عشرة اتجاهات حكومية خلال 2022 تعيد تشكيل عالم ما بعد الجائحة
أخذت الحكومات في جميع أنحاء العالم زمام المبادرة في الاستجابة لمواجهة جائحة كورونا وذلك بمعدل غير مسبوق؛ حيث تعاملت الحكومات مع مجموعة واسعة من القضايا المترابطة أثناء الجائحة كان من بينها، تحمل المسؤولية عن سلاسل التوريد المهمة، وإصدار ومراقبة خطط التحفيز للأعمال والمواطنين. كذلك يمكن القول إن الجائحة غيّرت دور الحكومات وطريقة عملها؛ فقد أتاحت للحكومات فرصة للتخلص من الجمود الذي كان يقيدها في السابق.
وقد كان عام 2020 نقطة تحول في اتجاهات استجابة الحكومات، وأصبحت الحكومات الأكثر ثقة عالميًا لأول مرة منذ عقدين نتيجة لسرعة التحرك والاستجابة التي شوهِدت من قبل الحكومات أثناء الجائحة. حيث عادة ما كان التغير في أداء الحكومات يحدث تدريجيا، إلا أن عام 2020 كان بمثابة إثبات على قدرة الحكومات على الاستجابة السريعة.
وفي هذا السياق أصدرت مؤسسة Deloitte - وهي مؤسسة عالمية متعددة الجنسيات، مقرها لندن ولها مكاتب في أكثر من 150 دولة وتعد واحدة من كبرى مؤسسات المحاسبة والخدمات المهنية في العالم - تقريرًا حول "اتجاهات الحكومات" بعد الجائحة، وكانت نسخته الأولى عام 2020، والتي ذكرت أن الحكومات ركزت خلال عام 2020 على الرقمنة وتعزيز توافر البيانات بشكل دقيق، والاستباقية في مواجهة الأزمات، وقد واصلت الحكومات العمل وفق الاتجاهات السابقة في عام 2021 مع تعزيز وتركيز العمل على تعزيز المرونة وتحسين طرق الاستجابة وإعادة بناء الثقة بين المواطنين وحكوماتهم. ووفقا لإصدارة التقرير عام 2022 سوف تواصل الحكومات البناء على هذه الموضوعات، ولكن مع التركيز القوي على الكيفية التي تسعى بها الحكومات لتصبح أكثر جاهزية للمستقبل. وسوف يتم استعراض عشرة اتجاهات تحولية في الحكومات تغطي ثلاثة محاور رئيسة وهي:
بناء المرونة طويلة المدى للصدمات المستقبلية.
إجراء إصلاح شامل وتكامل الهياكل والأنظمة ومشاركة البيانات.
تحقيق مبدأ "حكومة للجميع" وجعل البرامج والخدمات الحكومية عادلة وشاملة.
المحور الأول: بناء المرونة طويلة المدى لمواجهة الصدمات المستقبلية.
يعد "بناء المرونة" من أهم اتجاهات الحكومات عالميًا خلال الفترة القادمة؛ فالوباء ليس التحدي الوحيد الذي يواجه الحكومات في الوقت الحالي، ولكن توجد العديد من التحديات الراهنة والمحتملة والتي تستوجب على الحكومات سرعة الاستجابة، وفي مقدمتها التحولات التكنولوجية، والتغيرات المناخية، والاضطرابات الاقتصادية، والاختلالات في سلاسل التوريد وغيرها، وكلها تتطلب تمتع الحكومات بقدر كبير من المرونة، ويتطلب "بناء المرونة" تبني الحكومات للاتجاهات التالية:
1) القدرة على التكيف مع تغير المناخ: فقد أصبحت قضية تغير المناخ على قمة جداول أعمال قادة الحكومات، وأصبحت الحكومات في جميع أنحاء العالم تستثمر بشكل متزايد في تعزيز مرونة البنية التحتية؛ بهدف تعزيز قدرة المجتمعات على تحمل الأحداث المناخية القاسية، وضمان عدم ترك المجتمعات المحرومة من معالجة المخاطر المتعلقة بالمناخ بمفردها. وجاء هذا الاهتمام نتيجة لزيادة الأحداث المناخية خلال الفترة الأخيرة، فقد أجرت مؤسسة "Deloitte" في سبتمبر 2021 مسحًا شمل 23 ألف شخص في 23 دولة. وكان ما يقرب من نصف المستجيبين قد تعرضوا بشكل مباشر لحدث مناخي واحد على الأقل خلال الأشهر الستة السباقة لإجراء المسح. ووفقًا لنتائج المسح، فقد تنوعت الأحداث المناخية بين الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، والعواصف، ونقص المياه، وموجات الجفاف والفيضانات وغيرها على النحو التالي.
