recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

قضية اللاجئين حول العالم: أزمة متجددة

 


قضية اللاجئين حول العالم: أزمة متجددة


 























عادت قضية اللاجئين لتتصدر مسرح الأحداث على الصعيد العالمي مؤخرًا في ظل المعاناة التي يشهدها اللاجئون على الحدود البيلاروسية الأوروبية، واحتدام النزاع في تيجراي بإثيوبيا، وفرار آلاف المواطنين الأفغان من حكم حركة طالبان، بالإضافة إلى استمرار أزمة اللاجئين السوريين، وأزمة لاجئي هايتي على الحدود الأمريكية.


يسلط هذا المقال الضوء على مفهوم اللجوء وأسبابه وأنواعه، بالإضافة إلى بعض المفاهيم ذات الصلة، ولعل أبرزها: النزوح، والهجرة وإعادة التوطين، واللجوء البيئي. ويعرض العدد جُملة من الأرقام والحقائق بشأن أزمة اللاجئين حول العالم، ويلقي الضوء على دور المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الاستجابة للأزمة، وسياسات التعامل الدولي مع أزمة اللاجئين، والتعريف بيوم اللاجئين العالمي.


 كما يتطرَّق المقال إلى أبرز أزمات اللجوء العالمية في الوقت الراهن، لا سيَّما أزمة طالبي اللجوء والمهاجرين بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، وأزمة اللاجئين بسبب الصراع في منطقة تيجراي بإثيوبيا، علاوةً على أزمة لاجئي هايتي، واللاجئين الأفغان والسوريين، مع إيلاء اهتمام خاص لأوضاع اللاجئين في مصر، والذين يعاملون على قدم المساواة مع المواطنين المصريين في العديد من القطاعات الحيوية.

 




مفهوم اللجوء





الأساس القانوني لمفهوم اللجوء واللاجئين

تعد اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والبروتوكول الخاص بها لعام 1967، الوثيقتين القانونيتين الأساسيتين اللتين تشكلان جوهر حماية اللاجئين، وأساس عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويتمثل مبدأهما الأساسي في "عدم الإعادة القسرية"، والذي يؤكد أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدًا خطيرًا لحياته أو حريته، ويعتبر ذلك الآن قاعدة من قواعد القانون الدولي.

 


أسباب اللجوء 

تتعدد الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى طلب اللجوء:






أنواع اللجوء





1-اللاجئ والمهاجر





2- النزوح Displacement 

ترجع ظاهرة النزوح الداخلي (Internal Displacement) إلى وقوع صراعات مسلحة، أو كوارث طبيعية، الأمر الذي يدفع السكان إلى النزوح داخليًا من أماكن إقامتهم المعتادة إلى أماكن أخرى، داخل بلدهم؛ بحثًا عن الأمان. 

 




وبحسب تعريف القانون الدولي، فإن النازحين داخليًا هم "الأشخاص الذين اضطروا إلى الهرب أو ترك ديارهم نتيجة الصراعات المسلحة، أو ممارسة العنف وانتهاكات حقوق الإنسان ضدهم، أو نتيجة لوقوع كوارث طبيعية". 

 



 

وتجدُر الإشارة إلى أنه وفقًا للتقرير العالمي لمركز رصد النزوح الداخلي 2021 internal displacement monitoring center IDMC، فإن إجمالي عدد الأشخاص الذين يعانون من النزوح الداخلي على مستوى العالم بلغ نحو 55 مليون شخص، بنهاية عام 2020. وخلال عام 2020 فقط بلغ عدد حالات النزوح نحو 40,5 مليون شخص، في حوالي 149 دولة حول العالم، وجاءت على رأس أسباب النزوح الداخلي، الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي، فضلًا عن العنف والصراعات المسلحة. 


وبحسب التقرير، فقد سُجلت معظم حالات النزوح الجديدة الناجمة عن الصراعات والعنف أو الكوارث الطبيعية خلال عام 2020 في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث استحوذت هذه المناطق على نحو 13,5 مليون نازح داخلي من إجمالي عدد النازحين في جميع أنحاء العالم خلال عام 2020. 

 





 



3- اللاجئ البيئي Environmental Refugee    




وتعتمد ظاهرة اللجوء البيئي على مدى تفاعل اللاجئ البيئي مع العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، التي تؤثر على قراره بضرورة التحرك والانتقال. هذا التفاعل هو ما ينتج عنه شكل اللجوء البيئي والذي قد يكون قسري أو طوعي، مؤقت أو دائم، فردي أو جماعي، نزوح أم لجوء، وغير ذلك. 

 


4- إعادة التوطين  Resettlement 

 



 

هذا، وتعد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي المنوطة بشكل رئيس بموجب نظامها الأساسي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمسؤولية "إعادة التوطين"؛  حيث تحدد المفوضية المعايير المحددة والصارمة للأشخاص أو مجموعات اللاجئين المؤهلة لعملية "إعادة التوطين"، وتتمثل أبرز هذه المعايير في التالي: 

 




ومن هنا، تعتمد فرص إعادة التوطين على من يتم الاعتراف بهم كلاجئين من قِبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR ، وعلى توافر فرص لاستقبال اللاجئين لدى الدول المستعدة لإعادة توطينهم لديها؛ حيث تُتيح الدول المضيفة عددًا محدودًا جدًا من فرص إعادة التوطين في كل عام، إذ يتم إعادة توطين أقل من 1٪ فقط من كل اللاجئين حول العالم كل عام. 

















