recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

تعرف على إسماعيل ياسين .. ونهاية مأساة أعظم المضحكين

تعرف على إسماعيل ياسين .. ونهاية مأساة أعظم المضحكين
 
 
السويس - حسين بيومي
 
 
اليوم تهل علينا ذكرى أبو ضحكة جنان الفنان السويسي المصري إسماعيل ياسين أعظم ما أنجبت السينما المصرية والعربية، حيث ولد الفنان السويسي يوم 15سبتمبر من عام 1912 م، وبهذه المناسبة نروى لكم حكاية الفنان إسماعيل ياسين، أومأساة أعظم المضحكين من خلال كتاب "رجال صنعوا تاريخ السويس" للكاتب الصحفي والمؤرخ السويسي الراحل حسين العشي.
 
 
في كتابة يقول "العشي": لا شك أنه أعظم المضحكين في عالمنا العربي على مدى التاريخ ولا توجد أسرة عربية سواء كانت من سكان القصور أو الخيام إلا أن تأثرت بأفلامه وأسعدتها ضحكاته منذ أن ظهر أفلامه عام 1939، وقال "العشي" على الرغم من كل هذا التاريخ والمجد إلا أن إسماعيل ياسين عاش حياة بائسة في أخر أيامه بعد أن عانى من عوائد الزمن والحاجة لانحسار الأضواء عنه ولفقده كل موارد دخلة لدرجة أنه كان لا يستطيع دفع إيجار الشقة التي أنتقل إليها بعد قيام الضرائب ببيع عمارته.
 
 
ويقول "العشي": إن القدر شاء أن يلتقي به قبل وفاته بشهور في مبنى التليفزيون المصري ماسبيرو، حينما كان مرتبطاً بميعاد بالأستاذ محمد عروق مدير إذاعة صوت العرب في ذلك الوقت لأفتا أنه فوجئ بالفنان الأسطورة وقد أصبح عجوزاً منهكاً محطماً يرتدى ملابس تبعث على الرثاء، وقال لم أصدق أن هذا الكهل المحطم هو نفسه الفنان العظيم الذي أضحك مئات الملايين، وقال "العشي": فوجئت بالفنان الأسطورة يطلب من محمد عروق أن يتيح له الفرصة للمشاركة في مسلسل إذاعي في شهر رمضان من تأليف الكاتب الساخر محمود السعدني لمساعدته على مواجهة نفقات الحياة، ويضيف "العشي": لقد أبكاني حال إسماعيل ياسين بعد أن أضحكني عشرات السنين.
 
 
ويواصل "العشي" سرده عن الفنان السويسى حيث قال : ولد إسماعيل ياسين في 15 سبتمبر من عام 1912 في ميدان الكسارة بمنطقة الغريب بالسويس هو من أسرة ميسورة الحال، وكان والدة أحد الصاغة المعروفين في شارع السوق العمومي بالمدينة إلا أنه وأجه ظروفاً مادية صعبة بعد وفاة زوجته الأولى "أم إسماعيل" وزواجه من أخرى كانت تنفق بشكل لا يتناسب مع دخل الزوج، وتراكمت علية الديون ودخل السجن لفترة بسيطة ثم خرج منه ليجلس على رصيف الشارع بعد أن عجز عن الحفاظ على محل الذهب.
 
 
وقال كنا نراه في صبانا على ترابيزة خشبية صغيرة يبيع الخواتم والمشغولات الذهبية.. وكان إسماعيل هو الابن الوحيد لأبية منطوياً على نفسه ولم يكن له هواية سوى ترديد أغاني عبد الوهاب القديمة إلا أن شكله وفمه الكبير كان عائقا كبيراً أمامة حيث كانت ملامح الوجه والفم يثيران الضحك بشكل كبير، ويقول "العشي": ترك إسماعيل ياسين السويس وعمرة 17 عاما وذلك عام 1929 ليبدأ رحلة حياة صعبة للغاية حيث عمل في إحدى فرق العوالم بشارع محمد على ثم في كازينو "بديعة مصابني": وهى راقصة استعراضية لبنانية كانت من رائدات المسرح الاستعراضي يغنى المنولوجات التي كان يكتبها له صديق عمرة أبو السعود الإبياري.
 