2) إعادة تشكيل سلاسل التوريد: حيث تتعرض سلاسل التوريد إلى حدوث نقص في كل من المنتجين والموردين أو المواد؛ مما يؤدي في بعض الحالات إلى فشل الدول في الحصول على السلع الحيوية. واستجابة لذلك، أصبحت إعادة تشكيل سلاسل التوريد من أهم الاتجاهات الحكومية خلال عام 2022، حيث ستعمل الحكومات على إعادة تشكيل سلاسل التوريد الحيوية لتقليل التبعيات الخارجية.
3) مستقبل القوى العاملة: فقد تسببت جائحة كورونا في اضطراب القوى العاملة بشكل كبير. حتى قبل ذلك، كانت التطورات التكنولوجية الهائلة تعمل باستمرار على تغيير مشهد العمالة، مما أدى إلى توسيع فجوة عدم تطابق مهارات العاملين مع احتياجات سوق العمل وتزايد فجوة العرض والطلب لوظائف محددة. لذلك تحاول الحكومات مواءمة سياسات العمل استجابة للواقع الاقتصادي الجديد؛ بهدف تحسين كفاءة أسواق العمل وتأمين القوى العاملة اللازمة للمستقبل.
المحور الثاني: إجراء إصلاح شامل وتكامل الهياكل والأنظمة ومشاركة البيانات.
تحاول مختلف الحكومات التغلب على التحديات التي تحد من قدرتها على تحقيق استجابة سريعة في التعامل مع الأزمات الحرجة، وخاصة تحديات التغير في النظم الإيكولوجية العابرة للحدود. لذلك يلعب تبادل البيانات دورًا حاسمًا في تحقيق تعاون أفضل وتوفير حلول مجتمعية أكثر شمولا في مواجهة الأزمات. ويتطلب ذلك تبني الحكومات للاتجاهات التالية:
1) حكومة مترابطة: أصبح الاتجاه إلى تعزيز ترابط وتكامل عمل المؤسسات الحكومية مع أجهزتها من أهم الاتجاهات التي سوف تركز عليها الحكومات في عام 2022، فقد أثبتت جائحة كورونا أهمية إنشاء هياكل مشتركة وربط جميع الوكالات والأجهزة الحكومية ببعضها لضمان استجابة أفضل لاحتياجات المواطنين أثناء الأزمات.
2) حكومة مدعومة بالبيانات: أكدت جائحة كورونا أهمية تبادل البيانات، وتتطلب مشاركة البيانات الفعالة وجود بنية تحتية أساسية مثل، تقنيات الحوسبة السحابة وأدوات إدارة البيانات المتقدمة؛ لذلك تتجه الدول حاليًا إلى التعاون في مجال تبادل ومشاركة البيانات للحصول على فوائد.
3) تعزيز النظم الإيكولوجية: والمقصود هنا أنه ليس على الحكومة حل كل مشكلة عامة بمفردها. بل إن بعض أعظم إنجازات الحكومات على مر التاريخ كانت من خلال لعب دور المحفز بدلًا من محاولة القيام بكل الأعباء بمفردها. ويمكن للحكومات أن تلعب دور المحفز بعدة طرق، منها التمكين، أو التمويل، أو التنظيم، أو الدعم.
