«صقر 151» يحلق في سماء السويس PDF
بقلم: السيد أنور
لم تكن فعاليات التدريب العملي المشترك «صقر 151» بمدينة السويس مجرد مناسبة عابرة تسجل في الأرشيف، بل كانت شهادة حية على كيف يمكن لمحافظة أن تتحول إلى كيان نابض بالحياة، يقظ في مواجهة كل طارئ، فقد أثبت المحافظ اللواء أركان حرب طارق حامد الشاذلي، أنه قائد يعرف أن الحفاظ على أرواح الناس لا يأتي إلا بالتخطيط والجاهزية والعمل الجماعي المتقن.
في كل مشهد من مشاهد التدريب، كان المحافظ حاضرًا بعقله وقلبه، يتابع التفاصيل الدقيقة، من حركة المعدات على كورنيش السويس الجديد، إلى ملامح وجوه المشاركين في محاكاة انهيار عقار، وحتى صوت دارس في فصل لمحو الأمية ينطق بكلمة جديدة تعلّمها، فيرى فيها المحافظ خطوة أخرى نحو مجتمع أكثر وعيًا وقدرة على مواجهة التحديات. هنا، لا يظهر المحافظ كرجل إدارة تقليدي، بل كمن يؤمن أن بناء الأوطان يبدأ من لحظة استعداد، ومن قدرة على قراءة المجهول قبل أن يقع.
ولعل ما أضفى على المشهد بعدًا إنسانيًا عميقًا، هو هذا التوازن الذي نجح في رسمه بين إدارة الأزمات ومواساة القلوب. لم تكن دقيقة الصمت على أرواح الشهداء مجرد طقس رسمي، بل لحظة يتوقف فيها الزمن لتتجسد فيها قيمة التضحية، وتُستحضر فيها بطولات شعب السويس الذي لم ينكسر يومًا. وعندما وقف المحافظ يُكرّم أسر الشهداء، بدا المشهد وكأن المدينة كلها تمد يدها لتحتضن أبناءها في وقت الوفاء.
المثير في الأمر أن التدريب لم يقتصر على السيناريوهات المعتادة، بل امتد ليطرق باب المستقبل، حين دخل الأمن السيبراني على جدول النقاش، ليؤكد أن محافظ السويس لا ينظر تحت قدميه، بل يحدق في الأفق البعيد، حيث تتشكل حروب من نوع جديد، لا تُواجه بالمعدات الثقيلة بل بالوعي والمعرفة والبنية الرقمية المحكمة.
ما حدث في السويس لم يكن محض صدفة، بل نتيجة عمل تراكمي، وثقافة إدارية تنمو، وقيادة تنحاز للمسؤولية قبل أي شيء. لقد رسمت المحافظة مشهدًا متكاملًا لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدولة ومواطنيها، حين تتسلّح بالعلم والانضباط وروح الفريق.
السويس كانت دائمًا بوابة النار التي تصدت للغزاة، واليوم تُثبت من جديد أنها قادرة على الوقوف في وجه العواصف، لا بهتافات الماضي وحده، بل بخطى الحاضر ومهارة الاستعداد. ويكفي أن نعلم أن وراء هذا كله، يقف محافظ يحمل في داخله إدراكًا عميقًا بأن حماية المدن لا تبدأ فقط من صد الهجمات، بل من بناء الإنسان وتأهيل المؤسسات، واستحضار كل ما يجعل الوطن مستعدًا دائمًا لما لم يأتِ بعد.