صلة الأرحام مظهر من مظاهر الفرحة في العيد PDF
بقلم: د. سعيد محمد المنزلاوي
صلة الرحم
تترجم صلة الأرحام عن مبلغ الفرحةِ بالعيدِ، فالعيد لا تكتمل فرحته إلا من خلال هذا التواصل الاجتماعي الحميد، وهذا السلوك الإنساني النبيل، والذي يتواصل فيه الأقرباء ويتبادلون التهاني ويتفقدون أحوال ذويهم. إن توطيد العلاقات بين الأقارب سبيله صلةُ الأرحامِ، وهي الصلة الأقوى في العلاقات الإنسانية على تباينها وتنوعها، فكل رابطة يمكن أن تنفصم عراها، إلا عرى صلة الرحم، لأن الرابطة التي تجمع بين الأقارب هي الرحم، وهي من القوة والثبات ما يجعل لها الصدارة بين شتى العلاقات، ويحقق لها من المتانة والقوة ما يجعلها تقف سدًا منيعًا في مواجهة أي إعصار يحاول المساس بجذورها، أو النيل من دعاماتها الصلبة المتشبثة في جذور العائلة، والممتدة بتمدد تلك الفروع المنبثة عن جذورها الوطيدة. يمكنك إنهاء أية علاقة أو رابطة تربطك بغيرك، إلا رابطة الرحم، فليس لك إلى إنهائها سبيل.
ماذا قالت الرحم:
يقولُ المصطفَى ﷺ:” إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ فَهُوَ لَكِ“، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. (البخاري).
وعن عائشةَ_ رضي اللهُ عنها_ قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: "الرحمُ معلقةٌ بالعرشِ تقولُ: مَن وصلنِي وصلَهُ اللهُ، ومَن قطعنِي قطعَهُ اللهُ". (متفق عليه).
أجر من يصل رحمه:
وقد أعدَّ اللهُ تعالى الأجرَ الكبيرَ والثوابَ الجزيلَ لمَن يصلُ رحمَهُ، قال ﷺ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". (متفق عليه).
وجُعلتْ صلةُ الرحمِ مِن كمالِ الإيمانِ، فعن أبي هريرةَ- رضي اللهُ عنه- أنَّهُ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ:
"مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليكرمْ ضيفَهُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليصلْ رحمَهُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرًا أو ليصمت". (متفق عليه).
من هو الواصل؟
وقد يتعذرُ البعضُ بأنَّهُ يصلُ رحمَهُ وقرابتَهُ ولا يجدُ منهم مثيلَ صلةٍ، بل يجدُ مِن الجفوةِ والصدودِ ما يصرفهُ عن صلتهِم، فيقطعُ الصلةَ برحمِهِ، فهذا ليس بواصلٍ، يقولُ ﷺ عن ذلك: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا". (البخاري). وهذا ما أمرُ اللهُ بهِ نبيَّهُ ﷺ، عندما أنزلَ اللهُ قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} قال رسولُ اللهِ ﷺ: "ما هذا يا جبريلُ؟ "قال: إنَّ اللهَ أمركَ أنْ تعفوَ عمَن ظلمَكَ، وتُعطيَ مَن حرمَكَ، وتصلَ مَن قطعَكَ". (تفسير ابن كثير).
آثار قطيعة الرحم:
إن الحديث عن صلة الأرحام حديث ذو شجون، فقد أمست قطيعة الأرحام ظاهرة تستوجب التوقف عندها، فقد فشت وانتشرت بصورة تثير المخاوف من تهدم بنيان العائلة بعد أن تصدعت الروابط الاجتماعية بين الإخوة وبعضهم، وبين القريب وقريبه.
وكان من آثار ذلك زيادة وطأة الفاقة والعوز بالبعض، ويجهل حاله قريبه، وقد يكون ملتصقًا به التصاق الجدار بالجدار. شيء مهين أن يتسول قوته ويستجدي علاجه من الغرباء، وأولى به أن يستر عوزه، ويقيل عثرته قريبُه.
ولأمر ما خلق الله الرحم، وجعلها تتعلق بالعرش، وتستجير بالله عز وجل من القطيعة، إذ إن قطيعة الرحم فساد كبير في الأرض، وإضعاف لشوكة المسلمين، حين تفقد الروابط، وتتمزق العلاقات، وتنقطع الروابط، فيسهل العبث بهم، وإسقاطهم في الشرَك، واصطيادهم فرادى. وما ينطبق على أفراد العائلة الواحدة، ينطبق على الدول الإسلامية، فالمسلمون جميعًا جسد واحد، ويجسد هذا المعنى في صورة تنبض بالحياة قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". (أخرجه مسلم).
وختامًا
لا تكتمل فرحة العيد إلا بالتزاور والتواد وعودة التواصل بين الأقارب، ولمّ الشمل، والمشاركة في الأفراح والأتراح، ومساندة القوي للضعيف، وصلة الغني للفقير، وعيادة الصحيح للمريض. وهل العيد إلا أن تسهم في رسم بسمة على الشفاه المجدبة، وإدخال السرور على قرابتك بودك وتواصلك معهم.