إعلان

recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

ما هو السر الذي يجعل الحياة أكثر إشراقاً؟

ما هو السر الذي يجعل الحياة أكثر إشراقاً؟


ما هو السر الذي يجعل الحياة أكثر إشراقاً؟


بقلم: حسن سليم

للكلمة قوة تتجاوز الحدود وتخترق القلوب والعقول، وتظل الآيات الكريمة في القرآن الكريم مصدراً للإلهام والحكمة عبر العصور.. ومن بين هذه الآيات التي تتجلى فيها معاني العدل والجزاء، تبرز الآية الكريمة «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان»، سورة الرحمن، لتكون نداءً لكل إنسان أن يعامل الآخرين بما يحب أن يُعامل به، وأن يبذر الخير ليحصد الخير.


الآية تحمل في طياتها رسالة بسيطة وواضحة، وهي أن الخير يُقابل بالخير.. ففي عالم يسوده التغير والتحديات، يبقى الإحسان قيمة ثابتة لا تتغير، يتعامل بها الإنسان مع الآخرين كدين مستحق، وكأنه قانون إلهي لا يقبل الجدال أو التفاوض.


الإحسان ليس مجرد فعل يُقدم في مواقف معينة، بل هو أسلوب حياة.. وعندما يحرص الإنسان على الإحسان في كل جوانب حياته، فإنه يخلق دائرة من الخير تمتد وتنتشر بين الناس.. قد يكون الإحسان في الابتسامة التي تقدمها لشخص غريب، أو في مساعدة جار في حاجة، أو في تقديم النصيحة الصادقة لمن يطلبها.. هذه الأعمال الصغيرة تجتمع لتشكل صورة أكبر من الرحمة والمحبة التي تعود بالنفع على الجميع.


الله سبحانه وتعالى يربط بين الفعل والجزاء، ويؤكد في هذه الآية أن ما تقدمه من إحسان سيعود إليك بشكل أو بآخر.. قد لا يأتي الجزاء على الفور، لكنه يأتي بالتأكيد في الوقت الذي يحتاجه الإنسان.. ومن أروع ما في هذه الآية أنها تعزز مبدأ أن الإنسان ليس بحاجة إلى انتظار مكافأة دنيوية على أفعاله الحسنة، بل إن المكافأة الحقيقية تأتي من الله عز وجل، وهي تفوق كل توقعات البشر.


وتتجلى قيمة الإحسان في العلاقات بين الناس.. العلاقات المبنية على الإحسان تتميز بالقوة والاستمرارية، فهي تقوم على أساس من التقدير والاحترام المتبادل.. وعندما يُظهر الإنسان الإحسان في علاقته مع أهله وأصدقائه وزملائه، فإنه يزرع بذور المحبة التي تثمر عن علاقات صحية ومستدامة.. حتى في العلاقات المهنية، نجد أن الشخص الذي يتعامل بإحسان مع زملائه ورؤسائه يكتسب احترام الجميع، ويحقق نجاحات تتجاوز الطموحات المهنية إلى بناء سمعة طيبة.


الإحسان يتجاوز الأفراد ليصل إلى المجتمع ككل.. فالمجتمع الذي يحرص أفراده على الإحسان، نجد أن العدالة الاجتماعية تتحقق بشكل طبيعي.. فالإحسان يؤدي إلى التكافل الاجتماعي، حيث يتعاون الجميع من أجل تحقيق المصلحة العامة. في هذا الإطار، يصبح كل فرد مسؤولاً عن المساهمة في تحسين حياة الآخرين، من خلال تقديم الدعم لمن يحتاجه، سواء كان ذلك مادياً أو معنوياً.. وعندما يتجسد الإحسان في سياسات الدولة ومؤسساتها، نجد أن الفقر يقل والجريمة تتراجع، وتزداد فرص النجاح والتقدم للجميع.


والإسلام دين يدعو إلى الإحسان في كل شيء، وقد وردت العديد من الآيات والأحاديث التي تحث على ذلك.. يقول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل: 90). هذه الآية تؤكد أن الإحسان جزء أساسي من الدين الإسلامي، ويجب على المسلم أن يلتزم به في كل جوانب حياته.


ويتجلى الإحسان أكثر في أوقات الأزمات، حيث تظهر معادن الناس الحقيقية.. في الأوقات الصعبة، يحتاج المجتمع إلى أفراد يُظهرون إحساناً غير مشروط، سواء كان ذلك بالتبرعات للمحتاجين، أو بتقديم العون لمن هم في أمس الحاجة إليه.. الإحسان في الأزمات يعكس روح التضامن والإنسانية التي يحتاجها العالم بشدة.. فبينما يعاني البعض من الأزمات الاقتصادية أو الصحية، يأتي الإحسان ليمد يد العون ويخفف من وطأة المعاناة.


والإحسان يجب ألا يقتصر على البشر فحسب، بل يجب أن يمتد ليشمل كل ما حولنا، بما في ذلك البيئة.. التعامل مع الطبيعة برفق واحترام هو شكل من أشكال الإحسان، فعندما نحافظ على البيئة، فإننا نحسن إلى الأجيال القادمة، ونعمل على توفير مستقبل أفضل لهم.. الإحسان إلى البيئة يتطلب تغييراً في السلوكيات اليومية، مثل تقليل النفايات، والحفاظ على الموارد الطبيعية، واحترام حقوق الحيوانات والنباتات في العيش على هذا الكوكب.


والتربية هي مجال آخر يتجلى فيه الإحسان بشكل كبير.. عندما يحرص الوالدان على تربية أبنائهما بالإحسان، فإنهما يزرعان فيهم قيم الرحمة والتعاون والاحترام.. التربية بالإحسان تعني أن نعلم الأطفال أن الخير يعود بالخير، وأن الإنسان يجب أن يكون رحيماً وصادقاً في تعامله مع الآخرين.. هذه القيم تصبح أساساً لبناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل بروح إيجابية ومتفائلة.


«هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».. هي دعوة مفتوحة لكل إنسان أن يعيش حياته بروح من الإحسان.. إنها تذكير بأن الخير دائماً يعود على صاحبه، وأن الإحسان هو السبيل إلى بناء مجتمع متماسك ومزدهر.. في كل مرة نقرأ هذه الآية، يجب أن نتذكر أن الإحسان ليس مجرد فعل عابر، بل هو نمط حياة يتطلب الالتزام والمثابرة.. فلنجعل الإحسان جزءاً من حياتنا اليومية، ولنكن دائماً في طليعة من يزرع الخير في كل مكان.

google-playkhamsatmostaqltradent