recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الهجرة المناخية.. أزمة إنسانية تلوح في الأفق

 

الهجرة المناخية.. أزمة إنسانية تلوح في الأفق 

في ضوء تشابك العواقب الناجمة عن التغيرات المناخية، والتي لم تعُد تقتصر على مجرد تصاعد وتيرة الطقس السيئ، وموجات الحر والجفاف، وأزمات شُحّ المياه، والتصحر، والفيضانات، وإنما امتدت لتهدد الأمن الإنساني بمفهومه الأوسع، برز مفهوم الهجرة المناخية الذي ينطوي على جملة من التداعيات المتداخلة؛ حيث تؤدي الهجرة المناخية إلى تزايد الضغط على اقتصادات المجتمعات المضيفة، لا سيَّما الموارد الشحيحة والبنية التحتية، فضلًا عن تزايد التوترات الثقافية والعرقية بين المهاجرين والسكان الأصليين، واستغلال الجماعات الإرهابية للتشرذم المجتمعي واجتذاب مقاتلين جدد لصفوفها، بما يفضي في نهاية المطاف إلى تأجج الصراعات، وإذكاء التوترات السياسية، ومن ثمّ، تهديد الاستقرار والتماسك المجتمعي لتلك الدول. 

الهجرة المناخية.. المفهوم والأسباب:

تُشير "الهجرة المناخية" أو "الهجرة الناجمة عن تغيُّر المناخ" (Climate Migration) إلى عملية انتقال السكان من موطنهم الأصلي -بشكل دائم أو مؤقت- إلى منطقة أخرى داخلية أو خارجية بسبب التغيرات المناخية المفاجئة أو التدريجية، وما ترتب عليها من آثار بيئية واقتصادية واجتماعية، وتشمل هذه التغيُّرات: الكوارث الطبيعية، والفيضانات، وموجات الجفاف، وارتفاع منسوب البحار، وموجات ارتفاع درجات الحرارة، والتغيُّر في أنماط هطول الأمطار.

وفي هذا السياق يُستخدم مصطلح "لاجئو المناخ" (Climate Refugees) أو "مُهاجرو المناخ" (Climate Migrants) لوصف الأشخاص الذين أُجبروا على مغادرة أوطانهم بسبب آثار التغيُّر المناخي والاحتباس الحراري.  وفيما يلي أبرز عوامل وأسباب الهجرة المناخية:

الكوارث المناخية: من قبيل الأعاصير، والفيضانات، والجفاف، والتصحر، وحرائق الغابات، وموجات الحر، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحار والذي ينتج عن ذوبان الأنهار الجليدية والغطاء الجليدي نتيجة ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي هذا السياق أشار أحد تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه من المُتوقّع أن يتعرض ما بين 250 إلى 400 مليون شخص حول العالم لخطر النزوح والتهجير جراء ارتفاع منسوب مياه البحار بحلول عام (2100).  

فُقدان سُبل العيش: جراء تداعيات التغيرات المناخية، من قبيل إتلاف المحاصيل الزراعية، وندرة المياه، وانعدام الأمن الغذائي، وتآكل السواحل، وارتفاع مستوى ملوحة التربة. 

زيادة التعرُّض للمخاطر الصحية: الناجمة عن تداعيات التغيرات المناخية، من قبيل الأمراض المنقولة أو المُعدية، والإجهاد الحراري، وسوء التغذية. 

تأجُّج الصراعات وانعدام الأمن وغياب الاستقرار السياسي: حيث يمكن أن تتسبب التغيرات المناخية في مفاقمة التوترات الاجتماعية والسياسية القائمة بسبب نقص الموارد، كما قد تؤدي إلى نشوب الصراعات والنزاعات، الأمر الذي من شأنه أن يُعزِّز موجات الهجرة والنزوح. 

الهجرة المناخية.. أزمة متفاقمة:

يُعد تغير المناخ محفزًا قويًّا للهجرة؛ حيث أكَّد تقرير صادر عن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر أن 98% من الكوارث التي دفعت السكان للهجرة والنزوح ذات صلة بتقلبات الطقس وتغير المناخ، وقد أسفرت عن نزوح نحو 30.7 مليون شخص داخليًّا في عام 2020. 

