recent
أخبار ساخنة

د. سعيد محمد المنزلاوي يكتب "رموز ودلالات في قصة "ظل في معترك الحياة" للأديب الدكتور. طارق عتريس أبو حطب

د. سعيد محمد المنزلاوي يكتب "رموز ودلالات في قصة "ظل في معترك الحياة" للأديب الدكتور. طارق عتريس أبو حطب




كتب. سعيد المنزلاوي 


 "ظلّ"، هو الاسم الذي اختاره القاص عَلمًا على الشخصية المحورية في القصة، والظل فرع عن الأصل، وهو منه، وإن انفصل عنه، فالظل ليس قائمًا بذاته، إنما فهو انعكاس له، ورجع الصدى، وإذا غاب أحدهما انتفى وجود الآخر. 

 وتأتي الغابة في القصة باعتبارها الإطار المكاني الذي تدور في فلكه شخصية "ظل"، و"الغابة"، رقعة متسعة من الأرض الخضراء، معروفة بأشجارها العالية، وحيواناتها، ودوابها. فهي ملجأ لكل ما يدب على الأرض، وهي كذلك مأوى وملجأ لكل شاردة وواردة من الأفكار والرؤى والخيالات. 

 أضف إلى ذلك وصف القاص للغابة بالمظلمة، مما يزيد من ضبابية الموقف، والانسحاب من الواقع إلى الخيال، ومن الحقيقة إلى الظل؛ ما يجعل الغابة رمزًا للنفس، للذات، لذلك الصراع الأزلي بين الخير والشر.

 كما أن التفاف أغصان الأشجار وتشابكها، مما يشي بالصراع الداخلي والذي تعاني منه الشخصية "ظل"؛ والتي ترى نفسها كـ"جبل هوى إلى قاع لجي سحيق"، وهذا الانهيار من القمة إلى الحضيض، هو ترجمة لذلك الصراع القائم بين الخير والشر، بين المثالية المطلقة، وبين قبول انكسارات النفس. فالقصة في حقيقتها تساؤلات فلسفية ورؤى عن الصراع الأزلي بين الخير والشر.

 وهذا يدعونا إلى التعرف على حقيقة الصراع: فبعد أن رسم القاص جغرافية المكان، والتي تتحرك في نطاقه الشخصية الوحيدة في القصة، والتي تتجاوز المكان المادي إلى المكاني النفسي، والحقيقة المادية إلى الحقيقة الفلسفية، وهنا يكون للزمان بُعد آخر غير الذي نعرفه؛ فالزمان ـ هنا ـ كالصراع أبدي، والصراع "بين نبضين داخليين يتصارعان في عروقه"، وهو ذاك الصراع الأزلي بين الخير والشر: فبينما "نبض الخير يناديه بنقاء الصفاء، ونداء الرحمة"، نجد أن "نبض الشر يغرّيه بظلمة الانتقام وقسوة الفقد، ومرارة التعدي"، و"حين يشتد ذلك النزاع، ويشعر وكأن روحه ممزقة بين ضفتين متقابلتين؛ الأولى نورها يعانق الأفق، ويناطح عنان السماء، والثانية ظلامها يتطاول ليبتلع النجوم". حيث تكثر الصور المظلمة في مقابل الصور المضيئة النادرة، ما يطبع القصة بطابع معتم ومظلم، فمن الصور المظلمة، "أعماق غابة مظلمة تلتف فيها الأشجار، وتتشابك أغصانها"، "بظلمة الانتقام"، "كانت السواد الخارج من ظلمات قلبه يمتد ليغلف الغابة"، "والثانية ظلامها يتطاول ليبتلع النجوم"، "الضوء الخافت المنبعث من أعماقه المتهالكة المنهكة الضائعة"، "يُعمي بصيرته"، "ويزرع في خطاه شوك الظلام"، "رحم الظلام"، "صارخًا في وجه العتمة"، "دروب الغابة المعتمة". 

 ومن ثمَّ تكمن معاناة الذات في ذلك القلب الذي يمثل ساحة لفوضى المشاعر المبعثرة، من خلال صوتية القصة؛ حيث استطاع القاص أن يسمعنا صوت الشر، وهو "يستحثه، ويستصرخه، كرياح العاصفة الثائرة"، ويكسبه قوة وطاقة تجعله، "يدفعه دفعا نحو الهاوية، يُعمي بصيرته، ويزرع في خطاه شوك الظلام".

 وتأتي العقدة، والتي تمثلها الحيرة، فهي كالرحى تدور بين ضفتين: "يلمس بأطراف أصابعه التضّرر والندم"، وفي ذات الوقت "يشعر بدفء الأمل الذي لا يموت".

 ويكون فض بكارة النص، وفك شفراته، وإضاءته رهنًا بعثوره على مرآة صخرية وسط الغابة، بينما "يتجول داخل أروقة الروح الغائبة باحثا عن هويته الأصلية". وعلى صخرة المرآة شاهد "ظلّه يتراقص بين نيران الشر وجذوة الخير". 

 إنها الثنائية الثابتة، والتي تعد بؤرة النص، ويدور حولها النص ويلتحم من مبتدئه لمنتهاه، بل تلتحم بالعنوان نفسه؛ بحثًا عن الهوية الأصلية. وتكون لحظة إضاءة النص حين تتجلى له الحقيقة الغائبة: "أن النصر لا يكون إلا بمنح الشر فرصة التعرف على الرحمة، وأن الضوء الحقيقي يولد من رحم الظلام"، مما يرجح كفة التعايش بين الخير والشر، وهي التيمة التي يدور حولها النص، ويريد أن يؤصل لها، وهي دعوة لعدم انغلاق الخير على النفس، 

 وبالوصول إلى النهاية، تفصح القصة عن مغزاها، وتكشف في جلاء عن فحواها، وتنتصر الروح الطاهرة، والتي تنير دروب الغابة المعتمة.

وذلك من خلال رسائل النص: والتي يبثها القاص على أديم النص، وتتمثل في،

 - أن التقوقع عزلة، تسمح للشر أن يستشري.

 - لا توجد مثالية كاملة، وإنما تعايش بين الخير والشر.

 - بالمواجهة الإيجابية، تكون الغلبة ـ دومًا ـ للخير.

د. سعيد محمد المنزلاوي يكتب "رموز ودلالات في قصة "ظل في معترك الحياة" للأديب الدكتور. طارق عتريس أبو حطب
دكتور طارق عتريس أبو حطب

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent