recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الإهداء المقلوب في "خنجر سليمان"(١)



 
د. عزوز علي إسماعيل 

يدهشنا دائماً الأديب العربي صبحي فحماوي في كل عمل له وفي هذه المرة وفي رواية جديدة له 

حملت عنوان "خنجر سليمان" نراه ينسف كل ما قيل عن الإهداء من قبل؛ لأنَّ الإهداء في العمل 

الأدبي أو غير الأدبي ما هو إلا تقدير من المُهدي إلى المهدى إليه، ولكن فحماوي هنا قد أهدى العمل 

لعدو من أعدائه، ورجل قد احتل بلادنا وجاء إليها غازياً وهناك قصص قيلت عنه تشيب لها رؤوس 

الغلمان، فكونه يهدي العمل إلى نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية على مصر 1798م بطريقة 

ساخرة فهو يقلب ميزان الإهداء؛ لأنَّ الإهداء بطبيعة الحال يكون لأحب الناس للكاتب وأقربهم إلى 

قلبه، وهو أسلوب حضاري دأب عليه الأدباء والمثقفون منذ وقت ليس بالقصير. يقول فحماوي في 

رواية "خنجر سليمان" في الإهداء "إلى نابليون بونابرت" صاحب الجرائم الكبرى والهزائم 

المتلاحقة في فلسطين ومصر وروسيا وأخيراً واترلو ليموت معتقلاً في جزيرة سانت هيلانة" 

الكاتب يتشفى في نابليون ويعدد عيوبه ومساوئه وجرائمه، أين يحدث ذلك؟ يحدث ذلك في إهداء 

الرواية. وإن تعجب فعجب أمر الكاتب في إهدائه وطريقة السخرية اللاذعة من هذا القائد الفرنسي 

الذي يكنون له الفرنسيون حباً، ها هو ذا يقع تحت مقصلة صبحي فحماوي القارئ الجيد للتاريخ. 

الإهداءُ هو العَطَاءُ عن حُـبٍّ وكَرَمٍ، وفي اللسَانِ من هَدَى يهدي ومِـنْ المَعْرُوْفِ أنَّه، وبعد أن تَطورَت 

الدِّرَاسَاتِ الأدبيةِ والنَّقْـديةِ والعِلْمِيَّةِ في هذا العَصْرِ، أصبحَ من الأهميةِ بمكان أنْ يكونَ هناك تقديرٌ 

معنوي لمن يقدِّم لنا شَـيْئاً فكيف السَّبِيْلُ إلى ذلك؟ فما كان عند العُلماءِ والأدباءِ والفنانين، إلا إهداءُ 

الكتاب أو العمل الذي تمَّ الانتهاءُ منه، سَواءً أكان هذا الإهداء مطبوعاً في نسخةِ الكتَابِ أو أنْ 

يُكْتَبُ بداخل العملِ بخَطِّ اليَدِ، وهناك فارق بينهما، وبصفةٍ عامةٍ " الإهداءُ هو تقديرٌمن الكاتبِ 

وعرفانٌ يحمله للآخرين، سواء أكانوا أشخاصاً أو مجموعات (واقعية أو اعتبارية)، وهذا الاحترام 

يكون إمَّا في شكل مطبوع (موجود أصلاً في العمل/الكتاب) وإمَّا في شكلٍ مكتوبٍ يوقعه الكاتب 

بخط يده في النسخة المُهداة" وقد أضحى الغلاف باعثاً على لفت الانتباه إلى ما كان مهمَّشاً من 

قَبْـلُ في عتبات النُّصوص, والتي لم تكن موضع اعتبار, حيث كانت الدِّراساتُ مُنصَـبَّةً على 

الأساسي، وكانت عتبةُ الإهداءِ مُهَمَّشةً، ولكنَّها الآن أصبح لها معنى ودلالةٌ في الزمانِ والمكانِ، 

وهي تأتي بعد العنوانِ وقبل الاستهلالِ أو المُقَدِّمَةِ. وفضلاً عن ذلك فإنَّ الإهداء قد يكون على رسمة 

لوحة لشخص بعينه أو رسمة من رسومات الطبيعة فيهديها الرَّسامُ إلى شخصٍ بعينه، موقعاً 

إياها بخطه، وهنا نرى أنَّ هذا التَّوقيع أصبح وثيقة مهمة. نهنئ الكاتب صبحي فحماوي على 

روايته الجديدة "خنجر سليمان" والتي استلهمها من التاريخ فالخنجر هو الخنجر الذي قتل به 

سليمان الحلبي كليبر قائد الحملة الفرنسية بعد نابليون بونابرت على مصر والشام، ولنا وقفة 

مطولة مع الغلاف؛ لأن الغلاف يحوي جمجمة "سليمان الحلبي" المناضل والتي يحتفظون بها في 

متحف الإنسان بقصر شايو في باريس نكاية فيمن قتل القائد الفرنسي، ومكتوب تحتها: "جمجمة 

مجرم بجوارها الخنجر الذي ارتكب به الحادث. فهل سليمان الحلبي مجرم أم بطل مناضل ضد 

المحتل. رواية " خنجر سليمان" رواية مثيرة جداً وتحمل عدداً ضخماً من الإشكاليات التي تتماس 

مع التاريخ وما ذكره الطبري في تاريخه.

google-playkhamsatmostaqltradent