4) التعاون العالمي في مجال الصحة العامة: تشهد الفترة الحالية حقبة جديدة من الشراكات العالمية في مجال الصحة العامة تحت عنوان "التعاون من أجل تأهب صحي أفضل"، فقد أثبت الوباء أنه كلما أصبح العالم أكثر ترابطًا، أصبح أكثر عرضة لخطر انتشار الأمراض، إلا أن هذا الترابط - من ناحية أخرى- يساعد في تطوير استجابة جماعية ومنسقة لمعالجة الأزمات الصحية بهذا الحجم أو حتى أكبر من ذلك. لذلك سوف تتجه الحكومات إلى التعاون مع بعضها ومع المنظمات الدولية لتطوير قدرات الإنذار المبكر، وتسريع البحث العلمي والتطوير، وبناء القدرات الصحية وخاصةً في الدول الأقل نموًا.
المحور الثالث: تحقيق مبدأ "حكومة للجميع" وجعل البرامج والخدمات الحكومية عادلة وشاملة
فلقد سلطت الجائحة الضوء على المشكلات المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والشمول. ومع قيام الحكومات بنقل الخدمات عبر الإنترنت خلال الجائحة، أصبح من الضروري تحسين الوصول الرقمي للجميع. وعلاوة على ذلك، تعيد الحكومات حاليًا تشكيل برامج الرعاية الاجتماعية لتحسين تقديم الخدمات وإحداث تأثير إيجابي أكبر داخل المجتمعات المحرومة والمهمشة. ويتطلب ذلك تبني الحكومات للاتجاهات التالية:
1) المساواة في تقديم الخدمات الرقمية: كان الاتجاه إلى العمل والتعليم والرعاية الصحية عن بُعد من أهم التداعيات أثناء الجائحة، فقد اتجهت الحكومات إلى استخدام الأدوات الرقمية للاستجابة للوباء، إلا أن هذا قد ألقى الضوء على الفجوة الرقمية الموجودة ومسألة العدالة الاجتماعية؛ حيث لا يزال نحو 40% من سكان العالم يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت. لذلك أدركت الحكومات ضرورة العمل على تحسين الوصول الرقمي للجميع وتبني سد الفجوة الرقمية. كما أنها تعيد تصميم المنصات الرقمية والنظم الإيكولوجية والبنية التحتية لمساعدة السكان المحرومين على الوصول إلى الخدمات والرعاية الاجتماعية.
2) تعزيز المشاركة الشاملة: حيث يساعد التواصل الجيد بين الحكومات ومواطنيها على بناء الثقة، كذلك يساعد في نجاح البرامج الحكومية المقدمة للمواطنين، لذلك ستركز الحكومات خلال عام 2022 على تعزيز المشاركة الشاملة، مع التركيز على كيفية إشراك المجتمعات المهمشة، وإعادة النظر في طرق الاتصال التقليدية بين الحكومات والمواطنين.
3) إعادة تشكيل شبكات الأمان الاجتماعي: فلقد فرض الوباء ضغوطا هائلة على أنظمة الرعاية الاجتماعية، وقد أجبر الحكومات على إعادة النظر في الكيفية التي يمكن بها توفير خدمات رعاية اجتماعية منصفة وسلسة وفعالة؛ ونتيجة لذلك تحاول الحكومات حاليًا إعادة تشكيل برامج الرعاية الاجتماعية، وتقديم دعم أكثر شمولًا لمساعدة المُتلقين على تحقيق الاستقرار. كما أنهم يستثمرون في بناء مرونة الأفراد والمجتمعات. بما يضمن بناء مرونة الأفراد والمجتمعات في حالات الأزمات الطارئة.
عشرة اتجاهات حكومية خلال 2022 تعيد تشكيل عالم ما بعد الجائحة