recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الحوار الوطني حول ملف الدعم: هل حان وقت الانتقال من الدعم العيني إلى النقدي لإنقاذ الاقتصاد؟

الحوار الوطني حول ملف الدعم: هل حان وقت الانتقال من الدعم العيني إلى النقدي لإنقاذ الاقتصاد؟

بقلم: دكتور بيتر ناجي

عندما كنت طالبًا في الجامعة، قدم لنا أستاذ مادة الاقتصاد ملفًا شائكًا حول قضية الدعم، طالبًا منّا اقتراح حلول مبتكرة لمعالجة هذا الملف المعقد. كان يُدرك حينها أهمية هذا الموضوع في رسم سياسات اقتصادية ناجحة، وأخبرنا بأن الحلول المقترحة ستشكل جزءًا مهمًا من امتحان الاقتصاد. واليوم، والان وبعد مرور ما يقرب من عشرون عاما أشارك بورقة عمل في الحوار الوطني حول ملف الدعم، أدرك تمامًا أن هذا النقاش لم يكن مجرد امتحانا أكاديمي، بل هو حجر الزاوية في إصلاحات اقتصادية حيوية لمستقبل البلاد.


منذ عقود طويلة، تعتمد مصر على نظام الدعم العيني للسلع الأساسية مثل الخبز والسكر والزيت، لضمان توفير هذه السلع بأسعار منخفضة للمواطنين، وخاصة الفئات الأقل دخلًا. إلا أن هذا النظام لم يخلي من مشكلات كبيرة أدت إلى التفكير في استبداله بنظام الدعم النقدي المباشر. يهدف هذا المقال إلى توضيح العيوب المرتبطة بالدعم العيني ومميزات الدعم النقدي، بالإضافة إلى تقديم حلول عملية لتنفيذ التحول التدريجي.


عيوب نظام الدعم العيني:

1. الهدر الاقتصادي والفساد: نظام الدعم العيني غالبًا ما يتعرض لإساءة الاستخدام، سواء من خلال التهريب أو الفساد في سلاسل التوزيع. يؤدي ذلك إلى هدر الموارد بشكل كبير، مما يرهق ميزانية الدولة دون تحقيق الفائدة المرجوة.


2. عدم وصول الدعم للمستحقين: في كثير من الحالات، يحصل الأفراد غير المستحقين على السلع المدعومة، بينما يواجه المستحقون صعوبات في الحصول عليها. هذا يؤدي إلى عدم تحقيق العدالة الاجتماعية.


3. تدهور جودة السلع: مع وجود رقابة ضعيفة في بعض الأحيان، تنخفض جودة السلع المدعومة، ما يؤثر سلبًا على صحة المواطنين ورفاهيتهم.


4. تشوه الأسواق والأسعار: التدخل الحكومي في تسعير السلع المدعومة يؤدي إلى تشوه في الأسعار بالسوق. هذا يؤدي إلى تضخم السوق السوداء، حيث يتم بيع السلع المدعومة بأسعار أعلى من قيمتها الرسمية.


مميزات الدعم النقدي:

1. زيادة الكفاءة الاقتصادية: يوفر الدعم النقدي مرونة أكبر للمستفيدين في استخدام الأموال بالطريقة التي يرونها مناسبة. هذا يقلل من هدر الموارد ويزيد من كفاءة التوزيع.


2. الوصول المباشر للمستحقين: من خلال توزيع الدعم النقدي على الأفراد المستحقين مباشرة عبر أنظمة مصرفية أو محفظات إلكترونية، يتم تقليل التلاعب وضمان وصول الدعم إلى الفئات المستهدفة.


3. تحفيز الاقتصاد المحلي: عندما يحصل المواطنون على أموال نقدية، سيكون لديهم حرية شراء السلع والخدمات من السوق المحلي. هذا يعزز الطلب ويساعد في تحريك عجلة الاقتصاد.


4. تقليل الفساد: يقلل الدعم النقدي من فرص التلاعب في توزيع السلع والتهريب، حيث يتم صرف الأموال بشكل مباشر وشفاف.


5. تعزيز العدالة الاجتماعية: يمكن تعديل مبالغ الدعم بناءً على مستوى دخل الفرد أو الأسرة، مما يضمن عدالة أكبر وتوزيعًا أفضل للموارد.

الحلول المقترحة لتحويل الدعم من عيني إلى نقدي:

1. تحديد المستحقين بشكل دقيق: أول خطوة هي إنشاء قاعدة بيانات دقيقة للأفراد المستحقين للدعم، بناءً على معايير مثل مستوى الدخل وحالة الأسرة. يمكن استخدام البيانات الحكومية والتقنيات الحديثة لتحسين دقة تحديد المستحقين والجدير بالذكر أن الرقابة الأدارية قد قامت بالفعل بتنقية جداول البيانات الخاصة بمستحقي الدعم.


2. التدرج في التحول: يمكن تطبيق التحول من الدعم العيني إلى النقدي تدريجيًا لتجنب الصدمة الاقتصادية. يتم البدء بإلغاء دعم بعض السلع الأقل أهمية مثل الزيت والسكر، ومن ثم الانتقال تدريجيًا إلى السلع الأخرى مثل الخبز.


3. استخدام التكنولوجيا في توزيع الدعم النقدي: يمكن الاستفادة من التطور في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لإنشاء نظام رقمي متكامل لتوزيع الدعم النقدي. يمكن الاعتماد على المحافظ الإلكترونية أو البطاقات الذكية التي تربط المواطنين مباشرة بالحسابات المصرفية.


4. رفع الوعي المجتمعي: يجب أن تكون هناك حملات توعية مكثفة لتعريف المواطنين بمزايا النظام الجديد وكيفية الاستفادة منه بشكل صحيح، بالإضافة إلى دورهم في الرقابة على حسن استخدامه.


5. تحسين آليات الرقابة والمتابعة: لضمان عدم إساءة استخدام الدعم النقدي، يجب إنشاء آليات مراقبة صارمة تتيح للحكومة مراجعة عملية توزيع الدعم وضمان وصوله إلى المستحقين.


6. تحفيز الإنتاج المحلي: في ظل النظام النقدي، سيكون من الضروري تعزيز الصناعات المحلية لزيادة الإنتاجية وضمان استقرار السوق. دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة سيكون له دور حيوي في هذا الإطار.


7. إجراء مراجعة دورية لأسعار السلع ومستوى الدعم النقدي، مع زيادة قيمة الدعم بما يتناسب مع ارتفاع أسعار السلع.


إن استبدال نظام الدعم العيني بالدعم النقدي في مصر ليس مجرد إجراء اقتصادي، بل هو خطوة ضرورية نحو تحسين كفاءة استخدام الموارد وتعزيز العدالة الاجتماعية. على الرغم من التحديات التي قد تواجه هذه العملية، إلا أن التحول التدريجي المدروس واستخدام التقنيات الحديثة يمكن أن يضمن نجاحها. بالنهاية، سيستفيد المواطنون من نظام دعم أكثر شفافية وعدالة، وسيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة.

google-playkhamsatmostaqltradent