recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

التنظيمات الجهادية والإعلام الرقمي

 

التنظيمات الجهادية والإعلام الرقمي


د. هبة عاطف لبيب

مدرس الإعلام - المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية

تشير أحدث مؤشرات التطور الرقمي في التقرير الذي أصدره موقع We Are Social بالتعاون مع شركة Hootsuite - وهي منصة لإدارة وسائل التواصل الاجتماعي - إلى أنه حتى يوليو 2021 بلغ عدد مستخدمي الإنترنت 4.8 مليارات شخص، بنسبة تصل إلى 61% من إجمالي سكان العالم، وبنمو سنوي 5.7%، أي بما يوازي 257 ميلون فرد سنويًّا. ويصل عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي إلى 4.48 مليارات شخص، بواقع 56.8% من سكان العالم، وبزيادة سنوية نحو 13%، أي أن 520 مليون شخص ينضمون سنويًّا لمنصات التواصل الاجتماعي، بمعدل 1.4 مليون شخص يوميًّا، ويقضي هؤلاء ما يَقرُب من 10 مليارات ساعة على تلك المواقع. 

وفي خضم هذا الزخم والتطور التقني والتكنولوجي ظهرت بيئة إعلامية جديدة عُرِفَت بالإعلام الجديد أو الإعلام الرقمي، ولعل أهم ما يميزها التغيرات المتلاحقة، وإتاحة التفاعل بشكل مباشر بين مقدِّم الرسالة الإعلامية والجمهور، حتى أن الجمهور أصبح ضلعًا أساسيًّا في نشر الرسالة ذاتها. ويشمل الإعلام الرقمي المواقع الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي «فيسبوك، تويتر، إنستجرام، يوتيوب، سناب شات، تليجرام، واتس آب...» وغيرها من التطبيقات المتاحة عبر شبكة الإنترنت.

وتوضح المؤشرات السابقة أهمية الإعلام الرقمي التي تزداد يومًا بعد يوم، ولماذا وعت التنظيمات الجهادية مبكرًا لتلك الأهمية، وكيف نجحت بوجه عام في استخدام شبكة الإنترنت لعدة أهداف، حصرت الدراسات المختلفة بعضها فيما يلي:

- الدعاية: حيث حرصت تلك التنظيمات على توظيف الإعلام الرقمي في الدعاية للأيديولوجية السلفية الجهادية، وتبرير العنف الذي تقوم به استنادًا إلى أنه رد فعل، مستخدمةً أسلوب شيطنة العدو.

- الحرب النفسية: ونعني هنا نشر المعلومات المضللة، وبث التهديدات، من خلال نشر بعض الصور المروعة للعمليات الإرهابية، بغرض خلق حالة من الخوف والقلق.

- تجنيد الشباب واستقطابهم من خلال التفاعل مع المستخدمين، والدخول معهم في حوارات، خاصة الشباب.

- التواصل بين عناصر التنظيم: فقد غيّرت شبكة الإنترنت من شكل شبكة العلاقات في التنظيمات الجهادية، فلم تعد تتبع تسلسلًا هرميًّا متدرجًا، بل ساعدت البيئة الرقمية على خلق خلايا عنقودية، تتصل فيما بينها بشكل أفقي.

- استهداف أماكن العمليات الإرهابية، والتخطيط لها، وجمع المعلومات اللازمة بشأن المواقع المستهدفة في عملياتها.

ولعل الاستخدام الأبرز يتمثل في الدعاية والحرب النفسية، بهدف استقطاب أكبر عدد ممكن من المؤيدين، خاصة في ظل التضييق الأمني، وانتشار فيروس كورونا الذي حد من انتقال المقاتلين لأماكن تمركز التنظيمات الجهادية.

تطور استخدام التنظيمات الجهادية للإعلام الرقمي

لقد استغلت التنظيمات الجهادية الإعلام الرقمي في الوصول لجمهورها بشكل محترف، مستخدمة مميزات تلك البيئة الاتصالية الواسعة الملائمة لجمهورها خاصة من الشباب، وذلك بداية من تنظيم «قاعدة الجهاد»، والمعروف إعلاميًّا بتنظيم «القاعدة» ثم تنظيم الدولة الإسلامية «داعش». 


