recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

تدويل اليوان: الخطوة الصينية لتحدِّي الهيمنة الدولارية

 


تدويل اليوان: الخطوة الصينية لتحدِّي الهيمنة الدولارية


تشهد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تصاعدًا في التوترات بسبب عدة قضايا، من بينها: قضية تايوان، والحرب التجارية، والتطبيقات الاجتماعية، بالإضافة إلى العقوبات الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، الأمر الذي يزيد من عزم الصين على استخدام اليوان الصيني كسلاح "تدويل اليوان"، والذي يقصد بها عملية تحويل اليوان الصيني إلى عملة دولية قابلة للاستخدام في التجارة والمعاملات المالية الدولية، ومع ذلك، تساعد هذه الأحداث على تعزيز دور اليوان الصيني في النظام المالي الدولي، وتدفع الصين لتحقيق استقلاليتها المالية وتقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي؛ مما يعزِّز سيطرتها على اقتصادها الوطني ويوسع نفوذها الدولي. وقد قامت الحكومة الصينية بجهود متواصلة لتعزيز استخدام اليوان في العمليات المالية والتجارية والاستثمارية العالمية. وسوف نستعرض في هذا المقال حجم الاقتصاد الصيني، وكيفية مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على دور اليوان، والخطوات التي استخدمتها الصين لتعزيز اليوان كعملة عالمية، وكيف تحولت الصين خلال العقد الأخير إلى دولة من الدول المهيمنة في الاقتصاد المالي العالمي، وأخيرً استعراض بعض التحديات التي تواجه عملية تدويل اليوان.

حجم الاقتصاد الصيني:

أصبح الاقتصاد الصيني في الوقت الحالي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأحد أهم محركات النمو العالمي، ويمثل الاقتصاد الصيني نحو 18.37%من الناتج المحلي العالمي في عام 2021، وهذا يعني أنه يشكل أكبر حصة في الاقتصاد العالمي بعد الولايات المتحدة. ومن المُتوقع أن تمثل الصين نحو ثلث نمو الناتج العالمي خلال عام 2023، مقارنة بنحو 10% فقط للولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين، وسيعيد ذلك للصين حصتها السابقة في النمو العالمي قبل انتشار وباء كورونا. وعلى الرغم من انخفاض حصة الصين في النمو العالمي خلال عام 2022 إلى نحو 16%، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، وتعثر الإنتاج في جميع أنحاء البلاد فإن التوقعات المتفائلة للاقتصاد العالمي ترجع إلى تأثير ازدهار النشاط الاقتصادي في الصين، وتخفيف الضغوط التي تعاني منها سلاسل التوريد منذ بداية انتشار الجائحة.

وفيما يتعلق بالعملة الصينية، يعد اليوان خامس أكثر العملات استخدامًا في المدفوعات العابرة للحدود، عدا المدفوعات بين دول منطقة اليورو، ومثلت العملة الصينية نحو 1.7% من المدفوعات العابرة للحدود مع نهاية مارس الماضي، بالمقارنة مع 50% تقريبًا للدولار و22% لليورو، بحسب بيانات نظام "سويفت". بالإضافة إلى ذلك فقد شهد اليوان الصيني ارتفاعًا في استخدامه في العقود المتعلقة بالنفط والنيكل وغيرها؛ حيث تضاعف حجم تمويل التجارة العالمي بالعملة المحلية الصينية ثلاث مرات منذ نهاية عام 2019. ومع ذلك، فإن حصة اليوان في الصفقات التجارية العالمية لا تزال صغيرة بشكل عام، وتحتفظ السلطات الصينية برقابة صارمة عليه، وكذلك فقد ساهم فرض العقوبات على موسكو منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في تزايد استخدام اليوان في الدفعات الروسية للصادرات بمقدار 32 مرة في العام الماضي.

