السيسي وماكرون في زيارة استراتيجية لمحطة عدلي منصور العملاقة وخط المترو الثالث
في مشهد يعكس عمق العلاقات المصرية الفرنسية، قام الرئيس عبدالفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بجولة تفقدية مهمة داخل محطة عدلي منصور المركزية التبادلية، أحد أبرز إنجازات البنية التحتية الحديثة في مصر، إلى جانب زيارة عدد من محطات الخط الثالث لمترو الأنفاق، والذي تتولى تشغيله شركة فرنسية كبرى بالتعاون مع الجانب المصري.
انطلقت الجولة من قلب المحطة التي باتت تُعد نموذجا عالميا في التكامل المروري، حيث تضم مجمع نقل متكامل الخدمات ومنطقة تجارية استثمارية شاسعة تمتد على مساحة خمسة عشر فدانا، وتُعد نقطة التقاء لخمسة وسائل مواصلات عصرية، هي مترو الأنفاق، والقطار الكهربائي الخفيف، وسكك حديد عدلي منصور – السويس، والسوبرجيت، والأتوبيس الترددي. هذه المحطة التي حصدت عام 2022 جائزة أفضل مشروع نقل عالمي من مؤسسة ENR العالمية، تجسّد اليوم روح التعاون الدولي وتوجهات التنمية المستدامة.
خلال الجولة، استقل الرئيسان أحد قطارات الخط الثالث للمترو، انطلاقًا من محطة عدلي منصور وصولًا إلى محطة هشام بركات، بحضور رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي ولفيف من الوزراء من كلا البلدين، إلى جانب رؤساء شركات فرنسية بارزة تشارك في تنفيذ مشروعات كبرى بمصر.
على هامش الزيارة، أكد الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة والنقل، أن هذه الزيارة تحمل دلالات رمزية قوية، تعكس متانة العلاقات الثنائية بين القاهرة وباريس، وحرص القيادة السياسية في البلدين على دفع عجلة التعاون المشترك نحو آفاق أرحب، بما يخدم المصالح المشتركة ويحقق تطلعات الشعبين.
وأشار الوزير إلى أن التعاون مع الشركات الفرنسية في تنفيذ المرحلة الثالثة من الخط الثالث للمترو يمثل امتدادا لعقود من الشراكة المثمرة، بدأت منذ ثمانينات القرن الماضي، وشملت تنفيذ الخطوط الثلاثة للمترو، بمشاركة شركات فرنسية عملاقة في مجالات الأعمال النفقية والمدنية والكهروميكانيكية والاستشارية، إلى جانب التعاون في تحديث نظم الإشارات لخطوط السكك الحديدية.
كما لفت إلى الدور المحوري الذي تؤديه شركة RATP الفرنسية في تشغيل وإدارة الخط الثالث للمترو والقطار الكهربائي LRT، فضلًا عن شركة CMA التي تدير محطة تحيا مصر بميناء الإسكندرية، ما يعكس ثقة الدولة في الشراكات الدولية لتعزيز كفاءة منظومة النقل.
وفي خطوة تعكس طموح مصر لتوطين الصناعات المتقدمة، كشف الفريق كامل الوزير عن مشروع ضخم يجري تنفيذه بالتعاون مع شركة الستوم الفرنسية، لإنشاء مجمع صناعي في مدينة برج العرب على مساحة أربعين فدانا، يضم مصنعين لإنتاج الأنظمة الكهربائية ومكونات السكك الحديدية، ومصنعًا آخر لصناعة الوحدات المتحركة بجميع أنواعها. وأوضح أن هذا المشروع يأتي تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي لتوطين الصناعات الثقيلة في مصر، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير آلاف فرص العمل، وتعزيز التصدير إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا.
الوزير أشار إلى أن الحكومة المصرية تتطلع لزيادة التعاون مع فرنسا في مجالات الصناعات عالية الجودة، مستعرضًا حزمة من الحوافز التشريعية والاقتصادية التي أقرّتها الدولة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وعلى رأسها تلك الموجهة لقطاعات النقل والطاقة الجديدة والمتجددة، ومنها الهيدروجين الأخضر وطاقة الرياح.
كما أبدى رغبة مصر في تعزيز التعاون مع فرنسا لتوطين صناعة السيارات الكهربائية، وهي من الصناعات المستقبلية الواعدة، مشيرًا إلى أن مصر وضعت الأطر التنظيمية لهذه الصناعة من خلال المجلس الأعلى للسيارات، وأن مناطق مثل شرق بورسعيد الواقعة في قلب المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمثل فرصة ذهبية لاستضافة هذه الصناعات.
واختتم الفريق كامل الوزير تصريحاته بالإشارة إلى اجتماعات مرتقبة مع وفد الشركات الفرنسية المرافق للرئيس ماكرون، لبحث فرص جديدة للاستثمار في مصر سواء من خلال تأسيس مصانع أو التوسع في الأنشطة الصناعية القائمة، وذلك في إطار التوجه الاستراتيجي لجعل مصر مركزًا إقليميًا للصناعة والتصدير، والتكامل مع الشركاء الدوليين وفي مقدمتهم فرنسا.
زيارة السيسي وماكرون ليست فقط محطة بروتوكولية ضمن جدول العلاقات الثنائية، بل تجسيد فعلي لرؤية مشتركة في الاستثمار بالمستقبل، حيث تتقاطع فيها خطوط التنمية والبنية التحتية والصناعة والنقل، لتعكس أن التعاون بين القاهرة وباريس لم يعد خيارًا، بل شراكة استراتيجية قائمة على الثقة والطموح المشترك.