"الصديقات الأربعة"
مسرحية من ثلاثة فصول
الفصل الأول
(يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة، مديرة المدرسة تكرم الطالبات المتفوقات)
مديرة المدرسة: الأولى على القسم العلمي: الطالبة "سلوى رفعت جميل"
(تصعد سلوى وتتسلم شهادة التقدير مع تصفيق الطالبات).
مديرة المدرسة: الثانية على القسم العلمي: الطالبة "سالي وحيد حسن"
(تصعد سالي وتتسلم شهادة التقدير مع تصفيق الطالبات).
مديرة المدرسة: الثالثة على القسم العلمي: الطالبة "ريهام علي محمود"
(تصعد ريهام وتتسلم شهادة التقدير مع تصفيق الطالبات).
(في نهاية المسرح تقف فتاة منزوية عن بقية الفتيات. بعد انتهاء الحفل تقبل الفتيات المكرمات على تلك الفتاة يرفلن زهوًا وخيلاء، يحلقن حولها في دائرة ويدرن حولها في عكس اتجاه عقارب الساعة، وهن يحدجنها بنظرة سخرية واستعلاء)
سلوى: (باستعلاء) أنا الأولى، سأحقق حلمي، وألتحق بكلية الطب وأصبح دكتورة مشهورة.
سالي: (في زهو) مجموعي بين الطب والصيدلة، إن فاتني الطب، فلن تفوتني الصيدلة، المهم سأحصل على لقب دكتورة. "الدكتورة سالي".
ريهام: مجموعي يؤهلني لكلية الهندسة، أخيرًا تحقق حلمي أن أكون مهندسة وأمتلك شركة ضخمة.
سلوى: (لسما) كم مجموعك يا سما؟
سالي: لم نسمع اسمك ضمن أوائل الطالبات.
ريهام: أحقًا، حصلت على مجموع ضئيل؟
سما: نعم، لقد حصلت على 70%
سلوى: ههه ههه 70%
سالي: أما تخجلين من نفسك.
ريهام: (باشمئزاز) إنه مجموع يجلب لصاحبته الخزي والعار.
سلوى: من الآن صديقاتي سيكن طبيبات ومهندسات وفقط.
سالي: عندما أعود إلى المنزل، سأمحو كل صديقاتي القدامى، (باستعلاء) أنا من الآن دكتورة.
ريهام: لن أنتظر حتى أرجع إلى بيتي، أنا باشمهندسة، يعني عملية وسريعة في اتخاذ قراراتي، سأبدأ بعمل بلوك الآن، وأول بلوك لزميلتنا الفاشلة "سما".
(تخرج سلوى وسالي هاتفهما)
سلوى: بلوك لسما.
سالي: حظر لسما. باي باي يا سما.
(يترك الفتيات الثلاثة خشبة المسرح، وتبقى سما وحدها، وهي تبكي مما فعله زميلاتها معها)
(تتوسط سما خشبة المسرح في مواجهة الجمهور، تجفف دمعها بكلتا يديها، ثم تقف في إصرار وتحدٍّ وتشير بقبضة يدها وتهتف:
سما: لا، أنا لست فاشلة، سأثبت للجميع أنني لست فاشلة، سأبذل قصارى جهدي لأحقق حلم أبي ـ يرحمه الله ـ (تنحدر دمعتان على خدها فتمسحهما بكمها) لقد مرض أبي قبل امتحاني بشهرين، وكنت أسهر على تمريضه وعلاجه. لقد كنت متفوقة مثل صديقاتي بل أكثر، ولكن ظروف مرض والدي حالت دون أن أحقق التفوق مثلهن. ولكن مَن قال أن الطب والصيدلة والهندسة هي وحدها كليات القمة؟ أنا سأدخل كلية التجارة وأصبح أستاذة جامعية كما كان والدي يتمنى ولكن الموت عاجله قبل أن أحقق له هذا الحلم، أعدك يا أبي أن ابنتك ستحقق حلمك وتصبح أستاذة جامعية. سأصبح أستاذة جامعية رغم أنف الشامتين.
/////////////////////
الفصل الثاني:
المشهد الأول
(وحدة صحية ريفية، مقعد متهالك أمامه منضدة قديمة تقف بجانبه ممرضة).
سلوى: (تجلس في إعياء على المقعد) آآآه، لقد تعبت اليوم، كم العمل في هذه الوحدة الحقيرة مرهق للغاية وغير مجدٍ!