الخطوات التي اتخذتها الصين لزيادة حصة اليوان:

أعلن بنك "الشعب الصيني" عن خطط لإنشاء مجمع احتياطي لليوان، بالتعاون مع بنك التسويات الدولية وخمس هيئات تنظيمية أخرى؛ بهدف توفير السيولة للاقتصادات المشاركة في فترات عدم الاستقرار الاقتصادي. وسيساهم التعامل باليوان بين كل من الصين وإندونيسيا وماليزيا وهونغ كونغ وسنغافورة وتشيلي بمبلغ لا يقل عن 15 مليار يوان (2.2 مليار دولار) في السيولة فيما يعرف بــ "مجمع احتياطي اليوان"، وسيتم وضع الأموال في بنك التسويات الدولية. ووفقًا لبيان بنك الشعب الصيني، فإن البنوك المركزية المشاركة ستتمكن، في حال الحاجة، ليس فقط من سحب مساهماتها، بل الحصول على سيولة إضافية مضمونة للتمويل. يأتي هذا الإعلان في إطار جهود الصين لتحسين دور اليوان في الاقتصاد العالمي وزيادة قدرته على المنافسة مع الدولار واليورو والعملات الأخرى. وعلى مدار العقدين الماضيين تبنَّت الصين إجراءات لتحرير أسواق الأسهم والسندات؛ لتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتخفيف سيطرتها على سعر صرف عملتها المدار.

ووفقًا لدراسة أجرتها بلومبيرج إنتليجنس، واستنادًا إلى بيانات إدارة الدولة للعملات الأجنبية، فإن استخدام الصينيين للدولار في المعاملات الدولية قد شهد تزايدًا ملحوظًا منذ عام 2010؛ فقد سجلت حصة العملة المحلية "اليوان" من المدفوعات والمتحصلات عبر الحدود مستوًى قياسيًّا بلغ نحو 48% في نهاية شهر مارس 2023، مقارنة بما يقرب من الصفر في عام 2010، كما أظهرت الأرقام أيضًا انخفاض حصة الدولار من 83% إلى 47% خلال الفترة  نفسها، وعلى الرغم من ذلك ما زال الدولار يحتفظ بهيمنته كعملة رئيسة في العالم، إلا أن هذا التحول يشير إلى تنويع العملات المستخدمة في المعاملات العالمية. وترجع هذه الظاهرة إلى عدد من العوامل، منها: الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي أدت إلى تزايد القلق بين الدول الأخرى من مخاطر العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول، بالإضافة إلى الدور المتنامي للصين كمقرض على المستوى العالمي.

عملية "تدويل اليوان":

وتجدر الإشارة أن الصين قامت بتدشين منصة مدفوعات دولية خاصة بها معروفة بـ "سي آي بي إس" أو (CIPS)، والتي تعمل بشكل مستقل عن نظام "سويفت"، ومن المحتمل أن تستخدمها مؤسسات روسية ومصارف مثل البرازيل، كما قامت الصين باتخاذ إجراءات لتحسين مركزها في الخارج بقيادة "شي"، وتركزت على تنفيذ الإصلاحات وتعزيز النمو داخليًّا.

وفي السياق ذاته، اتخذت الصين في الفترة الأخيرة العديد من الخطوات لدعم اقتصادها داخليًّا وخارجيًّا وعقب انتهاء سياسة "صفر كوفيد"، حيث سافر الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية وروسيا - المورِّدَين الأساسيين للطاقة- وكذلك فقد قامت الصين بتعزيز العلاقات التجارية مع البرازيل وفرنسا من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات الجديدة.

كما لعبت الصين دور الوساطة في التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية، حيث تخطط السعودية لتسعير بعض عقود النفط باليوان.  لذا، بدأت البنوك المركزية العالمية بتنويع احتياطاتها؛ مما أدى إلى تراجع حصة الدولار في حيازتها إلى 59% في الربع الأخير من عام 2020، وهو أدنى مستوى لها خلال 25 عامًا، وفقًا لصندوق النقد الدولي.

ووفقًا للمحللين فإنه ينبغي للصين توفير عدد من العناصر الأساسية ليحتل اليوان مكانة عالمية منافسة للدولار، وعلى رأسها:

تدويل العملة: إتاحة استخدام اليوان كوسيلة لتقويم وتسوية المعاملات التجارية والمالية عبر الحدود، وذلك بتوسيع استخدام اليوان في التداول الدولي، وتحرير القيود المفروضة على العملة.

