رقمنة المالية العامة
بقلم:الدكتور أحمد عاشور
أستاذ الاقتصاد المساعد - معهد التخطيط القومي
شهدت جمهورية مصر العربية العديد من التطورات الاقتصادية بدءً من عام 2016، حيث قامت الدولة بإعلان برنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي ارتكز على العديد من الإصلاحات، والتي تمثلت في ثلاثة محاور رئيسة، وهي:
تعزيز الأطر المؤسسية والقدرة على حماية مرونة واستقرار الاقتصاد الكلي: والتي تستهدف تحقيق التكامل بين جميع السياسات المتبعة في الإطار الاقتصادي الكلي، وخاصة بين السياسة المالية والنقدية، وذلك من خلال ترشيد الإنفاق العام، وتعزيز الإيرادات، وخفض نسب الدين والعجز للناتج المحلي الإجمالي، لتعزيز السياسات المالية الداعمة للنمو، والسيطرة على التضخم، واتباع نظام مرن لأسعار الصرف؛ للحافظ على القدرة التنافسية للاقتصاد.
تعميق الإصلاحات الهيكيلة لتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص: من خلال تحسين بيئة الأعمال، واتباع نظام ضريبي واضح وسهل التنبؤ بقيمته، وتطوير البنية التحتية مع زيادة دور القطاع الخاص، وتشجيع الصناعات التصديرية، ودعم قطاع الصناعة والشركات الصغيرة والمتوسطة ومشروعات ريادة الأعمال.
تعزيز التنمية البشرية والحماية الاجتماعية: من خلال بداية برنامج التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين، واتباع نظام حديث ومتكامل للتعليم، وإصلاح أنظمة التأمينات الاجتماعية، والتوسع في برامج التحويلات النقدية للفئات غير القادرة، وكذلك مشروعات الإسكان الاجتماعي، وزيادة مخصصات التعليم والصحة والتنمية البشرية.
تلك الإصلاحات التي شهدتها الدولة المصرية صاحَبها إصلاح شامل للنظام المالي، وكذلك تطوير نظم الإدارة الحكومية، وقد تزامن ذلك مع إطلاق استراتيجيتي التحول الرقمي والشمول المالي لتكونا بمثابة حجر الزاوية في تعزيز أطر الرقمنة للمالية العامة بجانبيها، سواء داخل وزارة المالية أو وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
رقمنة عملية التخطيط:
قامت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بتطوير مناهج وأدوات وآليات الخطط التنموية، وذلك تماشيًا مع الالتزامات الدولية لجمهورية مصر العربية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة الأممية، واتساقًا مع متطلبات تطوير وتحديث استراتيجية التنمية المستدامة؛ رؤية مصر 2030، بعد مرور نحو ست سنوات على اعتمادها، والانتهاء من تنفيذ العديد من أهدافها وبرامجها الرئيسة.
وانطلاقًا من محور الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية باستراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030، والذي يهدف إلى أن يتميز الجهاز الإداري بالكفاءة والفعَّالية من خلال بناء جهاز إداري قائم على الحكم الرشيد ويتمتع ببنية معلوماتية جيدة، وقد جاء تطوير منظومة التخطيط على رأس أولويات الوزارة ليتضمن تطوير المنظومة المتكاملة لإعداد ومتابعة الخطة الاستثمارية، والتي تُعرف بأنها ذلك النظام الإلكتروني المتكامل الذي يربط وحدات الحكومة العامة التي تقوم بإعداد ومتابعة الخطط القومية والقطاعية والمكانية، في ضوء أهداف التنمية المستدامة؛ وذلك لطلب الاستثمارات ومتابعة تنفيذها وتقييم أدائها التنموي، وتهدف هذه المنظومة إلى تحقيق ما يلي:
ربط أهداف التنمية المستدامة الأممية وأهداف استراتيجية التنمية المستدامة؛ رؤية مصر 2030، ببرنامج عمل الحكومة المصرية (2018-2022)، وكذا بجميع المشروعات التنموية التي تنفذها الوزارات والهيئات بجمهورية مصر العربية.