الممرضة: أهل قريتنا بالرغم من أنهم أغنياء وعندهم أطيان وبقر وخرفان، إلا أنهم يستخسرون في أنفسهم دفع ثمن كشف في عيادة خاصة.
سلوى: يوفروا وييجوا يقرفوني هنا. من حظي السيئ.
الممرضة: (بصوت منخفض) أنتِ لو كنت متفوقة ما كانت القوى العاملة رمتك علينا. (تزم شفتيها). حرام عليه اللي طلعك دكتورة.
سلوى: متى أحقق حلمي وأفتح عيادة خاصة، وأكون أشهر طبيبة فيك يا مصر.
الممرضة (في همس وهي تشلشل) بس افلحي هنا الأول، دا نص علاجك غلط.
(تدخل إحدى الزبائن وهي تصرخ، ابني، بيومي، كبدي، ضنايا بيومي بيموت. (تمسك في حناق الطبيبة) أنت السبب علاجك الغلط هيموت ابني، مش هاسيبك، هاسجنك، لو بيومي جرى له حاجة مش هارحمك. منك لله يا شيخة منك لله منك لله.
الممرضة: (تنادي مدير الوحدة الصحية) الحقنا يا دكتور، الحقنا يا دكتور، تعال بسرعة، في طفل بين الحيا والموت.
الطبيب: (يدخل مسرعا) أين الحالة؟ يقوم بإسعافها، ويتم إنقاذ الطفل. (يلتفت مدير الوحدة لسلوى) أنت موقوفة عن العمل ومتحولة للتحقيق.
////////////////////////////////
الفصل الثاني:
المشهد الثاني
(صيدلية متواضعة في إحدى الأزقة. سالي تقف في الصيدلية وحدها. يدخل زبون)
الزبون: لو سمحت يا دكتورة، ممكن تصرفي لنا الروشتة دي؟
سالي: (تنطر في الروشتة، تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة باللغة الإنجليزية) dexa لا لا desme طيب اللي بعده cefa لالا شكلها بيدي على cefo وإيه دي كمان warfarin لا دي ما أخدتهاش في الكلية. (تنظر للزبون) ما أسوأ خط الأطباء! اتصل بالطبيب يخبرك باسم الدواء المطلوب.
الزبون: أف. كل مرة آجي لك هنا وتشتكي من خط الطبيب. زميلك اللي في الفترة المسائية بيصرف لي الروشتة بسرعة ومن غير ولا كلمة. أنت ليه مش زيه؟
سالي: ولماذا لم تأت له في الفترة المسائية؟
الزبون: لأني مضطر، عاوز الدوا لأمي المريضة. الحُوجة يا دَكتورة، دَكتورة إيه؟ الحوجة يا مُدام، والله حرام عليه اللي طلعك دَكتورة، وحرام عليهم اللي شغلوك عندهم.
سالي: (تشير بسببتها في وجهه) بقولك إيه الزم حدودك وما تغلطش.
الزبون: لا أغلط فيك ولا تغلطي فيَّ (ينزع الروشتة من يدها بقوة) سأذهب إلى صيدلية أخرى يكون فيها دكتورة بتفهم.
سالي: زباين آخر زمن، العيب مش عندي، العيب في خط الدكتور. أيوا صح كده، العيب في الدكاترة اللي خطها وحش وما بيتقريش.
(يدخل صاحب الصيدلية وهو غاضب)
صاحب الصيدلية: إيه حكاية الزبون اللي خارج من الصيدلية وهو بيذم في الصيدلية؟
سالي: سيبك منه، زباين آخر زمن.
صاحب الصيدلية: زباين آخر زمن! دا عاشر زبون يطفش من الصيدلية بسببك. دا غير الشكاوى اللي بتجيني كل يوم إنك بتصرفي علاج غلط.
سالي: ما حصلش، أكيد ناس حاقدة عليَّ.
صاحب الصيدلية: حاقدة عليك! على إيه يا أختي، من فلاحتك؟ الصيدلية بتشغي زباين على حسك؟ بصي بقا م الآخر كده أنا مش مستعد أقفل الصيدلية بسببك. سلمي العهدة ومع السلامة.
(سالي تخلع البالطو الأبيض، وتخرج منكسة الرأس).
