أسرة متماسكة = مجتمع متماسك
بقلم د. ساره احمد
تعد الأسرة نواة المجتمع ، فإن صلحت صلح المجتمع، وإن تغيرت أدوارها وفقدت تماسكها واستقرارها اختل توازن المجتمع بأكمله، حيث أن المجتمع القوى يقوم على أسر قوية، ونحن فى أمس الحاجة لذلك لكى نتصدى للحروب الحديثة الموجهة إلى مجتمعنا المصرى والتى تستهدف زعزعة استقرار الأسر وتفكيك الروابط الأسرية، مما يخلق آثاراً نفسية كالقلق والاكتئاب وغيرها تؤثر على تماسك الأسر وقدرتها على التعامل مع التحديات مما يجعل أفراد المجتمع فريسة سهلة للإيقاع بهم من قبل أى عدو خارجى.
لقد اجتاحت آفة التفكك الأسرى أغلب طبقات مجتمعنا سواء المجتمع الريفى أو المجتمع الحضرى، تزامناً مع التغيرات الاجتماعية والثقافية السريعة والمتلاحقة التى يمر بها المجتمع, ولم يقتصر تأثيرذلك على الزوجين فقط بل امتد ليشمل الأبناء والمجتمع ككل، فأبناء الأسر المفككة بالإضافة لما يعانون من مشكلات نفسية فهم أكثر عرضة للانحراف والإدمان والاستقطاب من قبل الأشخاص غير الأسوياء وبالتالى تزداد معدلات الانحراف والجريمة فى المجتمع، وعلى النقيض عندما ينشأ الأبناء فى بيئة داعمة وسوية فإنهم يكونون أقل عرضة للانحراف.
والأبناء هم ثمرة الأسرة، فإذا كانت الأسرة صالحة كانت الثمرة طيبة، فالأسر التى تقوم بأدوارها فى التنشئة الإيجابية وتربى أبنائها على احترام القيم والعادات والتقاليد الأصيلة وعدم الانبهار بثقافة الغرب وتقليدها دون وعى ، تنتج جيل متزن متمسك بالقيم والمبادىء يساهم فى بناء وتقدم المجتمع ويحافظ على هويته، وذلك على عكس الأسر التى انشغلت بجنى الأموال وتحقيق الذات عن دورها الأساسى فى تربية الأبناء وإكسابهم القيم والمبادىء مما جعلهم فريسة للغزو الفكرى والثقافى الغربى وأصبحوا بمثابة آداة هدم للمجتمع بدلاً من أن يكونوا أداة بناء، والأسر الواعية هى التى تشجع أبنائها على المشاركة فى الأنشطة المجتمعية، مما يعزز قيم الانتماء والمواطنة والمسؤولية ويساهم فى بناء مجتمع أكثر نشاطاً وفعالية.
ويجب ألا نغفل أهمية لغة الحوار حيث تعد أداة أساسية للتواصل الفعال بين الأفراد سواء فى نطاق الأسرة أو المجتمع بشكل عام، فغياب لغة الحوار فى الأسرة سواء بين الزوجين وبعضهما أو بينهم وبين الأبناء أدى إلى سوء الفهم وعدم معرفة احتياجات الأفراد ورغباتهم وزيادة العنف الأسرى والتوتر والخلافات داخل الأسرة وتدهور العلاقات الأسرية ، فضعف وغياب لغة الحوار داخل الأسرة تسبب فى حدوث فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء وكان بمثابة شرارة أشعلت نيران الخيانة الزوجية والزواج العرفى بين الأبناء فى المدارس والجامعات وغيرها من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا والتى تتنافى مع الأديان والقيم والمبادىء، وكان لها أكبر الأثر فى هدم شمل الأسرة، لذا أناشد الأسر المصرية بتعزيز ثقافة الحوار والتواصل الفعال كوسيلة لحل النزاعات وبناء علاقات صحية بين أفراد الأسرة، وذلك من خلال تخصيص وقت للحديث مع الأبناء وسماع مشكلاتهم وتوجيه النصائح إليهم وكذلك تبادل الآراء فيما يخص الأمور المتعلقة بالأسرة، ليس هذا فحسب بل الحوار أيضاً بين الزوجين تجنباً لظاهرة الخرس الزواجى التى أصبحت تخيم على معظم البيوت المصرية.
ويقع على عاتق أجهزة الإعلام مسئولية توعية المجتمع بقضايا الأسرة وكيفية مواجهة التحديات وتحقيق التماسك الاجتماعى ، وذلك من خلال قيام وسائل الإعلام المختلفة سواء المرئية أوالمقروءة أو المسموعة بنشر الوعى والمعلومات المتعلقة بما يخص الأسرة من موضوعات كالعلاقات الأسرية والتربية الإيجابية للأبناء والتمكين الأسرى والعنف الأسرى وصحة الأسرة وغيرها،من خلال الصحف والمجلات والبرامج التليفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعى والندوات والمؤتمرات وورش العمل، وكذلك تسليط الضوء لعرض نماذج إيجابية لأسر متماسكة كحافز لبقية الأسر لاتباع أساليب التربية الإيجابية للأبناء ، مما يسهم فى رفع مستوى الوعى العام والحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع.
وأود أن أنوه إلى أن الوعى بقضايا الأسرة واحتياجاتها لا يقع على عاتق أجهزة الإعلام فحسب، بل يتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع بما فى ذلك المؤسسات التعليمية، والجهات الحكومية ، والمنظمات غير الحكومية، حتى يمكننا مواجهة التحديات التى تواجه الأسر وتؤثر على المجتمع، فعندما تتماسك الأسرة يمكنها مواجهة أى تحدِ معاً، والأسرة القوية هى التى تواجه التحديات معاً وتخرج منها أقوى.
وفى الختام فإن بناء أسرة سعيدة ومتماسكة يتطلب جهداً مستمراً من جميع أفرادها، فالأسرة هى الميراث الذى لا يقدر بثمن ، فحافظوا عليها ولا تقفوا مكتوفى الأيدى أمام انهيارها.
أسرة متماسكة = مجتمع متماسك