عقوق الآباء.. الوجه الآخر لمأساة الأسرة المصرية
بقلم: د. خالد البليسى
في الوقت الذي اعتدنا فيه أن نتحدث عن عقوق الأبناء وتمرّدهم على الوالدين، تطفو على السطح ظاهرة مؤلمة لا تقل خطورة، بل ربما أشد وقعاً على النفس والمجتمع، وهي عقوق الآباء للأبناء. هذه الظاهرة، التي ربما كانت تُستبعد في أذهان الكثيرين، بدأت تفرض نفسها بقوة على الواقع، لتدق ناقوس الخطر وتنبهنا إلى خطورة ما يهدد استقرار الأسرة والمجتمع.
هذه الظاهرة ليست عابرة تُروى في المجالس، بل هي جراح حقيقية تترك آثاراً نفسية عميقة على الأبناء، فقد تتحول حياتهم إلى سلسلة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية، فتضعف ثقتهم بأنفسهم، ويصابون بالاكتئاب، وربما يصبحون ناقمين على المجتمع بأسره.
عقوق الآباء ليس مجرد قسوة، بل هو هدم لأساس الأسرة. فالأب الذي يفترض أن يكون مصدر الأمان والحنان يتحول إلى مصدر خوف ورعب، ما يخلق جيلاً مهزوزاً لا يعرف معنى الاستقرار العاطفي. ومن منظور ديني، فقد أمرنا الله بالعدل والرحمة، وحث النبي ﷺ على الرفق بالأهل، فقال:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، فكيف يتوافق هذا السلوك مع تعاليم ديننا؟
المجتمع هنا أمام مسؤولية كبرى، فحالات كهذه تستوجب تدخلاً عاجلاً من العقلاء ورجال الإصلاح لنزع فتيل الأزمة، وإعادة التوازن للأسرة، وتذكير الآباء بمسؤوليتهم الشرعية والإنسانية تجاه أبنائهم، تماماً كما نطالب الأبناء ببر والديهم وطاعتهم في المعروف.
إن مواجهة هذه الظاهرة ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية الأجيال القادمة. فالمجتمع الذي يهمل صحة أفراده النفسية يزرع ألغاماً في مستقبله. والرحمة التي نغرسها في قلوبنا اليوم هي صمام الأمان لغد أكثر استقراراً وتماسكاً.
إننا بحاجة إلى تكثيف الجهود لنشر ثقافة التسامح والتفاهم الأسري، وتفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والدعوية في التوعية بخطورة هذه الظاهرة، حتى لا تتحول إلى أزمة عامة تهدد كيان المجتمع. فصلاح الأسرة هو الخطوة الأولى لصلاح المجتمع، وإذا انهارت الأسرة انهارت الأمة بأسرها.
لقد آن الأوان أن نتحدث عن "عقوق الآباء" بصوت عالٍ، وأن نكسر حاجز الصمت حوله. فالأسرة ليست ساحة معركة لتصفية الحسابات أو تفريغ الغضب، بل هي حضن الأمان والرحمة. فلنتذكر جميعاً أن ما نزرعه اليوم في نفوس أبنائنا سنحصده غداً في سلوكهم معنا ومع المجتمع.