تميّز تنظيم «القاعدة» باستخدام الإعلام التقليدي جنبًا إلى جنب مع الإعلام الرقمي من خلال شاشة قناة الجزيرة التي تبنّت ظهور قادة التنظيم وتصريحاتهم وبياناتهم، ولكن التنظيم كان موجودًا في الوقت ذاته على شبكة الإنترنت عبر عدة مؤسسات إعلامية حرصت على إنتاج المواد المسموعة والمرئية والمكتوبة، من أشهرها: مؤسسة «السحاب»، وقد اختصت ببث المقاطع المصورة لبيانات قيادات التنظيم، مثل: «أسامة بن لادن» و «أيمن الظواهري»، والمقاطع الصوتية والمرئية للمقاتلين في التنظيم أثناء تنفيذهم للعمليات الإرهابية، وتصدر مؤسسة «السحاب» الآن مجلة (أمة واحدة)، والتي جاء إصدارها الأول مع بداية عام 2020، كما اعتمد التنظيم على مؤسسة «الملاحم»، وتعد المجلة الإلكترونية «Inspire» من أشهر إصدارات المؤسسة باللغة الإنجليزية، والتي وجِّهَتْ بشكل أساسي للشباب في بريطانيا وأمريكا، بإجمالي سبعة عشر عددًا، بدءًا من  صيف 2010، وحتى صيف عام 2017.
 
ولم تكن الفرصة متاحة أمام تنظيم «القاعدة» منذ نشأته في نهاية عام 1988 -في حدود الإمكانات المتاحة في عالم الويب- لتحقيق إنجازات على المستوى الإعلامي أبعد من ذلك، في حين تمتع تنظيم «داعش» بحظ أوفر في تزامن نشأته مع ظهور الويب 2.0، فلقد أصبحت الخدمات المتاحة عبر شبكة الإنترنت تُقدِّم البيانات بشكل أكثر تفاعلية بين المستخدمين، بما يتيح مشاركة وتبادل المعلومات، والتعبير عن المشاعر والعواطف.

ففي الفترة التي أصبح فيها تنظيم «القاعدة» تنظيمًا لا مركزيًّا -كما تنبأ «أبو مصعب السوري» مُنَظِّر التنظيم- ومع انتشار خلايا التنظيم، أعلن «أبو مصعب الزرقاوي» مبايعته لـ «أسامة بن لادن»، ليصبح ممثِّل تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين في عام 2004، وهو العام ذاته الذي ظهر فيه مصطلح الويب 2.0 لأول مرة في مؤتمر تطوير الويب بسان فرانسيسكو، وتلاه في عام 2005 إطلاق «اليوتيوب»، ثم ظهور منصتي «فيسبوك» و «تويتر» في عام 2006، وتوالت منصات التواصل الاجتماعي في الظهور، مع حرص كل منصة على أن تكون لها سمة مميزة تجعلها منافسة للآخرين.

وفي عام 2006 تم تشكيل «مجلس شورى المجاهدين في العراق»، لتكون بداية تنظيم الدولة الإسلامية، وبعد مصرع «الزرقاوي» عيِّن «أبو عمر البغدادي»
 
و «أبو حمزة المهاجر» ليصبح التنظيم تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق»، باعتباره تنظيمًا سلفيًّا جهاديًّا يهدف إلى تطبيق الشريعة، وإحياء الخلافة، وليتبنّى التنظيم العديد من العمليات النوعية داخل العراق. وفي العام ذاته أنشِئَت «مؤسسة الفرقان»، ويدل ذلك على مدى اهتمام التنظيم منذ النواة الأولى له بالجانب الإعلامي، وقد تميزت تلك المؤسسة بإنتاج إصدارات كبرى مثل «صليل الصوارم» من أربعة أجزاء، و»فرسان الشهادة» من خمسة أجزاء، و»دولة الإسلام باقية»، وغيرها من الإصدارات.
 
ومع مقتل «أبو عمر البغدادي» في عام 2010، وتسلُّم «أبو بكر البغدادي» قيادة «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق» بدأت منصات جديدة في الظهور مثل: «إنستجرام»، و»بنترست». وبحلول عام 2014 ومع إعلان «البغدادي» الخلافة تحت مسمى «الدولة الإسلامية»، كانت منصات التواصل الاجتماعي في تنامي؛ فقد ظهر موقع «سناب شات» في عام 2011، وتم شراء «إنستجرام» من شركة «فيسبوك» في عام 2012، ثم ظهور «التليجرام» في عام 2013، وظهر آخر منصات التواصل الاجتماعي عام 2016 «تيك توك».
 
ومع هذا الكم الهائل من المنصات التفاعلية على الويب، إضافة إلى المواقع الإلكترونية، أصبحت التربة خصبة أمام تنظيم «داعش» لنشر أفكاره، واستقطاب المناصرين، واستقى التنظيم استراتيجيته القتالية بشكل كبير من كتاب «إدارة التوحش»، ويُقصد بالتوحش حالة الفوضى التي ستوجد في المنطقة بعد أن تتفكك أنظمتها الحاكمة، وبالتالي يجدر بالجماعات الجهادية حسن إدارة مرحلة التوحش، ومنها إدارة الإعلام التي لخّصها الكتاب في فهم السياسة الإعلامية للخصوم، والتعامل معها بحرص لكسب المعركة العسكرية والسياسية، إضافة إلى وصول المواد الإعلامية للتنظيمات الجهادية إلى مستهدفيها، واستقطاب الأخيار من شباب الأمة.
وفي هذا الإطار، أطلق تنظيم الدولة سبعة أذرع إعلامية أساسية بلغات مختلفة، بحيث تصل إلى كل مكان في العالم، وهي: الفرقان، والحياة، والاعتصام، وأجناد، ومكاتب الولايات، وإذاعة البيان. كما اهتم التنظيم بأدوات ومعدات العمل الإعلامي، فحصل على أحدث الأجهزة والكاميرات، وسيارات التصوير الخارجي، وهو الأمر الذي مكّنه من التصوير في المناطق الجبلية بتقنية متقدمة للغاية، تكاد تصل جودتها إلى مستوى الأفلام الأمريكية. أما مكاتب الولايات فقد رصد لها التنظيم نحو ٢٠٠ مليون دولار، وهي بمثابة مكاتب إعلامية تنتج وتوثِّق الأحداث في المناطق التي سيطر عليها التنظيم.
 
كما اهتم التنظيم بالإصدارات المسموعة، مثل: خطب قادة التنظيم، والنشرات الإخبارية، والأناشيد الحماسية التي يتم رفعها على الإنترنت، والاستعانة بمقاطع منها في إنتاج الأفلام المصورة، ووضع اللمسات الأخيرة لها، والاستفادة منها أيضًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث خرج «تنظيم الدولة» من حالة الجمود المقدمة في المواد الإعلامية لتنظيم «القاعدة»، خاصة المرئية منها، والتي اقتصرت في الغالب على الحديث المباشر لقادة التنظيم. ففي ظل تطور الويب ذهب «تنظيم الدولة» إلى آفاق جديدة أتيح له فيها التواصل المباشر مع أنصاره في كل أرجاء المعمورة، وسمحت له معطيات العصر باستقطاب المجندين من مختلف الجنسيات، والخبرات الحياتية والعملية، وهو ما أدى على صعيد آخر إلى إثراء المواد الإعلامية المقدّمة والتي شبهها الكثيرون بأعمال هوليوود، ولقبهم التنظيم بفرسان الإعلام في دلالة واضحة على أن العمل الإعلامي لا يقل في أهميته عن الأعمال القتالية.


ولم يغض التنظيم الطرف عن الإصدارات المكتوبة، بل ذهب أيضًا لإصدار نسخ إلكترونية على مواقعه بصيغة Pdf لمجلات عدة منها: «دابق»، و»الرومية» باللغة الإنجليزية، والنشرة الإخبارية للتنظيم «النبأ» باللغة العربية، وغيرها من الإصدارات باللغات الفرنسية والتركية والروسية. 

ومع تزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، اهتم تنظيم «داعش» باستخدام كل المنصات تقريبًا، مثل: تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، وواتس آب، وإنستجرام، وتليجرام، مع استغلال كل سمة تميز هذه المنصات لصالحه؛ فإنستجرام لا يمثِّل حسابات رسمية للتنظيم بل غلب عليه الطابع غير الرسمي، الذي يصور ويوثِّق من خلاله المقاتلين حياتهم اليومية بعيدًا عن الطابع الوحشي المعروف عن التنظيم، وتم توظيف الفيسبوك في بث أفكار ومصطلحات كالجهاد، والنصر، بمصاحبة الأفلام والصور والمنشورات المكتوبة، وتشير الأرقام في الدراسات الخاصة بـ «تويتر» إلى أن التنظيم استخدم تلك المنصة بغزارة لجمهور الخليج العربي؛ حيث ينتشر استخدامه هناك بشكل عام عن بقية المنصات، وتضيف التحليلات أن متابعي التنظيم على تويتر في بلجيكا وبريطانيا والولايات المتحدة كانوا أكثر من متابعيه في العراق والشام؛ حيث ينتشر الفيسبوك بصورة كبرى. ويظل «التليجرام» تطبيقًا أساسيًّا لتنظيم «داعش» لنشر الدعاية، وتجنيد أعضاء جدد، وجذبهم إلى أيديولوجيته؛ لاعتماده على نموذج أمني مشفر صعب الاختراق إلى حد بعيد.
 
ومع تراجع الدور الإعلامي للتنظيم في نهاية 2017، وسقوط مدينتي الرقة والموصل حيث المراكز الإعلامية الرئيسة، وقيام إدارات تويتر وفيسبوك ويوتيوب بنشاط مكثّف أطاح بالعديد من منابر التنظيم على منصات التواصل الاجتماعي، في إطار وضع استراتيجية إعلامية واضحة الملامح لمكافحة التطرف والإرهاب، خاصة التحريض على العنف العشوائي، لم يتبق من الدعاية الإعلامية للتنظيم سوى المناصرين الذين يقومون بإعادة نشر المحتوى الخاص بالتنظيم سواءً من خلال الإنترنت السطحي أو العميق، فقد انتقلت الحركات الجهادية إلى مرحلة جديدة تعتمد فيها بشكل أساسي على الإعلام الرقمي للتواصل الداخلي بين أعضاء التنظيم، إضافة إلى استخدام المناصرين كمجموعات تشبه دور الإنفلونسرز، أو البلوجرز، أو اليوتيوبرز، ولكن التجارة هنا ليست في السلع، بل في الأفكار الهدامة التي تحصد أرواح البشر.
 
الفكر الجهادي في الإعلام الرقمي

حرصت التنظيمات الجهادية على نشر المبادئ الأيديولوجية للجهادية السلفية، عبر منصات الإعلام الرقمي المختلفة، ومن أبرز تلك النقاط الفكرية:

«الجهاد في سبيل الله فرض عين»، وهنا ركزت إصدارات التنظيمات الجهادية على فكرة أن ترك الجهاد يعد من أعظم الآثام بعد الكفر بالله.

«تكفير الجيوش النظامية للدول ووجوب قتالهم» وذلك انطلاقًا من إحدى أهم الركائز الأيديولوجية للسلفية الجهادية ألا وهي الولاء والبراء، وبالتبعية يتحتم على المناصرين البراء من دول الطواغيت التي لا تحتكم إلى شرع الله ومؤسساتها، والولاء للتنظيم ومبايعة الخليفة.

«تكفير متبعي المذهب الشيعي والعلوي»؛ وتتخذ التنظيمات من هذا المنطلق الأيديولوجي مدخلًا لقتال القوات العراقية والسورية، وغيرها من القوى السياسية التي تتبع المذهب الشيعي. ويختلف «تنظيم قاعدة الجهاد» و»تنظيم الدولة الإسلامية» في هذه النقطة الفكرية؛ حيث يَعدُّ «تنظيم القاعدة» عوام الشيعة مسلمين وليسوا كفارًا، وذلك على العكس من تنظيم «داعش».
 
«العلمانية على اختلاف رايتها كالقومية والوطنية والبعثية... كفر بواح»، حيث تُكفِّر التنظيمات الجهادية كل من يعتنق أيًّا من الأيديولوجيات السياسية المختلفة، وما ينبثق عنها من أفكار اجتماعية واقتصادية، باعتبارها أفكارًا غير معبِّرة عن أحكام الشريعة الإسلامية.
كما تنشر المواد الدعائية المعبِّرة عن السلفية الجهادية ركائز أيديولوجية أخرى، كتكفير اليهود، والنصارى، والحكومات، ومهاجمة رجال الدين، وتحرص على تكريم المقاتلين في صفوفها ومن تَعدُّهم من الشهداء، وتحرص على الدعوة إلى ضرورة الاحتكام إلى شرع الله في منشوراتها المختلفة على منصات الإعلام الرقمي.
 
الأساليب الدعائية للتنظيمات الجهادية في الإعلام الرقمي

حرصت التنظيمات الجهادية على التنويع بين الإصدارات في الشكل والمضمون والجمهور المستهدف، ما بين مرئي ومسموع ونصي، وبين الجمهور العربي والغربي وجمهور الدول الآسيوية، إلا أن الأساليب الدعائية المستخدمة في المواد الإعلامية المقدّمة ظلّت على الوتيرة نفسها تنحسر بين خمسة أساليب، تنخفض نبرة إحداها وترتفع الأخرى تبعًا للجمهور المستهدف، وحسب القالب المستخدم في تقديم المادة الإعلامية والغرض منها، إلا أن الأساس ظل منحسرًا بين:

أسلوب الإنهاك Attrition: وفيه تسعى التنظيمات الجهادية إلى إقناع عدوها بأن لديها المقدرة على تسديد ضربات تكبده خسائر مادية ونفسية وبشرية، إذا ما استمر في تطبيق سياساته نحوها، مثل: تقديم المواد الدعائية التي تدعو لاستهداف الكنائس والميادين والأماكن العامة؛ بهدف الضغط على حكومات الدول وشعوبها للتخلِّي عن سياساتها وآرائها الرافضة للإرهاب.
 
أسلوب التخويف والتهويل Intimidation: ويهدف هذا الأسلوب إلى استعراض القوة العسكرية وأنواع المعدات، والبرهنة على قوة التنظيم، في مقابل ضعف الحكومات. وتستخدم التنظيمات الإرهابية هذا الأسلوب بهدف إقناع الرأي العام بأنها تتمتع بالقوة الكافية لمعاقبة من يعصي أوامرها، وتصوير الحكومات على أنها غير قادرة على حماية أفراد الشعب، وبالتالي فالغلبة للجماعات الإرهابية لما سوف تفرضه على الجميع بالقوة.

أسلوب إشعال الفتيل أو الاستفزاز: وترنو هذه الاستراتيجية إلى إقناع عامة الشعب بأن الهجوم على الجماعات الإرهابية واستهدافها من قبيل الأفعال الوحشية التي تقوم بها الحكومات والأنظمة تجاه المدنيين العزَّل، فهي مرادف لاستراتيجية «نخز العدو» عن طريق استغلال استجابة أو رد فعل غير ملائم للحكومات، وتحويلها إلى أداة لاصطفاف الجموع مع الإرهابيين.
وقف السلام Spoiling: صمِّمت تلك الاستراتيجية لتأكيد ضرورة الخروج عن محاولات التسويات السلمية، والحث على الجهاد، والاستمرار في العنف؛ للبرهنة على ضعف المسلمين المعتدلين أو الوسطيين، وغالبًا ما يتم استخدامها عندما يكون الهدف النهائي هو التغيير الإقليمي.

أسلوب المنافسة Outbidding: وتنشأ هذه الاستراتيجية عند وجود قطبين يتنافسان على القيادة، ويكون عموم الشعب غير متأكد من أفضلية أحدهما في تحقيق مصالحه، ويمكن القول بأن هذه الاستراتيجية ستكون غير فاعلة إذا كان لدى المواطنين معلومات كاملة عن تفضيلات المتنافسين. وتحرص الأطراف المتنافسة على الظهور بشكل أكثر تسلحًا، بما يعطي انطباعًا بأنها أكثر نضالًا وحماية للجموع، وبالتالي أكثر جاذبية لعموم الناس، وهو ما يمثله بوضوح الوضع في سوريا مع وجود فصائل جهادية متعددة.

كورونا وأداء التنظيمات الجهادية في الإعلام الرقمي

لا توجد مؤشرات حتى الآن على أن الجماعات السلفية الجهادية فقدت دعمها وحماسها، خاصة أن هناك ارتفاعًا كبيرًا في النشاط الجهادي في بعض الأماكن، بما في ذلك العراق وسوريا، وعدد من الدول الإفريقية، وبالتالي يجب على المجتمع الدولي أن يحرص على استمرار جهود مكافحة الإرهاب؛ تحسبًا للتغير النوعي في العمليات الإرهابية، فعلى الرغم من أن القيود المفروضة على السفر لا تزال توفر فرصًا لتعقب الجماعات الإرهابية، فإن الدراسات التحليلية تشير إلى أن القادة الجهاديين يكيفون استراتيجياتهم وتكتيكاتهم مع القيود التشغيلية التي فرضها عليهم فيروس كورونا، فالتنظيمات الجهادية شبكات رشيقة معتادة على القيود والمصاعب، وتتمتع بالصبر. 
 
لقد حدّ فيروس كورونا من الوجود الجسدي للمجندين في التنظيمات الجهادية، الذين يتوافدون من دول العالم على منطقة الشرق الأوسط. ولكن يُسهم الإعلام الرقمي في استمرارية الدعوة للفكر الجهادي، بل ويمكن له أن يقوم بدور سلبي في انتشار العمليات الإرهابية الفردية «Lone Wolf»، خاصة أن النظرة المبدئية التحليلية للإصدارات الحالية لتنظيم الدولة الإسلامية -على سبيل المثال في فترة كورونا- تكشف عن نغمة الحديث عن إظهار القوة بشكل مبالغ فيه، إضافة إلى التركيز على فكرة أن الفيروس قد أضعف من قوى الدول الكبرى، بما يتيح الفرصة أمام الخلافة للجهاد والتوسع، بالإضافة إلى ظهور تنافس في استخدام التطبيقات الإلكترونية بين تنظيمي «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» لنشر سلاسل من المحاضرات، وتبادل الاتهامات بين منظري وشيوخ التنظيمين.
 
وختامًا، يمكن القول: إن القيود الأمنية التي تم وضعها على الفكر الدعائي للتنظيمات الإرهابية بمختلف أيديولوجياتها في الإعلام الرقمي تعد سلاحًا ذا حدين؛ فحجب الفكر كان ولا يزال ضروريًّا للحد من انتشار العنف والأفكار المتطرفة، إلا أن غياب الفكر عن السطح يقلل من فرص تفنيد عناصره  أولًا بأول على المستوى الأكاديمي، وهو ما يتطلب إنشاء مواقع عربية أكاديمية متخصصة لجمع المواد الإعلامية المعبِّرة عن الأفكار المتطرفة، والعمل على تحليلها، ووضع آليات دعائية مضادة لها، من خلال المؤسسات المعنية وفي إطار استراتيجية موضوعة بشكل مسبق.
google-playkhamsatmostaqltradent