فضفضة مع محب لوطنه
بقلم: محمد الطويل
الراحل العظيم دكتور جمال حمدان خير من صور تأثير البيئة على تكوين الإنسان، وربط جغرافية الأماكن بالأحداث والاطماع السياسية.. ومن أقواله الخالدة : إذا كان الوادي اهدانا الدعة والمال، فإن الصعيد تجسدت فيه الرجال؛ وبقياس المثل نقرر أنه إذا كانت العاصمة هى قاهرة الأعداء ومصدر الدفء والانشغال، فإن سيوة منحتنا الطيبة والبساطة والطبيعة الساحرة والجمال.
بمجرد أن تطأ قدمك ميدان المسجد الكبير الذى أنشأه الملك فؤاد مقلبا نظرك على قلعة شالى العتيقة ، والنخيل الذى تأكل منه وأنت متكئ على اريكتك، مرجعا البصر إلى وجوه ترفض التلون، أو التمسك بالأماني التى تنسج على خيوط العنكبوت، أو حتى التعاطي مع أناس يرون أنفسهم رقباء على الفساد ولكنهم فى الواقع أعجاز نخل خاوية، لا وطن لهم إلا مصالحهم، وما يوافق اهواءهم.
من هذه النماذج رجل بشوش الوجه، دأب على خدمة أهله ووطنه، فى لقائه بكبار القادة تراه ندا لهم ، وإذا التقى صاحب الحاجه أو الطفل الصغير تراه بسيطا جالسا على الأرض يحادثه بروح الأب، شعبيته لسان حالها يقول أنه بلا مراء خليف شيخ المشايخ بسيوة، الشيخ عبدالرحمن الدميرى، لا يزعجه النقد لأنه يدرك ويظن دوما، والظن هنا بمعنى اليقين، أن من تفرغ للعمل العام لابد أن يتبرع بجزء من كرامته، وان التوفيق من الكريم المتعال يتخطى كل الأدوات والوسائل والجهات، أنه آدم الهيئة، كحيل الاهداب، راجح العقل، الشيخ عمر راجح، رمز الاحترام والكرم، ونماذج للرجل الوطنى المخلص، الذى يملك حرفية واضحة، وفهم متعمق لسيادة القانون وروح العرف التى لن تنفصل عن روح المصريين الا بحلول الساعة.
الشيخ راجح حينما تحدث مرتجلا بفعالية ثقافية بالجزائر بحضور وزير ثقافتها، أدرك أن احترام اللغة واللون أساس فى بناء الشعوب، ولم يكف الحضور عن التصفيق، ولم تكف وسائل الإعلام عن التواصل وترجمة كلمته، ليس لأنه اديب مفوه، أو كتب له صحفي مخضرم، بل لأنه اختار الحديث بلغته الأمازيغية، عارضا سيوة فى ثوبها الحقيقى دون مكياج، ولم يتشدق بألفاظ من اللغة الإنجليزية، أو أن يتلون بغير لونه.
لذا حينما نتجه لإنعام النظر فى تكوين مصر لابد من مراعاة أن من يسكنون الصحراء وبعض المناطق الحدودية مثل سيوة - ينبغى أن يكون التفاعل معهم بمشرط دقيق، يراعى طبيعة التكوين والبيئة، فالبيئة رغم أنها فى كثير من الأحيان خرساء إلا أنها تنطق من خلال الإنسان، وربما تكون جغرافية المكان صماء لكن ما أكثر ما كان التاريخ لسانها، فهو ظل الإنسان على الأرض، كما أن الجغرافيا هى ظل الأرض على الزمان .