1- أزمة طالبي اللجوء بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي 

في إطار العلاقات المتوترة بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي على خلفية العقوبات التي فرضتها بروكسل على نظام زعيم بيلاروسيا "ألكسندر لوكاشينكو" خلال الفترة الماضية، تعمل بيلاروسيا على استغلال طالبي اللجوء الموجودين على أراضيها، والقادمين من دول الشرق الأوسط، وخاصة العراق كأداة للضغط على الاتحاد الأوروبي. فمنذ يوليو 2021، أرسلت مينسك الآلاف منهم إلى حدودها المشتركة مع ليتوانيا ولاتفيا وبولندا.

 




أسباب الأزمة:


يشير المراقبون إلى لجوء بيلاروسيا إلى خلق أزمة على الحدود الأوروبية للرد على العقوبات الأوروبية التي تم فرضها عليها للمرة الرابعة خلال الشهور الماضية؛ بهدف الضغط على الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنها أو تخفيفها، واللجوء إلى الحوار.  


وكانت بروكسل قد فرضت عقوبات على مينسك بسبب ادعاءات تتعلق بوقوع انتهاكات حقوقية من قِبل نظام الرئيس البيلاروسي "لوكاشينكو" ضد المجتمع المدني لردع الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها بيلاروسيا اعتراضًا على اتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية في عام 2020، فضلًا عن إجبار طائرة تقل مواطنين أوروبيين على الهبوط في مينسك، في مايو 2021 ؛ بهدف إلقاء القبض على المعارض البيلاروسي "رومان بروتاسيفيتش" الذي كان مسافرًا على متنها.  


كما تأتي هذه الأزمة في سياق حرب بالوكالة تتزايد حدتها بين روسيا من ناحية، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى، على خلفية التصعيد المتزايد بين الجانبيْن، الذي تتجلّى مظاهره في الحشد العسكري الروسي المتنامي على حدود أوكرانيا، والمناورات المشتركة التي جرت مؤخرًا بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في منطقة البحر الأسود بالقرب من الحدود الروسية، وقيام أوكرانيا بإطلاق طائرات تركية مسيرة في منطقة دونباس، التي تتمتع بحماية روسيا منذ إعلانها الانفصال من جانب واحد عن أوكرانيا في عام 2014.  



اضغط لمشاهدة الفيديو


مسارات الأزمة:


تأتي الأزمة الأخيرة للمهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود البيلاروسية الأوروبية في ظل ما أُطلق عليه "حروب المهاجرين" Migrants Wars؛ إذ لم تكن المرة الأولى التي تلجأ فيها بعض الدول لاستغلال الظروف الإنسانية وتوظيف أزمة تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين واستخدامها كسلاح لتحقيق أهدافها weaponized migrant flows، فقد قامت تركيا بمحاولات مماثلة لابتزاز الاتحاد الأوروبي في عام 2016؛ حيث طلبت من بروكسل تقديم حزمة مساعدات بقيمة 3,3 مليارات دولار مقابل وقف تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا، والتفاوض مجددًا بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. 


ومع ذلك، يرى المراقبون صعوبة نجاح بيلاروسيا في تحقيق مآربها المتمثلة في دفع الاتحاد الأوروبي لتبنِّي موقف موحد تجاه مينسك، كما حدث مع تركيا، لا سيَّما أن ألمانيا لن تكون قادرة هذه المرة على دفع دول الاتحاد لتبنِّي موقف داعم لبيلاروسيا كما فعلت مع تركيا من قبل، وذلك حتى تتولى الحكومة الائتلافية التي ستخلف حكومة المستشارة "أنجيلا ميركل" مقاليد الحكم ، ومن جهة أخرى، هناك مجموعة من الدول وعلى رأسها بولندا، التي تنظر إلى أزمة اللجوء كأزمة سياسية و"إرهاب دولة" تمارسه بيلاروسيا ضدها، مما يستدعي استخدام القوة لمواجهتها. 





ومن ثمَّ تشير التوقعات إلى استبعاد تقديم تنازلات من جانب دول الاتحاد الأوروبي، خوفًا من استغلال ورقة المهاجرين واللاجئين مجددًا ضد الاتحاد الأوروبي، إلى جانب احتمالية فرض المزيد من العقوبات؛ حيث لوَّحت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" بإمكانية فرض عقوبات على الدول المالكة لشركات الطيران التي تنقل المهاجرين واللاجئين إلى بيلاروسيا؛ بسبب مساهمتهم فيما اعتبرته "إتجارًا بالبشر" .

 


2- اللاجئون بسبب الصراع في منطقة تيجراي بإثيوبيا 

في مطلع نوفمبر 2021، أصدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان -وهيئة تابعة للحكومة الإثيوبية- تقريرًا مطولًا يغطي الفترة من نوفمبر 2020، حتى يناير 2021، اتهم الأطراف كافة المنخرطة في الحرب بممارسة انتهاكات حقوقية ترقى إلى جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية.  وقد وثَّق التقرير كيف أُجبر آلاف المدنيين على الفرار، واستهداف مواطني تيجراي بالقتل والاغتصاب وسلب الممتلكات، مما أفضى إلى تدفُّق موجات من اللاجئين الإثيوبيين إلى السودان. 





السودان: وجهة اللاجئين الإثيوبيين


يعد السودان الوجهة الأولى للفارين من الحرب في تيجراي، وبحسب أحدث تقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في سبتمبر 2021، فرَّ نحو 55 ألف  إثيوبي من إقليم تيجراي إلى السودان، وتوجَّه نحو 48 ألفًا منهم إلى ولايتي كسلا والقضارف الحدوديتيْن. 


