئنان نحو الأشياء  ويرى فراغ القلوب من الرفق واللين وأن الجرح  من محب لمحب مباح فاجتمع المجروحون يشيعيون جنازة هذه الآلام  وعندما وصلوا إلى المقابر ونظروا إلى الجثمان وهو يتوارى في التراب تمنوا لو استطاعوا دفن الآلام بعيداً عن شريان الوتين، حتى لا ينقطع  فيتوقف نبض الحياة مثلما دفنوها اليوم في القبر الذي سيأويهم غداً! وبنفس الثوب الأبيض والزفاف الجامع، ولكنه الزفاف الأخير!!  فالحياة زفافان  وما بينهما اختبارات نجاح ورسوب أفراح وآلام .

google-playkhamsatmostaqltradent