مطعم انشال.. تجربة سيوية أصيلة تجمع بين المذاق الشعبي والسعر المناسب
كتب - محمد الطويل
عند وصولك إلى قلب واحة سيوة، وتحديدًا بميدان المسجد الكبير بجوار قلعة شالي، لا بد أن يلفت انتباهك إقبال الزائرين والسكان المحليين على مطعم ومربوعة انشال، الذي بات عنوانًا للتجربة السيوية الأصيلة بطابعها التراثي وأسعارها التي تلامس جيب المواطن البسيط.
المطعم الذي صمم بروح المكان يأخذك في لحظة دخوله إلى أجواء سيوة القديمة، حيث الطابق العلوي مقسم إلى خيام صغيرة تحاكي الخيمة السيوية التقليدية القريبة في شكلها من خيام شهر رمضان. تلك الخيام مفروشة بالقاعدة العربي التي تضفي راحة ودفئًا على الجلسة، بينما يستقبلك شباب سيوة بابتسامة صافية ولهجة محلية مليئة بالترحاب، مرددين: "مرحبتين ايجيد محترم وتالتي محترمة"، أي مرحبًا بالرجل المحترم والسيدة المحترمة. إنها كلمات بسيطة لكنها تعكس كرم الضيافة المتجذر في المجتمع السيوي.
ما يميز مطعم انشال ليس فقط أجواؤه، بل أيضًا أسعاره التي يمكن القول إنها خارج المنافسة. ففي وقت ترتفع فيه أسعار الأطعمة والمشروبات بمختلف المدن، يظل انشال محافظًا على تقديم وجبات كاملة بأسعار رمزية لا تُصدق. خذ على سبيل المثال وجبة الإفطار الشهيرة: طبق عدس شهي، أربعة أرغفة شامية كبيرة الحجم، طبق مخلل، زجاجة مياه معدنية صغيرة، وأخيرًا براد شاي "زرده" بعد الطعام، وكل ذلك بخمسين جنيهًا فقط.
قد يبدو السعر غير منطقي للوهلة الأولى، خاصة لمن اعتاد الأسعار الباهظة في المدن الكبرى. أحد الزوار روى أنه أعاد السؤال عن الفاتورة غير مصدق، ليؤكد له الشاب خالد أفريحى بابتسامته العفوية أن الحساب بالفعل خمسون جنيهًا، مضيفًا بلهجته السيوية: "تحت أمركم أستاذ، شك حبيبي"، أي أنت حبيبي. وهي كلمات لم تترك أثرًا بسيطًا فحسب، بل جعلت الزائر يرد في داخله: "والله أنتم وأهل سيوة كلهم حبايبي"، قبل أن يقارن مبتسمًا بين سعر الشاي في القاهرة الذي قد يصل وحده إلى خمسين جنيهًا، وبين هذه الوجبة الكاملة في قلب سيوة.
مطعم انشال لم يعد مجرد مكان لتناول الطعام، بل تحول إلى وجهة ثقافية وسياحية تتيح لزائري سيوة فرصة التعرف على المطبخ المحلي بروح تراثية وبأسعار في متناول الجميع. إن التجربة هناك لا تتوقف عند الطعام، بل تشمل الأجواء والضيافة ودفء المعاملة، لتمنحك إحساسًا بأنك بين أهلك وأصدقائك، لا مجرد زبون عابر.
ويمثل انشال نموذجًا يحتذى به في الحفاظ على الهوية وتقديم الخدمة بجودة عالية وسعر عادل، ليؤكد أن الكرم لا يقاس بما يُنفق من أموال، بل بما يُمنح من حب وود وصدق في التعامل. ومن يزور سيوة ولا يجلس في إحدى خيام انشال، ربما يفوته جزء أصيل من روح الواحة التي جمعت بين الأصالة والبساطة.