وهناك تقديرات تشير إلى أن إجمالي أعداد  الإثيوبيين الفارين من الحرب بتيجراي إلى السودان تُقدَّر بنحو 60 ألف طالب لاجئ إثيوبي في الولايات الواقعة على الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا، ومن ثمَّ يمكن القول إن الأعداد المعلنة حتى الآن تتراوح ما بين 50 إلى 60 ألف شخص إلى السودان، الأمر الذي يُثقل كاهل السودان بمزيد من الأعباء؛ إذ يستضيف السودان نحو 1.1 مليون لاجئ، فضلًا عن ما يزيد على 3 ملايين سوداني نازحين داخليًا. 


هذا، وعلاوةً على موجات اللاجئين الإثيوبيين من إقليم تيجراي، هناك ملايين من النازحين داخليًا إثر اندلاع الحرب بالإقليم، والذين تُقدَّر أعدادهم بنحو 2.1 مليون نازح من إقليم تيجراي، و250 ألف نازح من إقليم أمهرا، و112 ألف نازح من إقليم عفر، وذلك على خلفية انتقال مسرح العمليات العسكرية للأقاليم المجاورة لإقليم تيجراي. 





اللاجئون الإريتريون مستهدفون في تيجراي


ويوجد بإقليم تيجراي مجموعات من اللاجئين مناريتريا، وقد قُدِّرت أعدادهم بنحو 100 ألف لاجئ من إجمالي أعداد اللاجئين الإريتريين في إثيوبيا، والذين تبلغ أعدادهم حوالي 174 ألف لاجئ. 


وفي هذا الصدد، أشارت نتائج استطلاع رأي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، في 4 نوفمبر 2021، إلى ارتفاع معدلات استهداف وتعذيب اللاجئين الإريتريين في تيجراي؛ إذ أفاد 46% من المبحوثين بتعرُّضهم للتعذيب. 

 


اضغط لمشاهدة الفيديو


3-  أزمة اللاجئين الأفغان بعد سيطرة طالبان على السلطة

تعاني أفغانستان من أزمة إنسانية منذ ما يزيد على 4 عقود؛ نتيجة للكوارث الطبيعية المتلاحقة، والفقر المزمن، وانعدام الأمن الغذائي، وتجدُّد الصراعات واستمرارها، فضلًا عن جائحة كورونا العالمية التي خلَّفت تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية سلبية لم تسلم منها البلاد، مما أسهم إجمالًا في أزمة نزوح كبرى؛ فمن بين سكان أفغانستان البالغ عددهم حوالي 40 مليونًا، نزح نحو 3,5 ملايين أفغاني داخليًا في مناطق متفرقة من البلاد، بحثًا عن ملاذ آمن،  ما يزيد على نصف مليون منهم خلال العام الجاري فقط، معظمهم (80%) من النساء والأطفال، بالتزامن مع موجة العنف التي شهدتها كابول مؤخرًا، والتي انتهت بسقوط البلاد في أيدي حركة طالبان. 


 



هذا، وتشير التقديرات إلى أن اللاجئين الأفغان يُمثلون حاليًا أحد أكبر جموع اللاجئين على مستوى العالم؛ حيث يوجد 2,6 مليون لاجئ أفغاني مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول العالم، 90% منهم (2,2 مليون أفغاني) في إيران وباكستان، وهي أعداد مُرشَّحة للزيادة. 


وتثور مخاوف بشأن قدرة الأسر الأفغانية على الصمود والتكيف مع الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تتعرض لها، مما يتطلب سرعة تقديم الدعم ومواد الإغاثة الأساسية للفئات الأكثر ضعفًا داخل أفغانستان؛ لتفادي نشوء موجات نزوح ولجوء جديدة. 


ولا تزال المفوضية في أفغانستان تعاني من نقصٍ في تمويل أنشطتها لدعم المواطنين الأفغان داخل البلاد وخارجها؛  فوفقًا لأحدث التقديرات المتاحة، تحتاج المفوضية إلى نحو 20,44 مليون دولار للوصول إلى التمويل المطلوب، والبالغ 142 مليون دولار. 

 


4-  اللاجئون السوريون

تُعد أزمة اللاجئين السوريين الأكبر من نوعها على الصعيد العالمي في السنوات الأخيرة، والتي تؤول بصفة رئيسة إلى الصراع الذي اندلع في سوريا عام 2011، مما دفع ملايين السوريين للفرار من البلاد بحثًا عن ملاذ آمن، وطلب اللجوء في أكثر من 130 دولة حول العالم، ولكن الغالبية العظمى منهم يعيشون في دول مجاورة من بينها مصر. 

 





أزمة التمويل:


فيما يخص تمويل اللاجئين السوريين، تعهدت الخطة الإقليمية للاجئين وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات (3RP) لعام 2021 -التي تقودها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالشراكة مع 270 كيانًا ومؤسسة أخرى- بدعم أكثر من 10 ملايين شخص، بما في ذلك 5,5 ملايين لاجئ سوري، و4,8 ملايين من مواطني الدول التي تستضيف هؤلاء اللاجئين وتعاني وطأة تردي الأوضاع الاقتصادية، ويُعد هذا الرقم الأكبر من نوعه منذ بداية الأزمة السورية. 


وأشارت تقديرات منظمة اليونيسف لعام 2021، إلى أنها بحاجة إلى 972,8 مليون دولار للاستجابة للاحتياجات العاجلة للاجئين السوريين، لا سيَّما ما يتعلق بتوفير خدمات التعليم، والمياه، والصرف الصحي، هذا فضلًا عن الخدمات الصحية في ضوء تفاقم معاناة اللاجئين إثر تفشي جائحة كورونا. 


5-  أزمة طالبي اللجوء بين فرنسا وبريطانيا

تصاعدت حدّة التوترات بين الطرفين في أعقاب غرق زورق لطالبي اللجوء في قناة المانش التي تفصل بين البلدين، في 24 نوفمبر 2021، مما أسفر عن غرق ما لا يقل عن 27 شخصًا، ما تسبب في تراشق الاتهامات، وتوتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ حيث انتقد رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" طريقة تعامل باريس مع الموقف مؤكدًا أن الجهود الفرنسية لم تكن كافية لوقف تدفق اللاجئين، وأنه يتعيَّن على فرنسا الالتزام بإعادة جميع طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى بريطانيا، الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الذي انتقد طريقة "جونسون" في التعامل مع الأمور.

 

وفي هذا الإطار، رفض المسؤولون الفرنسيون اقتراح "جونسون" بإعادة طالبي اللجوء بصورة قاطعة، لافتين الانتباه إلى أنه يستغل الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية، كما أعلن وزير الداخلية الفرنسي "جيرالد دارمانان" أن نظيرته البريطانية "بريتي باتيل" لم تعد مدعوة لحضور اجتماع استضافته فرنسا في بلدة كاليه، في 29 نوفمبر 2021، بشأن الأزمة مع الوزراء المسؤولين عن الهجرة من بلجيكا وهولندا وألمانيا والمفوضية الأوروبية.





وفيما يخص احتمالية إعادة اللاجئين، فإن القانون الدولي ينص على أنه يحق للأشخاص طلب اللجوء لأي بلد يصلون إليه، ولا يتعيَّن عليهم طلب اللجوء في أول بلد آمن تطأه أقدامهم، وعلى النقيض، تنص لائحة  "اتفاقية دبلن" على أنه يتعيَّن على طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي طلب اللجوء في أول دولة يدخلونها، وإعادة طالبي اللجوء إلى الدولة العضو في الكتلة التي ثبت دخول اللاجئين إليها أولًا، وبموجب تلك الاتفاقية أعادت بريطانيا  231 مهاجرًا عبروا القناة في الفترة بين يناير 2019، و 1 أكتوبر ٢٠٢٠ إلى أوروبا، ولكن بموجب البريكست لم يعد لبريطانيا الحق في استخدام هذه الاتفاقية، وفي هذا الإطار، صرَّح وزير الهجرة البريطاني "توم برسغلاف"  لنواب مجلس العموم، في 17نوفمبر 2021، بأنه تمّت إعادة خمسة أشخاص فقط إلى أوروبا خلال العام الجاري 2021. 

 


اضغط لمشاهدة الفيديو


وتثير الأزمة الراهنة المخاوف من احتمالية إلغاء معاهدة "لوتوكيه" التي وقَّعتها فرنسا مع المملكة المتحدة عام 2003، والتي تنص على قيام مسؤولي الحدود في السلطات القضائية من البلدين بالتحقق من جوازات سفر طالبي اللجوء قبل عبورهم القناة إلى بريطانيا، بما يفضي إلى تقليص أعدادهم؛ نظرًا لأنه تتم إعادة البعض قبل وصولهم إلى الأراضي البريطانية وطلب اللجوء بموجب القانون الدولي، ويرى الخبراء أن إلغاء المعاهدة ينطوي على مخاطر أكبر لبريطانيا مقارنة بفرنسا. 




 


وفي هذا الإطار، تقدَّم خلال العام الماضي 2020، أكثر من 36000 شخص بطلب لجوء إلى بريطانيا، وحصل 10 آلاف منهم على وضع لاجئ أو غيره من أشكال الحماية، ليمثِّل بذلك أعلى نسبة لطلبات اللجوء في المملكة المتحدة منذ عام 2004. 


هذا، وقد أشار تقرير نشره مجلس اللاجئين (منظمة مقرها المملكة المتحدة تعمل على دعم طالبي اللجوء والمهاجرين) في وقت سابق من شهر نوفمبر 2021، إلى أن 91% من الأشخاص الذين عبروا القنال الإنجليزي بين يناير 2020، ومايو 2021، جاءوا من عشر دول فقط، ويغلب على تلك الدول انتهاك حقوق الإنسان وشيوع الاضطهاد. 

 




اضغط لمشاهدة الفيديو


6-  أزمة اللاجئين في هايتي           

تُعد هايتي منطقة كوارث طبيعية منذ عام 1994، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين إلى طلب اللجوء إلى الخارج؛ بحثًا عن مناطق أكثر أمانًا واستقرارًا ، وذلك لما سببته التغيرات المناخية من أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد، أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي الحاد، فضلًا عن انتشار أعمال العنف، وانعدام الأمن. 





وفي هذا الإطار، بدأت بعض الدول في اتخاذ بعض الإجراءات لإيقاف تدفق طالبي اللجوء من هايتي إلى أراضيها، ومنها جمهورية الدومنيكان التي أصدرت قرارًا في عام 2013 خاص بتعديل قوانين الجنسية، بما يحرم طالبي اللجوء من هايتي من الحق في إصدار وثائق الهوية، وبالتالي أصبحوا عديمي الجنسية، ومازال هناك عدد منهم يُعانون من أزمة انعدام الجنسية حتى بعد محاولة تخفيف القيود من خلال مشروع قانون عام  2014، فضلًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي احتجزت طالبي اللجوء من هايتي على الحدود بينها وبين المكسيك لمنع دخولهم إلى البلاد في سبتمبر 2021.