قابلية تحويل الحساب الرأسمالي: من خلال تحرير الحساب الرأسمالي، وتخفيض القيود المفروضة على التدفقات الداخلة والخارجة من الحساب الرأسمالي، وتوفير بيئة استثمارية مفتوحة وجاذبة للمستثمرين الأجانب.

عملة الاحتياطي: تجب زيادة حجم الاحتياطات الدولية من اليوان، وتوفير الثقة للأسواق المالية العالمية في اليوان كعملة احتياطية قوية ومستقرة.

على أن كل هذا يتطلب التزامًا قويًّا من الحكومة الصينية بالإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية، وتوفير بيئة استثمارية مفتوحة وجاذبة للمستثمرين الأجانب ليحتل اليوان مكانة عالمية منافسة للدولار في المستقبل.

الأزمة الروسية ـــ الأوكرانية وأثرها على اليوان:

في عام 2014، بدأت روسيا في استخدام اليوان الصيني كعملة بديلة للدولار واليورو، وذلك بعد تهديد الولايات المتحدة وحلفائها بحظر وصول روسيا إلى النظام المالي التقليدي؛ بسبب ضم شبه جزيرة القرم. واندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية العام الماضي. حيث يظهر من خلال الشكل رقم (2) تحقيق العملة الصينية تقدمًا كبيرًا في جميع مناحي الحياة المالية الروسية منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية. طبقًا للشكل البياني، على سبيل المثال، فإن حصة اليوان في إيداع العملات الأجنبية ارتفع بمقدار 11% الآن، وحل اليوان محل الدولار واليورو كأكثر العملات تداولًا في بعض المدن الروسية، مثل سان بطرسبرغ، وفلاديفوستوك. وقد بدأت روسيا وغيرها من الدول في استخدام اليوان في المعاملات التي لا تشمل الصين، بما في ذلك تسوية دفعة بقيمة 300 مليون دولار بين روسيا وبنغلاديش؛ لتشييد محطة نووية قرب العاصمة دكا. وتجدر الإشارة إلى أن الكرملين يرغب في شراء اليوان لإعادة بناء الاحتياطات الأجنبية، ولكنه يواجه صعوبات في المنافسة في أسواق رأس المال، ويعاني من مشكلات في نقل الأموال داخل البلاد وخارجها؛ بسبب عدم وجود أسواق رأس المال القوية، وحسابات رأسمالية مفتوحة.

التحديات التي تواجه اليوان:

على الرغم من التعاقدات الدولية الحديثة، فإن العملة الصينية لا تزال تعاني من قيود على تحويلها بالكامل واستخدامها في بعض المجالات، مثل: القروض العابرة للحدود، ومحفظة الاستثمارات، والقيود الذاتية البسيطة التي تنبع من استخدام العملة الاحتياطية السائدة، وعدم وجود أسواق حرة، الأمر الذي يشكل عائقًا كبيرًا، بالإضافة إلى وجود عقبات كبيرة أيضًا في تبنِّي اليوان على نطاق واسع كبديل للدولار.

على الرغم من احتفاظ الدولار الأمريكي بمكانته كأكثر العملات المستخدمة في التجارة العالمية وكمخزون للقيمة الاحتياطية فإن ارتفاع مكانة اليوان الصيني كعملة عالمية في المستقبل يظل احتمالًا مرتفعًا؛ نتيجة لتزايد الاقتصاد الصيني وتوسعه السريع في العقود الأخيرة، وإن كان استخدام اليوان يواجه بعض التحديات؛ منها: عدم وجود نظام صرف عملات مرن في الصين، والتحكم الحكومي في قيمة اليوان، والتي من المحتمل أن تنخفض أهميتها في ظل تزايد استقرار الاقتصاد الصيني، وتحرير سياسة صرف العملة في المستقبل. بالإضافة إلى ما تتخذه الصين من خطوات لتعزيز اليوان كعملة دولية، مثل: زيادة عدد الدول المتعاملة باليوان في العمليات التجارية الدولية، وتوفير بنية تحتية متطورة لدعم استخدام اليوان عالميًّا، ولكن هذه العملية قد تستغرق وقتا طويلًا.

google-playkhamsatmostaqltradent