 
وأمتدت هذه الحياة الصعبة عشر سنوات كاملة قبل أن يجد أول فرصة للتمثيل السينمائي عام 1939 في فيلم فؤاد الجزايرلى " خلف الحبايب" ويصبح "إسماعيل ياسين" قنبلة سينمائية تفجر الضحكات وتشيع البسمات لمدة عشرين سنة متواصلة قدم خلالها 500 فيلم وهو رقم لم يصل إليه أي ممثل في العالم في تاريخ السينما، وكان أحيانا يرتبط بتمثيل أكتر من سبعة أفلام في وقت وأحد، ومثل في عصره الذهبي خاصة أعوام 52 و53 و54 أكثر من 16 فيلماً على العام الواحد .. وفى عام 1954 كون إسماعيل ياسين مع صديق عمرة أبو السعود الإبيارى فرقة مسرحية تحمل أسمه ظلت تعمل حتى عام 1966 وقدمت حوالي 50 مسرحية، وأشتهر إسماعيل ياسين بتقديم سلسلة أفلام تحمل أسمه.
 
 
مثل "إسماعيل ياسين في الطيران – والجيش – والبوليس – والبحرية – ومستشفى المجانين – وطرزان – وإسماعيل ياسين للبيع – وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينا" وغيرها من الأفلام الكوميدية، أما عن مأساة إسماعيل ياسين، فيؤكد حسين العشي: بدأت النهاية ترسم ملامحها في حياة إسماعيل ياسين اعتبارا من عام 1961 حيث لم يمثل سوى فيلمين بعد أن كان يقدم عشرات الأفلام على الأقل كل سنة، وصل الأمر إلى أنه من عام 1962 حتى عام 1965 لم يقدم سوى فيلم وأحد.
 
 
واختلفت الآراء حول هذا التراجع المتوالي في تواجده الفني والسينمائي وهل يعود ذلك إلى الجمود وعدم مجاراته للأساليب الجديدة، أم أن ظهور جيل جديد من المضحكين تجاوزه بأعمالهم الفنية من خلال الكوميدية التي تعتمد على الموقف وليس مجرد الألفاظ أو تحريك قسمات الوجه .. إلا أن المؤكد أنه واجه حرباً ضارية من بعض المسئولين عن أجهزة الإعلام والذين دفعوا بوجوه كوميدية جديدة وفروا لها كل الإمكانيات للقضاء على ظاهرة إسماعيل ياسين.
 
 
ويقول "العشي": رغم الاختلاف على أسباب هذه الحرب الشرسة والتي أرجع البعض أسبابها إلى أحساس عدد من المسئولين عن الثقافة والآلام وقتها بعدم تأييد إسماعيل ياسين للثورة بالقدر الكافي بل أن البعض الصقوا به انتشار عدد من النكات المناهضة للثورة ورموزها الوطنية، وأيا كانت صحة هذه الاتهامات من عدمه إلا أنها كانت بالطبع معركة غير متكافئة أثرت بشكل عنيف على الفنان العظيم بعد أن تم محاصرة فرص العمل أمامه ولدفع بالعديد من المنافسين وإزالة أي عقبات من أمامهم.
 
 
ولفت "العشي" كان من الطبيعي بعد كل هذه الحروب التي أتسمت بأبعاد غير أخلاقية من جوانب عديدة أن تصيبه العديد من الإمراض أبرزها مرض القلب وتراكمت علية الديون وخاصة من الضرائب التي حجزت على العمارة التي بناها من سنوات عملة وباعتها الضرائب في مزاد علني أمام عينية ليزداد علية المرض ولا يجد حتى ثمن الدواء والعلاج مما دفعة إلى ترك مصر كلها وسافر إلى دولة لبنان ليعمل في بعض الأفلام اللبنانية المتواضعة ووصل به الأمر إلى قيامة بتقديم أفلام دعائية "إعلانات " عن السلع المختلفة وأفلام بلا مستوى فني.
 
 
مثل "فرسان الغرام – وكرم الهوى- ولقاء الغرباء – وعصابة النساء" وكلها أفلام لا ترقى لمستواه الفني ولا يذكرها تاريخ السينما بأي حال من الأحوال، وعاد إسماعيل ياسين محطماً وحزيناً إلى مصر في بداية عام 1970 يبحث عن أي فرصة عمل لكن الأضواء كانت قد انحسرت عنه وبدأ جيل جديد من الفنانين يأخذ مكانه في السينما المصرية مثل فؤاد المهندس – عبد المنعم مدبولي – وعادل الإمام – وأمين الهنيدي وغيرهم.
 
 
وتتحالف علية كل هذه الظروف العامة مع ظروفه الأسرية الصعبة خاصة مشاكله وخلافاته مع أبنة الوحيد "ياسين" والتي وصل بعضها إلى حد التشاحن في مواجهات كان فيها هو الطرف الأضعف لدرجة إن البعض يرجع الأزمة القلبية التي تسببت في وفاته إلى شجار عنيف وقع بينة وبين أبنه "ياسين" ولم يتحمله "إسماعيل" وكانت الأزمة القلبية الحادة التي أسلم لها الروح بعدها في 24 مايو من عام 1972 عن وأحد وستون عاما.
 