 


اضغط لمشاهدة الفيديو



1 - سياسات دمج اللاجئين: حالة ألمانيا

وفقًا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في مارس 2021، تحتل ألمانيا المرتبة الخامسة في قائمة الدول التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين على مستوى العالم؛ إذ تبلغ أعداد اللاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا نحو 1,14 مليون لاجئ. وفي عام 2020، كانت ألمانيا ثاني أكبر دولة قدَّمت دعمًا ماليًا للمفوضية. 


وخلال العام الجاري، وصلت طلبات اللجوء التي استقبلتها ألمانيا  حوالي 131,732 طلب لجوء، وتُصدِّر كلٌ من سوريا، وأفغانستان، وإريتريا، والعراق، وإيران النسبة الكبرى من اللاجئين إلى ألمانيا.

 




ولعل النسبة الكبرى من طلبات اللجوء لألمانيا تأتي من سوريا؛ إذ استقبلت ألمانيا خلال العام الجاري 2021 نحو 36,108 لاجئًا سوريًا، وتحتل أفغانستان المرتبة الثانية في قائمة الدول المُصدِّرة للاجئين إلى ألمانيا بتعداد بلغ 12,505 طلب لجوء من مواطنين أفغان.

 




ووفقًا للتقرير نصف السنوي الصادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2020، يبلغ العدد الفعلي للاجئين السوريين في ألمانيا نحو 562,168 لاجئًا سوريًا، ونحو 133,370 لاجئًا من أفغانستان، وحوالي 131,935 لاجئًا عراقيًا.

 


خطة العمل الوطنية للاندماج:


أطلقت الحكومة الألمانية خطة العمل الوطنية في عام 2018؛ وتهدف إلى بلورة خريطة طريق للاندماج، وتعاون في إعداد هذه الخطة نحو 300 من الفاعلين وأصحاب المصلحة (stakeholders) الذين يمثِّلون مختلف الولايات والمدن الألمانية، فضلًا عن حوالي 75 منظمة من المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين والمهاجرين. ولعل أبرز محاور هذه الخطة:

 




 وتجدر الإشارة إلى أن دخول هذه الأهداف حيز التنفيذ الفعلي ساهم في دمج اللاجئين والمهاجرين إلى ألمانيا، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى استطلاع رأي أجراه "معهد سياسات الهجرة" (Migration Policy Institute) في عام 2019، وقد أظهر أنه خلال السنوات الخمس الأولى من وصول المهاجرين واللاجئين لألمانيا، حصل 55% من اللاجئين، ونحو 82% من المهاجرين على فرص عمل. هذا فضلًا عن ارتفاع أعداد النواب من أصول مهاجرة في البرلمان الأخير في سابقة من نوعها؛ إذ شهد البرلمان الألماني الجديد لأول مرة وجود 83 نائبًا من أصول مهاجرة.


تجربة مجالس الاندماج في ألمانيا:  

هي مجالس تُمثِّل اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين على مستوى البلديات، ويتم انتخابها من قبلهم في يوم انتخابات المجالس البلدية كل خمس سنوات.

 

وتعمل مجالس الاندماج على تمثيل مصالح اللاجئين والمهاجرين داخل المجالس البلدية، وتضطلع بدور مهم في بلورة استراتيجيات المجالس البلدية تجاههم من خلال تقديم الاستشارات والاقتراحات لإدارة هذه المجالس، كما تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التعايش بين مختلف المكونات الثقافية والاجتماعية في المجتمع الألماني.

 

وتستهدف هذه المجالس أيضًا التصدي للمشكلات والتحديات التي يواجهها اللاجئون من قبيل العنصرية والاضطهاد، وكذا المساهمة في إصدار التشريعات التي تساهم في تعزيز اندماجهم في المجتمع الألماني.

 


تحديات تواجه اللاجئين في ألمانيا:

رغم الجهود التي بذلتها الحكومة الألمانية من أجل إدماج اللاجئين والمهاجرين في المجتمع، تظل هناك العديد من التحديات التي تواجه اندماج اللاجئين، أبرزها:





2- سياسة العودة الطوعية: بالتطبيق على الاتحاد الأوروبي

تلتزم دول الاتحاد الأوروبي إما بإعادة اللاجئين أو منحهم وضعًا قانونيًا، وينتهج الاتحاد مبدأ المغادرة الطوعية من خلال وضع قاعدة عامة تنص على أنه ينبغي منح "فترة للمغادرة الطوعية"، كما يمنح الاتحاد الأوروبي مجموعة محدودة من الحقوق الأساسية للاجئين المقيمين بشكل غير قانوني ريثما يتم ترحيلهم، بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية الأساسية والتعليم للأطفال.

 


اضغط لمشاهدة الفيديو


يتبع الاتحاد الأوروبي نهجًا مشتركًا بشأن العودة الطوعية وإعادة الإدماج:


العودة الطوعية هي عنصر حاسم في نظام الاتحاد الأوروبي المشترك للعودة، إلى جانب تدابير إعادة الإدماج الفعالة؛ حيث يوفر الترحيل الطوعي عودة إنسانية وفعالة ومستدامة للاجئين، عبر توفير برامج لإعادة الإدماج، والتدريب والدعم لخلق نشاط مدر للدخل، فضلًا عن الرعاية الصحية، والدعم النفسي عند الوصول إلى البلد الأم، ويمكن أن تساعد إعادة الإدماج في التغلب على بعض الصعوبات التي يواجهها اللاجئون عند العودة إلى مجتمعاتهم، وجعل عودتهم أكثر استدامة، وكذلك منع الهجرة غير النظامية.

