recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

أب غني وأب فقير


أب غني وأب فقير

بقلم: محمد الطويل

من الأمور البدهية «أن الحسابات المبنية على أسس علمية صحيحة نهايتها مشرقة.. والتى كان عمادها الخيال الواسع تنتهى بالسقوط المدوى». ومن هنا لابد أن نحسن تعلم دروس كيف نتعامل مع المال، وكيف نجعله يعمل لأجلنا، وماذا تعنى كلمة الثقافة المالية، وما أهميتها فى بناء شخصيات تقطن القصور وأخرى ترتاد السجون! ومن هنا ينبعث الخوف والشعور بفقدان الأمل، خاصة فى شرقنا السعيد فى قلوب الغالبية العظمى منا، حينما يطرح عليهم سؤال: «أخبرنى كيف أحقق الثراء سريعاً؟». والإجابة بسيطة وهى إن أردت أن تكون ثرياً فعليك اكتساب المعرفة عن المال قبل الشروع فى بناء أبراج الضاحية المائلة التى تكون سبباً فى عودة الليالى المجافية للنوم، نظراً للبناء على أساسات خائرة.

هناك قواعد عدة راسخة لتحصيل الثروة وتحقيق ثقافة مالية ناجزة، منها:

القاعدة الأولى: إدراك الفرق بين «الأصول» و«الخصوم» مع الحرص على شراء الأصل.. و«الأصول» هى شىء ما يأتى بالمال لحصّالتك، أما «الخصوم» فهو شىء ينقص المال منها.. و«الأمية» بكل ما فى الكلمات والأرقام أساس فى المعاناة المالية، وإن واجهت الناس عثرات مالية، فهذا معناه أن هناك شيئاً ما لا يستطيعون قراءته، سواء كان أرقاماً أو كلماتٍ، فالأثرياء إنما صاروا كذلك لزيادة ما يعرفونه فى مجالات شتى عن أولئك المتعثرين مالياً.. فثمانون بالمائة تقريباً من العائلات تمثل القصة المالية بالنسبة لهم قصة الكدح سعياً للترقى، وينفقون حياتهم فى شراء الخصوم بدلاً من الأصول، مما يحوّل السعى وراء تحصيل الحرية المالية إلى كابوس.

القاعدة الثانية: لا تخف من نبذ الناس لك والحديث إليهم، يقال إن خشية الحديث إلى الجمهور تفوق عند أغلب الناس خشيتهم من الوفاة، وهو ما يدفع الكثيرين لاتباع سياسة القطيع وفعل ما يفعله الناس، دون مساءلة أنفسهم إن كان ما يقومون به يستند إلى المنطق أم لا.. مع الركون إلى قاعدة اللعب فى الجانب الآمن والاستسلام للخوف، بدلاً من المحاولة وتعلم بعض الأصول كنظرية القوى الثلاث: «قوة السيف.. وقوة الدرر.. وقوة المرايا»، فالسيف يرمز لقوة السلاح، الذى أنفقت عليه أمريكا تريليونات الدولارات، ولهذا أضحت القوة العسكرية الكبرى.. أما الدرر فترمز إلى المال، ومن يحُز المال يمتلك بلا شك وضع وصنع القواعد.. والمرايا ترمز لقوة المعرفة بالذات وهى الكنز الأعظم بين القوى الثلاث.

فى أغلب الوقت يسمح الفقراء والمنتمون للطبقة المتوسطة لقوة المال بأن تتحكم فيهم، حيث تسليمهم للخوف وفشلهم فى مساءلة أنفسهم عما يفعلون، وفقدان فهم طبيعة المال يسمح للقوى الغريبة بأن تتحكم فيهم مستخدمة قوة المال فى غير صالحهم.

القاعدة الثالثة: فكر فى عملك الخاص، خاصة فى زمننا هذا وبلادنا هذه ومع حكومتنا تلك، فغالباً تأتى النهايات المأساوية والمعاناة المالية نتاجاً لأناس يعملون طوال حياتهم - وليس فى حقبة منها - عند شخص آخر.. وهؤلاء يجدون أيديهم نفض الريح فى نهاية أيام عملهم.. خاصة عندما يفيقون على مكافأة أو معاناة نهاية الخدمة.

إن ما يقرب من سبعة ملايين موظف وأضعافهم- الذين يفكرون بنفس المنطق- ينبغى عليهم أن يمعنوا النظر فى الدرب الذى يسيرون فيه، والذى يركز على نظرية نظامنا التعليمى، الذى يجهز شاباً ليحصل على وظيفة جيدة من خلال المهارات المدرسية، وبناءً عليه يسير هذا الشاب وفقاً لما درسه، فهناك فارق رهيب بين مهنة المرء وعمله، فمهنة الواحد منا قد تكون العمل بمصرف أو شركة، لكنه لايزال فى حاجة لعمل خاص به. فها هو رجل عقليته تعى هذا الفارق: وظيفته معروفة.. رجل يبيع خلاطات خفق اللبن، وفجأة طور نفسه وأضحى بائعاً لعلامة خاصة بالبورجر، وفيما كانت مهنته هى بيع البورجر كان عمله هو مراكمة العقارات المولدة للدخل. أظن أن ما يميز الأثرياء فكرياً عن الفقراء أنهم يبتكرون دوماً سبباً للثراء.. ويتعلمون جيداً قبل جمع المال.

كان الله فى عون الأجيال القادمة.. فالسابقون كانوا دائمى البحث عن «الشاطرة اللى بتغزل برجل حمار»، أما اللاحقون فيبدو أنهم لن يجدوا لها أثراً، لا هى ولا الحمار، لأنه مكون رئيس فى صنع البورجر.

google-playkhamsatmostaqltradent