تمكين الوزارات والهيئات المختلفة من صياغة خططها التنموية وتقديم مقترحات تلك الخطط من خلال الاستمارات الإلكترونية لطلب التمويل، والتي تتلاءم مع طبيعة جهات الإسناد المختلفة.
تمكين العاملين داخل وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، من استدعاء قواعد البيانات بسهولة ويسر وعرض التقارير المختلفة عن المشروعات الخاصة بكل وزارة أو هيئة، بصورة تساعد على تسهيل وسرعة عملية اتخاذ القرار بقبول أو رفض المشروعات التي تتقدم بها تلك الجهات وفقًا للأولويات المقترحة منها، وكذا المعايير المتفق عليها محليًّا ودوليًّا لتقييم المشروعات ودراسة مدى جدواها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ومن ثمّ متابعة تلك المشروعات وتقييم أدائها وتأثيرها التنموي حال قبولها بخطة التنمية المستدامة للدولة، أو حتى الاحتفاظ بها في قواعد البيانات الخاصة بالوزارة حال تأجيلها أو عدم الموافقة عليها، ليتكون منها فيما بعد ما يعرف ببنك المشروعات المقترحة التي يمكن الرجوع إليها في أي وقت تحتاج إليه وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أو الوزارات والهيئات المختلفة.
تكوين اللبنة الرئيسة في بناء البنية المعلوماتية حول المشروعات المقترحة لجميع جهات الوزارات والهيئات، والتي تخدم أهداف التنمية المستدامة الأممية، واستراتيجية التنمية المستدامة؛ رؤية مصر 2030، بأهدافها ومؤشرات قياس أدائها، وكذا برنامج عمل الحكومة (2018-2022)، بما يسهل من عملية متابعتها.
إتاحة قدر كبير من الشفافية في عملية اختيار المشروعات المدرجة ضمن خطة التنمية المستدامة للدولة من خلال توحيد معايير الحكم على المشروعات والمفاضلة بينها، كما تمكن قاعدة البيانات المتاحة من إعداد وتطوير خطط اقتصادية للأقاليم السبعة لجمهورية مصر العربية، وكذا خطط للمواطن يتعرف من خلالها على جميع المشروعات القائمة بنطاق إقليمه أو محافظته أو حتى المدينة والحى/القسم أو القرية/الشياخة التي يقطنها.
وتتكون تلك المنظومة المتكاملة لإعداد ومتابعة الخطة الاستثمارية من أربعة مكونات رئيسة هي: (1) مقترح وإعداد الخطة، (2) المناقلات والاعتمادات الإضافية، (3) قاعدة بيانات المشروعات، (4) متابعة المشروعات. ومن ثم يتضح أن كل ما يتعلق بعملية التخطيط منذ إعداد مقترحات الخطط ثم تنفيذها وإتمام المناقلات والاعتمادات الإضافية الخاصة بها، أو حتى متابعتها، أصبح يتم بصورة إلكترونية كاملة بين وزارة التخطيط والوزارات والهيئات الحكومية؛ مما أسهم في توفير الوقت والتكلفة في عملية إعداد الخطط، وكذا رفع كفاءة منظومة التخطيط بصورة عامة، وتحسين الأداء التنفيذي للعديد من المشروعات الاستثمارية؛ نتيجة الإعداد الجيد لتلك المشروعات والالتزام بالجدول الزمني لتنفيذها، وكذلك المتابعة المستمرة والدورية لها.
رقمنة عملية إعداد وتنفيذ الموازنة العامة:
شهدت عملية إعداد وتنفيذ الموازنة العامة للدولة العديد من التغيرات الإيجابية، والتي بدأت منذ عام 2004 بميكنة عملية إعداد الموزانة من مرحلة إدخال مقترح الموازنة من خلال نظام إلكتروني وحتى استخراج التقارير المالية الخاصة بها، تبعتها ميكنة الحسابات الختامية في عام 2006، ثم إنشاء حساب الخزانة الموحد الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 2006، والذي قام بتجميع كل الحسابات الخاصة بالوحدات الحسابية من البنوك المختلفة لتكون داخل حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي؛ مما أسهم في تحقيق الانضباط المالي والشفافية الخاصة بتلك الحسابات وإخضاعها إلى رقابة مالية محكمة.