 






تستضيف مصر لاجئين وطالبي لجوء من عدد كبير من الدول، حيث تتوافر العديد من عوامل الجذب في مصر التي تجذب طالبي اللجوء للقدوم إليها في مقدمتها سياسة الدولة التي تقوم على دمج اللاجئين ورفض إقامتهم في مخيمات أو على الحدود، يُضاف لذلك أوضاع الاستقرار السياسي وسهولة العيش في البلاد. 


وإضافة إلى وجود إطار قانوني حاكم للسياسات المصرية في التعامل مع اللاجئين، هنالك العديد من المنظمات العاملة على مساعدة اللاجئين في مصر، 

1-الإطار القانوني الحاكم لسياسة مصر تجاه اللاجئين







2- السياسات المصرية لدعم اللاجئين

على صعيد الممارسات المصرية لدعم اللاجئين، عمدت مصر خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي 2019، إلى تقديم اقتراحات جادة وقابلة للتنفيذ الفعلي بشأن أزمة اللاجئين، وذلك خلال المنتدى العالمي الأول للاجئين ومنتدى أسوان الدولي للسلام والتنمية، فضلًا عن الدور الذي تقوم به مصر لحماية ودعم اللاجئين في إطار جامعة الدول العربية.

 



 


وعلى المستوى المحلي، توفر مصر فرصًا كثيرة للتوطين في بلد ثالث، إما من خلال برامج التوطين التي تتيحها المفوضية، أو البرامج الخاصة ببعض البلدان من خلال سفاراتها، مثل، كندا وأستراليا والولايات المتحدة وفنلندا.   


وتواصل الحكومة المصرية جهودها لدعم اللاجئين على الأراضي المصرية؛ حيث يعيش معظم اللاجئين وطالبي اللجوء في المناطق الحضرية بالقاهرة الكبرى والإسكندرية، وليس في مخيمات كما هو حال غالبية دول العالم.


وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة الخارجية المصرية ومنظمة الأمم المتحدة في مصر المنصة المشتركة للمهاجرين واللاجئين في 4 نوفمبر 2021، وهي مبادرة من الحكومة المصرية وشركاء الأمم المتحدة في مصر والتي تجمع بين الحكومة والأمم المتحدة وشركاء التنمية والجهات المانحة وأصحاب المصلحة الآخرين، والتي تستهدف تعزيز التنسيق وتعبئة الموارد لتحقيق مكاسب التنمية المستدامة طويلة الأجل للمهاجرين واللاجئين، وطالبي اللجوء والمجتمعات المضيفة لهم، وتعزيز الاندماج الاجتماعي.

 





3-اللاجئون في مصر والخدمات الأساسية

ورغم أن مصر من أقل الدول المتلقية للتمويل الخاص بتغطية احتياجات اللاجئين، فإنها تقدم للاجئين العديد من الخدمات الأساسية التي يتمتع بها المواطنون المصريون بمختلف القطاعات، لا سيَّما قطاعا التعليم والصحة. 







 


4- المنظمات الدولية الحاكمة لتعامل مصر مع اللاجئين




5- المنظمات المصرية الحاكمة للتعامل مع اللاجئين








تداعيات الصراعات والنزاعات المسلحة في إفريقيا على زيادة أعداد اللاجئين والنازحين


 

د. أيمن زُهْري

خبير السكان ودراسات الهجرة

 


على الرغم من القيود التي فرضها وباء كورونا على الحراك البشري، فقد أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في يونيو 2021، عن أن عدد اللاجئين والنازحين على مستوى العالم قد وصل إلى رقم غير مسبوق في التاريخ؛ إذ وصل العدد إلى نحو 82.4 مليون شخص في عام 2020. هذا الرقم يمثِّل أكثر من 1% من سكان العالم، ما يعني أن 1% من سكان العالم، على الأقل، اضطروا إلى الفرار من محال إقامتهم المعتادة إلى أماكن أكثر أمنًا، وقد اضطرت الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين والنازحين إلى الفرار بسبب تعرضهم للاضطهاد، والانتهاكات الناجمة عادة عن النزاعات المسلحة والصراعات السياسية والعرقية، هذا بالإضافة إلى العوامل الطبيعية والكوارث البيئية الناتجة عن سوء إدارة الموارد الطبيعية، أو ربما بسبب التغيرات المناخية، ومن المثير للأسى أن عدد اللاجئين والنازحين قد تضاعف خلال عشر سنوات؛ حيث كان العدد الإجمالي للاجئين والنازحين على مستوى العالم يصل إلى نحو 40 مليونًا عام 2010. 

 

تقع إفريقيا في القلب من قضايا اللجوء والنزوح، إذ يمثِّل لاجئوها ونازحوها نسبةً كبيرةً من اللاجئين والنازحين على مستوى العالم تتجاوز ربع الرقم العالمي، صحيح أن معظم اللاجئين في إفريقيا ما زالوا داخل القارة السمراء، لكن تحركات اللاجئين تمثِّل ضغطًا كبيرًا على الدول المستقبلة إذا وضعنا في الاعتبار أن اللاجئين يفرّون من بلدان مضطربة إلى بلدان أخرى مضطربة أيضًا في كثير من الأحوال. 

 

أحاول في هذا المقال إلقاء الضوء على ظاهرة اللجوء والنزوح في إفريقيا، وكيف أدّت الصراعات والنزاعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول إلى تفاقم مشكلات اللجوء والنزوح، وزيادة المعاناة الإنسانية لشريحة كبيرة من أبناء القارة، وأتعرض بشكل موجز أيضًا للترتيبات الإقليمية التي اتخذتها القارة لمواجهة تلك الظاهرة.