///////////////////
الفصل الثاني:
المشهد الثالث
(شركة المقاولات للبناء والتعمير، طاولة للرسم الهندسي وأدوات هندسية)
ريهام: (وهي تتأمل ما رسمته) تقاطع أفقي رأسي مع انحناء دائري في مستوى البُعد ال ال رسمة عبقرية بجد، والله أنا خسارة في الشركة دي.
(يدخل مدير الشركة، وينظر في الرسم الهندسي)
مدير الشركة: (يفغر فاه في دهش) ما هذا يا باشمهندسة؟ شباك الحمام يفتح في أوضة النوم، إيه ده إيه ده كمان بلكون أوضة النوم بتفتح في الصالة؟ إيه العك ده يا باشمهندسة؟
ريهام: ما هو يا أفندم مساحة الأرض صغيرة جدًا والزبون عاوز بلكونة وعاوزآآآآ..
مدير الشركة (مقاطعًا) عاوز إيه؟ أنتِ تعملي الصح مش اللي الزبون عاوزه. (متوعدًا) وخدي بالك دي آخر فرصة لك في الشركة قبل كده ضيعت من الشركة مشروع الإسكان الاقتصادي اللي اترفض بسبب رسوماتك الغلط. ومشروع شاليهات الساحل الجديد كان هيكسب الشركة مئات الألوف، راح مننا بسبب رسوماتك الخزعبلية.
ريهام: ما هو يا أفندم...
مدير الشركة: ما هو إيه؟ اعملي حسابك، دي آخر فرصة لك وإلا هافصلك من الشركة.
(يخرج صاحب الشركة)
ريهام: (في حزن) وأنا ذنبي إيه؟ العيب عندهم مرة يجيبوا لي مساحة أرض صغيرة ومرة يجيبوا لي مساحة أرض كبيرة، ودا كله غير اللي درسته في كلية الهندسة. نفسي بقا أبقى صاحبة شركة كبيرة وأنا أقفل لهم الشركة التعبانة دي.
مدير الشركة: (يدخل غاضبًا) خربتِ بيتي منك لله، العمارة اللي اتبنت برسوماتك الغلط، وقعت قبل ما تتسلم، والمالك رفع قضية على شركتنا.
سالي: أنا ما ليش ذنب، أكيد المقاول سرق في الحديد والمونة.
صاحب الشركة: والمقاول أنكر، وقال رسمك الهندسي هو السبب في انهيار العمارة، وإلى أن ينتهي التحقيق أنت موقوفة عن العمل.
(تخرج سالي من المسرح منكسة الرأس).
//////////////////////
الفصل الثالث:
المشهد الأول
(قاعة المناقشات بإحدى الجامعات، على المنصة ثلاثة من لجنة المناقشة والحكم، وعلى المقعد الآخر الباحثة. ثم يقف الجميع لإعلان نتيجة المناقشة)
الأستاذ المشرف: قررت اللجنة بالإجماع منح الباحثة "سما أحمد مراد" درجة الدكتوراة في الاقتصاد بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بالطبع والتداول بين الجامعات.
(تذهب سما لتصافح اللجنة)
الأستاذ المشرف: أتوقع لك مستقبلًا زاهرًا يا دكتورة سما.
سما: ممتنة لك معالي الدكتور كله بفضل الله ثم توجيهاتك السديدة.
أحد المناقشين: مكانك محفوظ في مجموعتنا الاقتصادية، منتظرك غدًا ومسوغات تعيينك جاهزة ع التوقيع.
سما: لكن طموحي في الجامعة والبحث الأكاديمي.
المناقش الآخر: الاختيار الصحيح هو أن تجمعي بين العمل الأكاديمي والعمل الاقتصادي.
سما: سأبذل قصارى جهدي لأوازن بين رسالتي كباحثة وعملي في مجال الاقتصاد.
الأستاذ المشرف: وستنجحين فيهما بإذن الله.
(يغادرون خشبة المسرح)
//////////////////////////////
الفصل الثالث:
المشهد الثاني
(على خشبة المسرح جهة اليمين تجلس سلوى شاردة، وفي الوسط تجلس سالي حزينة ويسار المسرح تجلس ريهام مكتئبة)
(يصعد ساعي البريد يحمل خطابات ثلاثة)
ساعي البريد: بسطة بسطة (يتجه نحو سلوى) يناولها الخطاب.
