recent
أخبار ساخنة

"ظل في معترك الحياة" قصة قصيرة للأديب الدكتور. طارق عتريس أبو حطب



 "ظل في معترك الحياة" قصة قصيرة للأديب الدكتور طارق عتريس أبو حطب 




كان ظِلّ رجلاً يسكن في أعماق  غابة مظلمة تلتف فيها الأشجار ،وتتشابك أغصانها، كالأسى حول روحه،فيشعر كأنه حبل هوى إلى قاع لجي سحيق، لا يرى فيه أثارة من نور،  إلا هذا الضوء الخافت المنبعث من أعماقه المتهالكة المنهكة الضائعة. 


في تلك الغابة، عاش ظل صراعا أبديا بين نبضين داخليين يتصارعان في عروقع  في عروقه؛ نبض الخير يناديه بنقاء الصفاء، ونداء الرحمة، ونبض الشر يغرّيه بظلمة الانتقام وقسوة الفقد،ومرارة التعدي، فهو لا يحمل  قلبا يحييه، إنما يعبث بداخله ضياع يثير الفوضى، ويحيل ما تبقى بداخله من ثبات إلى مشاعر صرعى متناثرة.


كان ظِلّ، وسط هذا الصراع، يمشي بين دروب الغابة المتشابكة، تلاحقه أصواتٌ متضاربة. صوت ناعم هادئ يشبه نسيم الفجر العذب، إنه صوت الخير الذي  يتوغل متهاديا  إلى عمق روحه، ينثر بذور الأمل، وعبقا من رحيق الإنسانية ويشعل في قلبه شعلة التسامح.


 أما صوت الشر، فكان يستحثه، ويستصرخه، كرياح العاصفة الثائرة، يدفعه دفعا  نحو الهاوية، يُعمي بصيرته، ويزرع في خطاه شوك الظلام.


كانت السواد الخارج من ظلمات قلبه يمتد ليغلف الغابة يزداد عمقاً في نفسه لا سيما حين يشتد ذلك النزاع، ويشعر وكأن روحه ممزقة بين ضفتين متقابلتين؛، الأولى نورها يعانق الأفق،ويناطح عنان  السماء، والثانية ظلامها يتطاول ليبتلع النجوم. 


كلما حاول ظِلّ أن يختار دربه، كان يلمس بأطراف أصابعه التضّرر والندم، لكنه أيضًا يشعر بدفء الأمل الذي لا يموت.


وذات مساء، حين كان ظل يتجول داخل أروقة الروح الغائبة باحثا عن هويته الأصلية،   التقت عيناه بمرآة صخرية وسط الغابة، رأى ظل ظلّه يتراقص بين نيران الشر وجذوة الخير. 


في تلك اللحظة تجلت له تلك الحقيقة الغائبة: أن النصر لا يكون إلا بمنح الشر فرصة التعرف على الرحمة، وأن الضوء الحقيقي يولد من رحم الظلام.


فاختار ظِلّ أن يفتح صدره للصفح، يزرع الحب حيث كانت تنبت الكراهية، ويشعل مصباح رحمته ليهدي نفسه والآخرين، صارخًا في وجه العتمة بأن الخير ينتصر دوماً رغم الجراح.


و في النهاية، تحول ظِلّ من كائن محاصر بين تيارات متضاربة إلى شعلة نهارية تنير دروب الغابة المعتمة ، تروي زهورها تباريح تلك القصة  ،  قصة الصراع الأزلي وانتصار الروح الطاهرة.

 "ظل في معترك الحياة"     قصة قصيرة للأديب الدكتور. طارق عتريس أبو حطب
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent