البلاك فرايدي في ظل جائحة كورونا
أسبوع التسوق العالمي، أو ما يطلق عليه «البلاك فرايدي»، الذي يشهد أكبر إقبال عالمي على التسوق، حيث يتسابق المواطنون حول العالم خلاله في الإقبال على المحال التجارية للشراء بأسعار مخفضة، باعتباره فترة للتخفيضات الكبيرة، إلا أن جائحة كورونا الأولى في مارس 2020 كانت لها تداعيات على المتاجر الفعلية، حيث فضل المستهلكون التسوق عبر الإنترنت على النزول للأسواق الفعلية. وفي ظل المجيء الثاني لـ«البلاك فرايدي» مع استمرار جائحة كورونا هذا العام 2021، يقف العالم في ترقب بشأن تأثير هذه الجائحة على أسواق التجزئة. وتعرض هذه الورقة نظرة على الأسواق العالمية وتوجهات المستهلكين والتجار في «البلاك فرايدي» الأولى والثانية في ظل جائحة كورونا، بالإضافة إلى إطلالة على الوضع المصري وتطوره.
ما هو «البلاك فرايدي»؟
يرجع مصطلح «البلاك فرايدي» Black Friday إلى الثمانينيات، حيث ارتبط بيوم الشكر في الولايات المتحدة، ووصفته الشرطة الأمريكية -في إطار الازدحام المروري- بأنه أكثر الأيام ازدحامًا في العام؛ حيث يشهد أكبر خصومات للأسواق على مدار العام.
وقد زحف هذا النمط من التسوق حديثًا إلى الدول النامية، خاصةً في ظل تنامي التوجه نحو التجارة الإلكترونية، وتعد أسواق الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأوروبا أكبر الأسواق اهتمامًا بهذا اليوم، حيث يُقدر أن المبيعات تزيد بنسبة 167% في أسبوع «البلاك فرايدي» مقارنةً بالأسابيع الأخرى من العام.
هل تؤثر جائحة كورونا على تجارة التجزئة في «البلاك فرايدي»؟
أثرت جائحة كورونا التي اجتاحت العالم اعتبارًا من أبريل 2020 على أسواق التجزئة، وعطلت موسم التسوق لعام 2020، وتشير توقعات التسوق العالمية في «البلاك فرايدي» لعام 2021 إلى عودة المستهلكين إلى المتاجر الفعلية، إلا أن هناك توجسًا من جراء الوباء، مع توقع بانخفاض المبيعات بنسبة 28% مقارنةً بمستويات عام 2019، لتبلغ 8.9 مليارات دولار مع ارتفاع أسعار المنتجات، في ظل وجود مشاكل في عمليات الشحن وعدم كفاءة عمل سلاسل التوريد.
تأثير جائحة كورونا وتجارة التجزئة في العالم:
أثرت جائحة كورونا على قطاع التجزئة وسلوكيات الفاعلين به، فقد تزايد اعتماد كثير من المستهلكين على التسويق الإلكتروني، حيث إن 23% من المستهلكين الفرنسيين في الفئة العمرية (16 – 64) أصبحوا أكثر تفضيلاً للشراء عبر الإنترنت في مقابل تقليل زياراتهم للمتاجر، كما أظهرت الجائحة تحولاً في سياسات العديد من تجار التجزئة نحو مزيد من الخصوصية وتطوير المنظومة الإلكترونية، كما أجرت الكثير من الشركات الكبرى العديدَ من التعديلات لإمكانية رجوع موظفيها إلى مكاتبهم، كأمازون وغيرها؛ مما ضاعف من القيمة السوقية لمتاجرها واستثماراتها.
وبالإضافة إلى ذلك، نمت حركة التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية، حيث يتوقع أن يبلغ حجم التجارة الإلكترونية 28.5 مليار دولار بحلول عام 2022، وذلك مع دخول عدد كبير من المستهلكين إلى مواقع التجارة الإلكترونية.
وقد تأثرت سلاسل التوريد العالمية من جراء جائحة كورونا، حيث أغلقت العديد من المصانع نتيجة لنقص مدخلات الإنتاج، أو عجز في العمالة، أو ارتفاع أسعار الشحن، مع ازدحام الموانئ والتأخيرات، لينخفض حجم التجارة البحرية العالمية بنسبة 3.8% في عام 2020، إلا أنه يتوقع تحسنها بنسبة 4.3% في عام 2021.
وعلى المستوى الدولي، فإن قطاع الأثاث والمفروشات المنزلية هو أكثر القطاعات نموًا في ظل جائحة كورونا، حيث زادت المبيعات به بنسبة 11% في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
تأثير جائحة كورونا على أسواق التجزئة في مصر:
وفي مصر، التزمت أسواق التجزئة في 2020 بشعار "خليك في بيتك"، ليحافظ قطاع الجملة والتجزئة خلال الجائحة على نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت 3% خلال الفترة (أبريل – يونيو 2019/ 2020)، وذلك يعزى إلى اعتماد المستهلكين على التجارة الإلكترونية كبديل للأسواق الفعلية، مع القيام بعمليات الشراء عبر المنصات الرقمية وتطبيقات الهواتف المحمولة، وما ترتب على ذلك من زيادة الطلب على عمال التوصيل للمنازل، وقد انعكس ذلك على ارتفاع نسبة الشراء الإلكتروني، حيث إن 50% من مستخدمي الإنترنت في مصر يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن العلامات التجارية، وهو ما ظهر جليًا في نمو قطاع الاتصالات، الذي أسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 16% خلال الفترة (أبريل – يونيو 2020/ 2021) مقارنةً بنمو بلغ 13% خلال الفترة ذاتها من عام 2019/ 2020، والتي شهدت ذروة الجائحة.
وختامًا، فإن جائحة كورونا قد أظهرت أن المجتمعات التي لديها المرونة الكافية في تسريع التحول الرقمي، وإيجاد بدائل لمواجهة الأزمات تستطيع أن تحقق مكاسب اقتصادية وتوازنًا اجتماعيًا لمواطنيها.