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن عام 2017 شهد تهجير أكثر من 68.5 مليون شخص قسرًا، وهو أعلى رقم تم تسجيله في تاريخ البشرية، وما يقرب من ثلث هؤلاء (ما يتراوح بين 22.5 إلى 24 مليون شخص) أُجبِروا على الانتقال بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، كالفيضانات وموجات الجفاف وحرائق الغابات والعواصف الشديدة.

هذا، وقد أكَّد تقرير منظمة "جراوندسويل" (Groundswell) الصادر عن البنك الدولي، في سبتمبر 2021، أن تغير المناخ قد يجبر 216 مليون شخص في 6 مناطق حول العالم على النزوح الداخلي بحلول عام 2050، موضحًا أن إفريقيا جنوب الصحراء يمكن أن تشهد نحو 86 مليون مهاجر بسبب أزمات المناخ، و49 مليون مهاجر في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و40 مليون مهاجر في جنوب آسيا، و19 مليون مهاجر في شمال إفريقيا، و17 مليون مهاجر بيئي في أمريكا اللاتينية، و5 مليون مهاجر في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. 

وتجدر الإشارة إلى أن التوقعات المرتبطة بالتغيرات المناخية في المستقبل ترجِّح أن يصاحبها نمو مطرد في تيارات الهجرة المناخية والنزوح البيئي؛ حيث تشير بعض التقديرات إلى أن ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمعدل درجة واحدة سيفضي إلى فرار نحو مليار شخص من المناطق التي كانت مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين؛ ومن المتوقَّع أن يكون هناك نحو 1.2 مليار مهاجر بيئي بحلول عام 2050، وأن يرتفع هذا الرقم إلى 1.4 مليار مهاجر بحلول عام 2060. 

ويرجِّح الخبراء أنه بحلول عام 2070، ستشكل المناطق شديدة الحرارة نحو 20% من مساحة كوكب الأرض، مما يمثل تهديدًا لنحو ثلث سكان العالم بسبب تحول أماكن تواجدهم إلى مناطق غير صالحة للسكن، علاوةً على ذلك، فمن المتوقَّع أن يرتفع مستوى سطح البحر بين قدمين و6.9 أقدام بحلول عام 2100، بما ينذر بغرق ملايين المنازل حول العالم، فضلًا عن ارتفاع المد والجزر بما يؤثر على الأراضي التي يعيش عليها نحو 150 مليون شخص حول العالم بحلول عام 2050، كما أنه من المرجَّح أن يؤثر ذوبان الجليد بالقطب الجنوبي على ما يتراوح بين 300 و480 مليون شخص بحلول عام 2100، يتركز 70% منهم في 8 دول آسيوية، هي: الصين، وبنجلاديش، والهند، وفيتنام، وإندونيسيا، وتايلاند، والفلبين، واليابان. 

ورغم ذلك، فإنه لا يزال أمام الكوكب فرصة لتلافي تداعيات الظواهر المناخية المتطرفة على حركة الهجرة في المستقبل؛ حيث تُرجِّح تقديرات البنك الدولي أن الإجراءات الفورية والمتضافرة الهادفة للحد من الانبعاثات الحرارية العالمية، ودعم التنمية الخضراء الشاملة يمكنها الحد من حجم الهجرة المناخية بنسبة 80%.

الاستجابة العالمية لظاهرة الهجرة المناخية

لا تزال الاستجابة القانونية والسياسية على الصعيد العالمي لمكافحة ظاهرة الهجرة المناخية قيد التطوير وتحتاج إلى مزيد من التعاون الدولي، كما لا يوجد إطار قانوني دولي شامل يعالج على وجه التحديد وبشكل مباشر مسألة الهجرة الناجمة عن تغيُّر المناخ.  ومع ذلك ثمَّة العديد من الأُطر القانونية والسياسية على الصعيدين الوطني والدولي، والتي تهدف إلى مكافحة هذه الظاهرة وحماية حقوق المهاجرين والنازحين بسبب التغيُّرات المناخية ودعم إعادة توطينهم وإدماجهم. وتتمثل في التالي:

اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي (UNFCCC): والتي تم توقيعها في عام 1992 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1994، وتُقر الاتفاقية بأهمية التصدي للآثار والتداعيات الخطيرة للتغيُّر المناخي، وخاصة على المجتمعات الضعيفة والمعرضة للخطر (Vulnerable Communities) والتي يضطر سكانها إلى الهجرة أو النزوح.  وفي هذا الصدد تُقر اتفاقية باريس التي تم تبنيها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ بالحاجة إلى بناء المرونة والقدرة على التكيف لدى المجتمعات المتضررة من آثار التغيُّر المناخي. 