 

دول شمال إفريقيا


أدى عدم الاستقرار الذي تشهده بعض دول شمال إفريقيا، خاصة ليبيا، وكذلك تأثيرات الأحداث في منطقة الساحل الإفريقي إلى استمرار التحركات البشرية القسرية إلى منطقة شمال إفريقيا، وكذلك منها إلى مناطق أخرى من العالم، وقد تزامن ذلك مع تفشي جائحة كوفيد-19، والقيود المفروضة على التحركات السكانية، ما أدى إلى تعرُّض النازحين والمهاجرين واللاجئين إلى قدرٍ متزايدٍ من الانتهاكات، طالت تلك التهديدات النازحين الليبيين الذين اضطروا إلى مغادرة محال إقامتهم إلى أماكن أخرى، كما أدت إلى تزايد الانتهاكات بحق المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، واحتجاز أعداد كبيرة منهم في مراكز احتجاز تعرَّض فيها بعضهم لانتهاكات عديدة. 

 


 


 

د. خالد كاظم أبو دوح

أستاذ علم الاجتماع السياسي المساعد- جامعة سوهاج

 

تداعيات الصراعات والنزاعات المسلحة في إفريقيا على زيادة أعداد اللاجئين والنازحين


لا شك أن تغير المناخ (Climate Change)وتداعياته، أحد التحديات الرئيسة التي تواجه العالم، ويتضمن العديد من التهديدات لسبل الحياة والمعيشة، والنظم البيئية، والموارد المائية، والبنية التحتية، والاقتصاد، ولا سبيل إلى مواجهة هذا التحدي وتداعياته إلا من خلال الانتباه والاعتراف بخطورته، ويبدأ هذا الاعتراف على مستوى الأفراد، مرورًا بالحكومات، نهاية بالعالم كله ومنظماته الدولية ذات الصلة.ومن التحديات المهمة المرتبطة بتغير المناخ قضية اللجوء البيئي، أو الهجرة بفعل التغيرات المناخية، وخطورة هذه القضية مرتبطة بالحقيقة المتمثلة في أن العالم سوف يشهد٢٠٠ مليون لاجئ بسبب المناخ خ الل العقود الثلاثة القادمة، وذلك وفق تقديرات مؤسسات ومنظمات دولية، ففي أواخر عام ٢٠٠٨ ، نظمت الأمم المتحدة مؤتمر قمة؛ لمعالجة مسألة التنقل البشري بسبب التدهور البيئي، وتشير كل الدلائل في هذا السياق إلى أن العالم سوف يواجه تحولًا بيئيًّا سلبيًّا، وهناك العديد من المخاوف الكبيرة بشأن هذا التحول وتداعياته، وبالرغم من اهتمام بعض المنظمات الدولية وبعض الحكومات، فإن قضايا التغير المناخي، بشكل عام، وفي العديد من الدول، وعلى مستوى غالبية الأفراد، محكومة بثقافة الإنكار أو التجاهل على أقل تقدير، ولذلك أحاول منخ الل هذا المقال، طرح قضية التغير المناخي وما يرتبط بها من ظهور أعداد من اللاجئين أو المهاجرين بسبب تداعياته، مع التركيز على الحالة المصرية، حتى يتم الانتباه اليها، والتعامل معها بالجدية المأمولة.

 

التغير المناخي في مصر


يعد التغير المناخي ظاهرة بيئية تواجه العالم كله، إلا أن مصر على ما يبدو معرَّضة بشكل خاص لتداعيات التغير المناخي؛ بسبب اعتمادها على نهر النيل كمصدر رئيس للمياه، وقاعدتها الزراعية الأساسية، وخطها الساحلي الطويل، الذي يمر بتغييرات وتآكل مكثّف، أسهم هذا الوضع الجغرافي لمصر، في خلق حالة مناخية من المحتمل أن تنتج العديد من التهديدات البيئية، ويعتبر الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر من الأسباب الرئيسة بين أسباب أخرى، كما أن دلتا النيل تنحسر بالفعل بمعدل ٣ - ٥ ملم سنويًا، بالإضافة إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار ٠,٢٥ متر فقط من شأنه أن يدمر معظم المدن التي تحافظ على حيوية الاقتصاد المصري، وارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار٠.٥ متر فقط، من شأنه أن يضع ٦٧ % من السكان، و ٦٥,٩ % من القطاع الصناعي، و ٧٥,٩ % من قطاع الخدمات، تحت مستوى سطح البحر، وفي مثل هذا الوضع، سيتعين تهجير ١,٥ مليون شخص، وسيترتب عليه تداعيات اجتماعية واقتصادية، وما يمكن أن ينتجه ذلك من تهديدات أمنية. 

 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن مراجعة "التقرير المحدَّث كل سنتين" الذي قدَّمته الحكومة المصرية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ ٢٠١٨ ، الذي سرد عددًا من التغيرات المناخية المتطرفة في مصر، مثل: ارتفاع درجات الحرارة، وشدة البرودة، والرياح الشديدة، وغير ذلك، ويضاف إلى ما سبق، ظهور العديد من الدراسات والتقارير التي ربطت بين التغير المناخي وقطاع السياحة الذي يعد أحد القطاعات الرئيسة في مصر، ومع كل المخاطر المحتملة والمتوقعة نتيجة التغير المناخي، من المحتمل أن تواجه مصر العديد من الضغوط البيئية، ومن هذه الضغوط هجرة السكان داخليًّا وخارجيًّا؛ بسبب تداعيات التغير المناخي، أو ما يُطلق عليه عالميًّا ظاهرة اللجوء البيئي.

