حسن سليم يكتب: «حينما التقت براءة طفلة بوجع عابر»
قصة هايدي طفلة الشيبسي بكل تفاصيلها كانت درسا صريحا للكبار.. فبينما نحن نغرق في انشغالات الحياة ونحسب ألف حساب قبل أن نمد يد العون، جاءت هايدي لتثبت أن البراءة قادرة على اختصار الطريق.. فالعطاء عندها لم يكن تفضلا.. بل كان جزءا طبيعيا من فطرتها.
السوشيال ميديا التقطت المشهد وحولته إلى قصة متداولة والناس صفقوا وامتلأت القلوب بالدهشة والإعجاب.. لكن يبقى أن نتعلم من هايدي ما هو أبعد من التصفيق.. أن ندرك أن الخير لا يحتاج دائما إلى مؤسسات ضخمة.. بل قد يصنعه قلب طفلة وبضعة جنيهات..
ولعل أجمل ما في القصة أن هايدي لم تفكر في نفسها لحظة.. ولم تفكر أن الرجل قد يكون غريبا لا تعرفه.. فكرت فقط أن هناك قلبا مثقلا يحتاج إلى لحظة رحمة وأن بيدها أن تقدمها.
هذا المشهد يذكرنا بأن الطفولة لا تعرف الزيف وأن البساطة أحيانا أصدق من كل التعقيدات.. طفلة صغيرة لم تتوقع أن تصبح حديث الناس لكنها صنعت صورة إنسانية ستبقى في الذاكرة.
هايدي لم تضع فقط ثمن الشيبسي في يد الرجل بل وضعت في قلب المجتمع كله سؤالا كبيرا وهو هل يكفي أن نصفق لمثل هذه اللحظات؟ أم أن علينا أن نتعلم كيف نصنعها نحن أيضا؟
قصة كيس الشيبسي في حقيقتها أكبر من ذلك بكثير.. إنها قصة لقاء عابر بين قلب طفلة ويد رجل ممتدة.. لحظة لم تسجل في كتب التاريخ.. لكنها سجلت في قلوبنا درسا لا ينسى بأن الإنسانية قد تنبت في أصغر الأيادي لتعيد الدفء إلى أكبر القلوب المنهكة.
قد تكون الطفلة هايدي مجرد بداية لتذكيرنا أن الإنسان يمكن أن يتجرد من أنانيته ولو لحظة.. بداية لتسليط الضوء على أزمة الشحاذين الذين يملؤون الشوارع.. بداية لإعادة التفكير في مفهوم العطاء.. هل هو أن نعطي ما يفيض عنا فقط.. أم أن نتخلى عن شيء نريده نحن من أجل آخرين؟
القصة تحمل أكثر من درس.. أهمها أن الإيثار فطرة، فالطفلة لم تدخل في جدال داخلي طويل.. بل تصرفت بعفوية.. بينما نحن الكبار نغرق أحيانا في الحسابات والتبريرات.. كما تكشف القصة أن القيمة ليست في حجم العطاء بل في توقيته.. وهي أيضا دليل على أن التربية تصنع المعجزات، فكل ما يراه الطفل في أسرته ينعكس على سلوكه حتى في مواقف الشارع.
ومن الناحية التربوية، يلفت المشهد الانتباه إلى ما يمكن أن يفعله البيت والمدرسة في تشكيل وعي الأطفال.. فالطفلة ترجمت معنى الإيثار في لحظة.. هذا يعني أن هناك بيئة داعمة، ربما أم تروي قصصا عن الخير أو أب يردد أن الجنيه القليل قد يسد رمق جائع.. لكن الأكثر إدهاشا أن الطفلة استطاعت أن تكسر معادلة صعبة يعيشها معظم الأطفال.. معادلة المتعة الفورية.. فالشيبسي بالنسبة للصغار ليس مجرد طعام بل هو جزء من الطفولة نفسها.. ورغم ذلك انتصرت لقيمة أسمى وهذا ما جعل الحدث يلمس قلوب الملايين.