 
أما عن علاقة إسماعيل ياسين بأسرته في السويس فيقول "حسين العشي": عاش إسماعيل ياسين حياة شخصية بائسة على عكس ما يعتقد الكثير، فقد مر بتجربة الزواج 3 مرات ولم ينجب سوى أبن وحيد هو "ياسين" الذي أصبح فيما بعد مخرجاً سينمائياً محدوداً ولم يكن حظه أفضل من أبية وواجه العديد من المشكلات الاجتماعية والصحية وتوفى هو أيضا أثر نوبة قلبية.
 
 
ظل إسماعيل ياسين محافظاً على علاقته بأبية طوال حياته رغم بعض الألم النفسي الذي كان يحس به تجاه بعض مواقف الأب واختياره لزوجته الثانية، ويقول "العشي": كنت أراه يحضر إلى السويس بشكل شبه منتظم إلى أن توفى الأب في أوائل الستينات ويقول كنت شخصياً أرى الأب الذي كان يجلس في شارع الشيخ محمد عبده يرتدى عباءة وجبة وقفطان ويبيع المشغولات الفضية الموجودة على منضدة خشبية موجودة أمامه.
 
 
ويقول "العشي": إسماعيل ياسين لم يشارك بأي عمل فني يخص السويس باستثناء بعض الأفلام التي صورت في المدينة مثل فيلم "أبن حميدو" لكنة كان يفخر بانتسابه إلى السويس في مختلف أحاديثه الصحفية وربما كان السبب في عدم ارتباطه بالمدينة من خلال أي عمل فني واجتماعي هو افتقاد أي مبادرة لذلك على الرغم من وجود حركة فنية ومسرحية متقدمة في السويس طوال فترة الأربعينات والخمسينات بالإضافة إلى أنه مشغولاً بالطبع بإعماله السينمائية التي لم تكن تترك له وقتا للتفكير أو الراحة.
 
 
ويقول "العشي" ظل إسماعيل ياسين منذ وفاته عام 1970 بلا أي تكريم حقيقي من السويس إلى أن قام اللواء تحسين شنن محافظ السويس في الفترة من 1987 حتى 1990 بإطلاق أسمه على المسرح الرئيسي بالمحافظة والذي كان يجرى إنشائه وللأمانة فقد كان ذلك بناء على ملاحظة الكاتب والأديب أنيس منصور الذي كان في السويس بدعوة منى لحضور ندوة عن حرب أكتوبر عام 1987 وأبدي أنيس منصور وقتها دهشته من عدم وجود أي شارع أو مبنى أو مسرح في السويس يحمل أسم "إسماعيل ياسينط على الرغم أن انتمائه لها وسارع "تحسين شنن" بإطلاق أسم "إسماعيل ياسين" على المسرح الذي قارب على الانتهاء وعند تحويل المسرح إلى مجمع لدور سينما عام 2001 ..أصر محافظ السويس وقتها "سيف الدين جلال" على ضرورة وضع أسم إسماعيل ياسين على المجمع.
 
 
الذي يضم عدة دور لعرض السينما على الرغم من قيام أبنه ياسين بالاعتراض لاعتقاده أن إطلاق أسم أبية على مجمع دور السينما "سمة تجارية" تحتاج إلى دفع مقابل مادي نتيجة وضع أسم أبية إلا أن اللواء سيف جلال محافظ السويس أقنعه بأن وضع أسم أبية ما هو بمثابة تكريم أدبي ولا يمثل أي عائد مادي على الإطلاق، وعن النهاية المأساوية للأسطورة إسماعيل ياسين يقول المؤرخ الراحل "حسين العشي": كانت نهاية حياة إسماعيل ياسين مأساوية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان ولا أريد الخوض في تفاصيل ليلة الوفاة لأنها توجع القلب وتدمى النفس.
 
 
فقدت شهدت تلك الليلة شجاراً معتادا بينة وبين أبنه الوحيد "ياسين" لكنه كان عنيفاً بدرجة أكبر من أي ليلة، ويبدوا أن قلبه لم يتحمل أن تمتد إليه يد أقرب الناس إليه فتوقف عن الخفقان في تلك الليلة التي باتها وحيداً مكلوما ولم يطلع علية فجر 24 مايو 1972 إلا وقد فارق الدنيا التي أضحكها كثيراً لكنها يا الغرابة أبكته كما لم يبكى من قبل تلك مأساة أعظم المضحكين إسماعيل ياسين التي تحل ذكراه اليوم، رحم الله الفنان إسماعيل يس رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
google-playkhamsatmostaqltradent