recent
عاجـــــــــــــــــــــــل

الطريق إلى الطاقة النظيفة: كيف يغير التعدين في قاع البحار موازين القوة العالمية؟

 

الطريق إلى الطاقة النظيفة: كيف يغير التعدين في قاع البحار موازين القوة العالمية؟

الطريق إلى الطاقة النظيفة: كيف يغير التعدين في قاع البحار موازين القوة العالمية؟


إعداد - حسن سليم

في ظل التحولات العالمية المتسارعة، أصبح قاع البحار والمحيطات ساحة تنافس جيوسياسي جديدة بين القوى الكبرى. لم يعد التنافس مقتصرًا على الموارد التقليدية مثل النفط والغاز الطبيعي، بل شمل أيضًا المعادن النادرة الموجودة في أعماق البحار مثل الكوبالت والنحاس والمنجنيز، وهي معادن حيوية للصناعات الحديثة مثل السيارات الكهربائية والمعدات العسكرية، فضلًا عن التقنيات المنخفضة الكربون كالألواح الشمسية وتوربينات الرياح. يتناول هذا المقال الأهمية الاستراتيجية للتعدين في قاع البحار، ويستعرض جهود الدول الكبرى لتوسيع نفوذها في هذا المجال، إلى جانب المخاطر البيئية المرتبطة به.


الأهمية الاستراتيجية لقاع البحار


تتمثل أهمية التعدين في قاع البحار في استخراج الرواسب المعدنية القيمة التي توجد على عمق مئات أو آلاف الأمتار تحت سطح البحر. تشمل هذه المعادن النحاس والكوبالت والنيكل والزنك والفضة والذهب، وهي مواد أساسية لصناعة مكونات طاقة خالية من الكربون. كما يوجد في قاع البحر ثلاثة أنواع رئيسية من الرواسب المعدنية: قشور المنجنيز الحديدي الغنية بالكوبالت، الكبريتيدات متعددة الفلزات، والعُقيدات متعددة المعادن التي تحتوي على معادن نادرة. وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، تصل كمية العُقيدات متعددة المعادن في المياه الدولية إلى تريليوني طن، مع وجود حوالي 227 مليار طن من المنجنيز في قاع البحار.


وأصبح التنافس الجيوسياسي الآن لا يقتصر على النفط والغاز، بل يمتد إلى المعادن النادرة في قاع البحار، نظراً لاستخدامها في صناعات البناء والإلكترونيات والسيارات الكهربائية، وكذلك في الطاقة المتجددة. هذه المعادن أصبحت محورية في استراتيجيات مكافحة تغير المناخ، نظرًا لدورها في تقنيات الطاقة النظيفة. وتشير التوقعات إلى أن استهلاك هذه المعادن سيرتفع بشكل كبير بحلول عام 2040، وهو ما يجعل الرواسب البحرية محط اهتمام دول وشركات عديدة.


جهود الدول الكبرى لتوسيع نفوذها في قاع البحار


تسعى القوى الكبرى إلى التوسع في استثمار الموارد المعدنية في قاع البحار. الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، تهدف إلى أن تكون لها الكلمة الفصل في وضع قواعد التعدين في هذه المنطقة من خلال السلطة الدولية لقاع البحار (ISA). وقد خصص الكونغرس الأمريكي في مايو الماضي 2 مليون دولار لدراسة التعدين البحري، في خطوة لتوسيع إمدادات المعادن.


في المقابل، جعلت الصين التعدين في قاع البحار أولوية اقتصادية وأمنية ضمن استراتيجيتها للهيمنة على سلاسل توريد المعادن. وقد حصلت الصين على خمسة تراخيص لاستكشاف قاع البحار في المياه الدولية، وهي تخطط لبدء التعدين في 2025. وتؤكد الصين على أهمية هذه المعادن لتقنيات الطاقة الخضراء وأدوات الدفاع، مع سعيها لتوسيع هيمنتها على الطرق البحرية الاستراتيجية.


المخاطر البيئية للتعدين البحري


بينما يعتبر التعدين في قاع البحار ضروريًا لتلبية احتياجات العالم المتزايدة من المعادن، فإنه يحمل مخاطر بيئية جسيمة. فالتعدين قد يسبب تدميرًا للتنوع البيولوجي في قاع البحار ويهدد استدامة النظام البيئي البحري. يشير العلماء إلى أن الضرر الناتج عن التعدين قد يكون طويل الأمد، حيث يمكن أن تؤدي النفايات الملوثة إلى التأثير على الأسماك واللافقاريات التي تشكل جزءًا مهمًا من النظام البيئي البحري.


وبالإضافة إلى التأثيرات البيئية، تواجه عمليات التعدين تحديات فنية كبيرة بسبب تكلفتها العالية وتعقيدها. تتراوح تكلفة الآلات اللازمة لاستخراج المعادن بين 1 و5 ملايين دولار، كما تقع معظم الموارد البحرية خارج حدود السيادة الوطنية.


تعد المعادن في قاع البحار جزءًا أساسيًا من التحولات العالمية نحو الطاقة النظيفة والتقنيات الحديثة. ومع تزايد الحاجة إليها، يصبح التعاون الدولي أمرًا بالغ الأهمية لضمان استغلال هذه الموارد بشكل مستدام. ومع ذلك، من الضروري أن يُؤخذ في الاعتبار المخاطر البيئية التي قد تهدد التنوع البيولوجي في البحار. لذا، سيكون إنشاء إطار قانوني محكم لتنظيم التعدين البحري خطوة هامة لتحقيق توازن بين الاستفادة الاقتصادية وحماية البيئة البحرية.

google-playkhamsatmostaqltradent