 



 

 

الأستاذ/ أنـدرو ألبير شوقي

باحث سياسي- إدارة القضايا الاستراتيجية مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار 

 

تداعيات الصراعات والنزاعات المسلحة في إفريقيا على زيادة أعداد اللاجئين والنازحين


وقَّع الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، في ٢ فبراير ٢٠٢١، ثلاثة مراسيم حول الهجرة، مؤكدًا التزامه بمحو "وصمة العار الأخلاقية والوطنية" الموروثة عن سلفه الرئيس "دونالد ترامب"، والمتعلقة بفصل الآلاف من عائلات المهاجرين عند حدود الولايات المتحدة الجنوبية في عام ٢٠١٨. وكان الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" أكثر الداعمين لأمننة قضية الهجرة؛ إذ تبنّى خطابًا مناوئًا للهجرة واللجوء بشكل عام خلال فترة ولايته، وأدرج سياسات مكافحة الهجرة في إطار برنامجه "أمريكا أولاً"، والذي سعى من خلاله إلى إعطاء أولوية كبرى لحماية الصناعات الأمريكية، ودعم العمال الأمريكيين، وبالتالي، الابتعاد عن نهج سلفه "أوباما" الذي عزّز سياسات "لم شمل" الأسر واللاجئين. ومن هذا المنطلق، أضفى "ترامب" طابعًا أمنيًّا على قضية الهجرة باعتبارها تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. 


ويركز المقال على ثلاثة محاور؛ الأول يستعرض مفهوم الأمننة من الناحية النظرية، والثاني يقدم تقييمًا شاملًا لعملية أمننة الهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة ولاية "ترامب"، وما إذا كانت هذه العملية تُمثل تطورًا إيجابيًّا أم سلبيًّا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرًا الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن"، والتي ربما ستعكس تفكيك عملية الأمننة.


أولًا: مفهوم الأمننة 


تُعد نظرية الأمننة واحدة من أبرز إسهامات مدرسة كوبنهاجن للدراسات الأمنية (CSSS)، والتي ظهرت خلال التسعينيات من القرن الماضي؛ لتؤكد ضرورة اتساع وتعميق مفهوم الأمن باعتباره بناءً اجتماعيًّا، يتم تأسيسه عبر التواصل بين الدولة ومؤسساتها من جهة، والجمهور من جهة أخرى، وذلك لاستيعاب التهديدات الأمنية غير التقليدية، والتي باتت قضايا عابرة للقوميات، مثل: تغير المناخ، والتدهور البيئي، والهجرة غير الشرعية، وتدفق اللاجئين، وانتشار الأمراض والأوبئة، وتنامي ظاهرة الإرهاب. ويُفهم "الأمن" في نظرية الأمننة على أنه ممارسة اجتماعية، بمعنى أن تعريف التهديد لا يقتصر على المعطيات المادية الملموسة، مثل: السلاح، وسلوك الاعتداء، وتوزيع القوة، وشكل القوة العسكرية، وإنما التهديد هو علاقة اجتماعية تظهر من خلال علاقة العداء، ومن ناحية أخرى، ممارسة خطابية، أي أنه يُصبح نتاج الخطابات المتداولة والمهيمنة في المجتمع.



ويرى منظرو كوبنهاجن أن الأمننة تعني إضفاء الطابع الأمني على قضية ما، لم يكن يُنظَر إليها كقضية أمنية من قبل، فتنتقل القضية من عالم السياسة الدنيا Low Politics (والذي تحدده قواعد الديمقراطية والشفافية وإجراءات اتخاذ القرار) إلى عالم السياسة العليا High Politics (والذي يتميز بالاضطرارية والأولويات المُلحة). وتركز الأمننة على "الفعل الخطابي" للنخبة السياسية، والتي تُقنع الجمهور بأن قضية ما تعد تهديدًا للبقاء الوجودي للمجتمع، وبالتالي يجب اتخاذ إجراءات استثنائية للتغلب على هذا التهديد. 



وتتكون الأمننة من خمسة أركان رئيسة: أولها الكيان المرجعي الذي يملك الحق في البقاء، مثل دولة أو جماعة محددة، ويصبح هذا الكيان الموضوع أو الفكرة المراد حمايتها من التهديد. وثانيها الفواعل الأمنية، وهي المُكلَّفة بأمننة القضية وصياغة التهديد وتقديمه إلى الجمهور، مثل النخبة الحاكمة. وثالثها التهديد الوجودي، وهو الموضوع المُعرَّف على أنَّه يمثل ضررًا محتملًا. ورابعها الجمهور، وهو هدف الخطاب الذي يجب إقناعه بخطورة قضية ما. وآخرها الفواعل الوظيفيون، والذين يؤثرون على القرارات باسم الأمن، فهم يؤثرون على القائمين بالأمننة، إضافة إلى إقناع الجمهور، مثل وسائل الإعلام. 


وبموجب إقرار التدابير الاستثنائية، يُنظر إلى الأمننة كعملية سلبية، وبخاصة إذا اتُّخِذَت ذريعة لحماية النخب الحاكمة بدلًا من حماية الكيان المرجعي الأصيل، وكذلك يمكن أن تؤدي إلى تقليص الحريات وإشاعة التمييز وزيادة المراقبة. ويُنظر إلى هذه العملية باعتبارها تمثل فشلًا في التعامل مع القضايا العادية في إطارها الطبيعي ومن خلال القواعد الديمقراطية، ومن ثمّ دعا المنظرون إلى استراتيجية تفكيك الأمننة De-securitization، والتي بموجبها تعود القضايا التي تمت "أمننتها" من الحالة الاستثنائية إلى نطاق السياسات العادية. 

google-playkhamsatmostaqltradent