فراشة الأندلس ولادة بنت المستكفي PDF
بقلم: د. طارق عتريس أبو حطب
أمين عام ائتلاف الشعراء العرب
كانت الأندلس قديما، قبلة الإسلام في المغرب، و لا زالت تمثل بطرازها الفريد حضارة إسلامية متميزة، ختى وإن درست آثارها فلا يزال فيها العديد ن الشواهد الناطقة بعظمة المسلمين الأوائل، و مدى ما وصلوا إليه من رقي مبكر في وقت كانت أوربا تغط فيه في سبات عميق،وظلام دامس طويل.
ونطالع في هذه السطور القادمة قطفا من حياة إحدى شواعر الأندلس الخالدات،التي شغلت مساحات لا بأس بها، في كتب التاريخ، والأدب،فهي الأنثى الجميلة التي أورثتها أمها جمالها الأسباني الساحر، و العاشقة الولهى التى حرمت الشعراء، و رجالات الأندلس النوم، ،إنها "ولادة بنت المستكفي"، وقد و رد في كتاب " الصلة في تاريخ أئمة الأندلس " لمؤلفه " ابن بشكوال "في ترجمة ولادة بنت المستكفي:" هي ولادة بنت الخليفةالأموي الأندلسي محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر عبد الرحمن بن محمد،الملقب بالمستكفي بالله"، لم يذكر المؤرخون موعدا محددا لولادتها أو وفاتها بشكل دقيق، إلا أنهم أكدوا جميعًا أنها عاشت لفترة طويلة جدًا، وتوفيت وعمرها ما بين الثمانين والخمسة وثمانين عامًا.
نشأت ولادة في قرطبة حاضرة الاندلس، في مجتمع قرطبة قد ورثت «ولادة بنت المستكفي» عن أمها " سكرى " جمالها الإسباني الأوروبي، فأخذت عنها بشرتها البيضاء الحليبية، وشعرها الأصهب الساحر، وعينيها الزرقاوين كلون البحر، وجرأتها التي جعلتها تخالط كبار رجال الدولة والشعراء في وكانت تحظى بحب واحترام كبيريْن؛ لثقافتها ولفصاحتها الشعرية ولجمالها، تحررت ولادة من قيود والدها ، إلى الزعم بجرأتها، و المجاهرة بتحررها؛ فحدثوا عنها: إنها كانت جريئة بالمجاهرة بعشقها، وبملذاتها، و السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها ، فقد كانت مثالا رائعا للعفة، والشرف في حياتها، ذكر ابن شاكر الكتبي في " فوات الوفيات " أنها كانت "حسنة المحاضرة، مشكورة المذاكرة، مشهورة بالصيانة والعفاف"، كانت الأميرة ولادة بنت المستكفي بشاعريتها وألقها وجمالها الذي لم يقف حجاب بينه وبين ناظريها، كل ذلك جعلها أميرة القلوب، فوقع في حبها الكثيرون، وكان أهمهم وأشهرهم: ابن زيدون، وكذلك أبو عبيد الله القلاسي وأبو عامر بن عبدوس؛ اللذان كانا من أشد منافسي ابن زيدون في حبها، وقد هاجمهما ابن زيدون بقصائد لاذعة، فانسحب ابن القلاسي، ولكن ابن عبدوس غالى في التودد إليها، وأرسل لها رسالة ليستميلها إليه، فلما علم بها ابن زيدون، كتب إليه رسالة على لسان ولادة، وهي الرسالة المعروفة بالرسالة الهزلية، التي سخر منه فيها، وجعله أضحوكة، وعاش ابن زيدون أيامًا سعيدة مع أميرة حبه «ولادة»، وظلت الأميرة ولادة طيلة حياتها العامرة بالسنين قمرًا يطلع، ويأفل في عيون خطاب ودها، وشمسًا تشرق وتغيب في خيال عشاقها، إلى أن ماتت سنة ثمانين أو قيل أربع وثمانين وأربعمائة للهجرة، ومات ابن زيدون، وماتت ولادة، وبقي حبهما يحكي، وأشعارهما تخلد ذكراهما على مر التاريخ، و تتابع الأزمان، و صارت قصة عشقهما حديثا للقاصي، و الداني.