سلوى (تفض الخطاب) دعوة من مكتب رئيس الوزراء لحضور احتفالية في فندق ميركيور بالهرم. يا لها من دعوة غريبة. لا لا ليست غريبة، أكيد سمعوا عن نجاحي كطبيبة فحبوا يكرموني. (تضرب كفًا بكف) لخوفي تكون أم بيومي هناك. (لحظة صمت) وإيه هيوصل أم بيومي لرئيس الوزراء. هو أكيد تكريم لمسيرتي المهنية العظيمة، وأكيد هاشتغل في مستشفى استثماري وأقبض بالدولار.
//////
ساعي البريد: بسطة بسطة (يتجه نحو سالي) يناولها الخطاب.
سالي: واو، مكتب رئيس الوزراء مرة واحدة، ييجي الدكتور صاحب الصيدلية الكحيانة يشوف الأملة اللي أنا فيها. أكيد عاوزني أدير صيدلية في موقع استراتيجي مهم. صح هو ده، أخيرًا لقيت اللي يقدر خبرتي الكبيرة ومهاراتي العظيمة.
///////
ساعي البريد: بسطة بسطة (يتجه نحو ريهام) يناولها الخطاب.
ريهام: أكيد رئيس الوزراء سمع عن رسوماتي الهندسية العبقرية، وعاوز يسلمني مشروع من المشروعات السكنية في المدن الجديدة، أو أقدم لهم رسمًا هندسيا لناطحة سحاب. أوه وقتها سأطلب منه أن يمنحني شقة في الطابق الأخير أراقب منها السحب وهي تتحرك (تهوي بقبض يدها في الهواء) yes!
//////////////////
الفصل الثالث:
المشهد الثالث
(ارتدت كل واحدة منهن أجمل وأزهى ثيابها، وهي تحلم بتبدل حالها إلى الأحسن. وصل ثلاثتهن إلى الفندق، كانت هناك منضدة محجوزة لهن عليها أربعة مقاعد. تبادلن القبلات الباردة، والأحضان الجافة، وجلست كل واحدة منهن على مقعد وبقي المقعد الرابع شاغرًا)
سلوى: منذ سنوات لم نلتقِ، عملي في العيادة الخاصة يأخذ كل وقتي.
سالي: لقد انشغلت في عملي بالصيدليات التي أملكها.
ريهام: صاحب الشركة لا يثق إلا بي كل المشروعات الكبيرة للشركة يحولها إليَّ.
الصديقات الثلاثة: نظرن إلى المقعد الخالي وتساءلن في صوت واحد) لمن هذا المقعد؟
(بمجرد أن سألن حتى جاءت "سما" وجلست عليه، فرحن يتفرسن فيها في دهشة)
سلوى: مَن؟ سـ سـ سـ سـ سما؟
سالي: ماذا تصنعين هنا؟
ريهام: (بسخرية) أكيد تعمل جرسونة هنا، تشربوا إيه يا جماعة، أنا عزماكم.
(ضحكت الصديقات الثلاثة)
سما: (في ثقة) بعد قليل ستعرفن ماذا أصنع هنا؟
(ظهر بين الحضور السيد رئيس مجلس الوزراء، حياه الحضور، وانتفخت أوداج الصديقات الثلاثة)
رئيس الوزراء: هذه الاحتفالية على شرف أصغر وزيرة في تاريخ الوزارة، معالي وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة "سما أحمد مراد".
(تتجه سما لتحية رئيس الوزراء، والقاعة تضج بالتصفيق)
سما: أنا من ثرى هذا الوطن، نبت في أرضه السمراء، وارتويت من نيله الخالد، كافحت لأحقق حلم أبي ـ يرحمه الله ـ في أن أكون أستاذة جامعية، لا زلت أذكر كلماتِه الأخيرةَ لي قبل رحيله: ليس المهم أية كلية تدخلين، ولكنَّ المهم أن تثبتي نفسك وتتميزي في المجال الذي تحبينه. لا توجد كلية قمة، ولكن يوجد إنسان هو في القمة. (ضجت القاعة بالتصفيق).
(فتح البوفيه، تقدمت سما من زميلات الدراسة القدامى، دعتهن للبوفيه)،
سما: (لزميلاتها) هيا لتناول الطعام.
(قمن منكسات الرأس، وغادرن المكان، وخرجت كل واحدة منهن من ناحية غير ناحية الأخرى: سلوى من جهة اليمين، وسالي من الوسط، وريهام من جهة اليسار).
ستار