إطار سِنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030 (Sendai Framework for Disaster Risk Reduction)، والذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 2015، ويؤكد الحاجة الملحة لمكافحة التغير المناخي، وتعزيز قدرة المجتمعات المحلية وبنيتها التحتية لمواجهة موجات الهجرة والنزوح والكوارث الطبيعية. 

الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية Global Compact for Safe, Orderly and Regular Migration (GCM): والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2018، ويقر بالحاجة إلى معالجة آثار تغير المناخ على التنقل البشري، ويدعو إلى تطوير سياسات وممارسات يمكن أن تدعم الأشخاص الذين أجبروا على الهجرة ومغادرة أوطانهم نتيجة لعوامل بيئية. 

القوانين والسياسات الوطنية: قامت بعض الدول بتطوير قوانين وسياسات حكومية بهدف التصدي لظاهرة الهجرة المناخية، والتي تمثلت في وضع مبادئ إرشادية للانتقال وإعادة التوطين، وحماية حقوق المهاجرين والنازحين، وتوفير الأمن والدعم المالي والاجتماعي والصحي لهم؛ من أجل تعزيز القدرة على التكيُّف أو ما يُعرف بدعم "تدابير التكيف".  ومن أبرز هذه الدول: بنجلاديش، وكيريباتي، ونيوزلندا، وأستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، والنرويج، وكينيا. 

الدعم والمساعدات الإنسانية: توفر المنظمات الدولية من قبيل المنظمة الدولية للهجرة (IOM) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) المساعدات الإنسانية للمهاجرين والنازحين، ومن بينهم المهاجرون والنازحون بسبب التغيُّر المناخي، وفي مقدمتها خدمات الإيواء والغذاء والرعاية الطبية. 

تمويل إجراءات مواجهة التغيرات المناخية (Climate Finance): حيث تم إنشاء ما يُعرَف بـ "صندوق المناخ الأخضر" (GCF) Green Climate Fund والذي تم تأسيسه في عام 2010 بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي، لدعم البلدان النامية في جهودها للتصدي لتغيُّر المناخ، بما في ذلك دعم تدابير التكيف ومعالجة ظاهرة الهجرة الناجمة عن المناخ. 

 صندوق الخسائر والأضرار: حيث اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ cop 27 في شرم الشيخ على إنشائه لدعم الدول النامية والفقيرة المتضررة من تغير المناخ، وتشير عبارة "الخسائر والأضرار" إلى تكاليف الخسائر التي تسببت فيها الظواهر المناخية المتطرفة وتداعياتها، ويمثل هذا الصندوق إجراءً وقائيًّا يحد من اضطرار السكان في المناطق النامية والأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية إلى الهجرة أو النزوح إلى مناطق أخرى. 

وختامًا، فإن ظاهرة الهجرة المناخية تُعد من القضايا والأزمات الملحة، لا سيّما في ظل تفاقم ظاهرة التغيُّر المناخي التي يشهدها العالم، الأمر الذي يتطلب الاستجابة بصورة منسقة بين الحكومات والمؤسسات الدولية المعنية والمجتمع المدني. وفي هذا الإطار هناك جُملة من التدابير والإجراءات التي يُمكن اتخاذها لمعالجة أسباب وتداعيات هذه الظاهرة، ومن أبرزها: تعزيز الاستثمار في البنية التحتية للتخفيف من مخاطر التغير المناخي، وتوفير المساعدات الإنسانية والدعم المالي والتقني لتعزيز قدرة السكان على البقاء والتكيُّف مع تداعيات التغير المناخي في مجتمعاتهم، مما يحد من حاجتهم إلى الهجرة.  وفي الوقت ذاته، يتعيَّن على الحكومات والمؤسسات الدولية تعزيز التنسيق والتعاون فيما بينها لوضع سياسات عالمية أكثر فعالية وإطار قانوني دولي شامل بهدف مواجهة التحديات التي تفرضها ظاهرة الهجرة المناخية.

google-playkhamsatmostaqltradent