جريمة طفل الإسماعيلية: صرخة تهز الضمير وتدق ناقوس الخطر
بقلم: د. خالد البليسى
لم تكن جريمة الإسماعيلية الأخيرة مجرد حادثة قتل عابرة تُضاف إلى سجلات الجرائم اليومية، بل كانت زلزالًا نفسيًا واجتماعيًا هزّ وجدان المجتمع بأكمله. طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره، يقتل زميله بدمٍ بارد، ثم يستخدم منشارًا كهربائيًا لتقطيع جسده إلى ستة أجزاء!
مشهد يفوق قدرة العقل على التصور، ويثير في النفس تساؤلات مرعبة: كيف وصل بنا الحال إلى أن يتحول طفل صغير إلى قاتل بهذه الوحشية؟ وأين نحن من التربية والدين والضمير والرحمة؟
جريمة تهز الضمير الإنساني
ما حدث ليس فقط جريمة قتل، بل جريمة في حق الإنسانية. طفل في عمر الزهور يقتل بوحشية، وكأنه فقد إنسانيته ومشاعره. لم نعد نتحدث عن انحراف شاب أو مجرم محترف، بل عن جيل جديد ينشأ بلا قيم ولا ضمير، تغذيه الشاشات بالعنف، وتُهمل الأسرة تربيته، ويعجز المجتمع عن احتوائه.
من المسؤول؟
هل هي الأسرة التي تركت أبناءها أسرى الهواتف والألعاب الإلكترونية؟
أم المدرسة التي أصبحت مكانًا للحشو العلمي دون تهذيب السلوك؟
أم المجتمع الذي بات يحتفي بالمظاهر وينسى بناء الإنسان؟
أم الإعلام الذي يطبع العنف في عقول الصغار دون وعي أو رقابة؟
العنف يغزو الطفولة
الأمر الأخطر أن العنف لم يعد غريبًا على أطفالنا، بل صار مألوفًا في لغتهم وسلوكهم وحتى ألعابهم.
انظر حولك، تجد طفلًا يصرخ في وجه أمه، وآخر يضرب زميله بلا سبب، وثالثًا يصور مشاجرة على الهاتف ضاحكًا.
لقد تسربت القسوة إلى قلوب صغيرة لم تعرف الرحمة بعد، والسبب أن القدوة غابت، والتربية ضعفت، والرقابة انعدمت.
القوانين... هل ما زالت صالحة؟
هنا تبرز تساؤلات مشروعة:
هل قوانين الأحداث التي وُضعت منذ عقود ما زالت مناسبة لمجتمع تغيرت ملامحه وسلوكياته؟
هل يعقل أن يُعامل طفل قاتل ارتكب جريمة بهذه البشاعة على أنه مجرد “حدث”؟
القوانين وضعت لحماية القُصّر من الانحراف، لكنها الآن قد تُستخدم لحماية المجرمين الصغار من العقاب، وهو ما يتطلب وقفة جادة من المشرعين.
نحن بحاجة إلى إعادة نظر شاملة في منظومة العدالة الخاصة بالأحداث بما يحقق التوازن بين الرحمة والردع، وبين الإصلاح والعقوبة.
أين المتخصصون؟ أين علماء النفس والتربية؟
صرخة نوجهها إلى المتخصصين، إلى أصحاب القرار، إلى علماء النفس والاجتماع والتربية:
ابحثوا في جذور المشكلة قبل أن تتفاقم.
نحن لا نريد علاجًا بعد وقوع الكارثة، بل وقاية تحمي أبناءنا من الوصول إلى هذا الحد.
فهل سألنا أنفسنا كم طفل اليوم يعيش داخل بيت بلا حوار، بلا حب، بلا رقابة؟
وكم منهم يُربّى على يد "الإنترنت" و"اليوتيوب" و"الشارع"؟
إن غياب التربية العاطفية والدينية والأخلاقية هو القنبلة الموقوتة التي تنفجر في وجه المجتمع يومًا بعد يوم.
صرخة في وجه الصمت
يا أصحاب القرار، يا مسؤولي هذا الوطن، المجتمع يصرخ قبل أن ينفجر.
القوانين بحاجة إلى تعديل، والمناهج بحاجة إلى تطوير، والإعلام بحاجة إلى ضمير.
نحتاج إلى مشروع وطني شامل لإعادة بناء منظومة القيم لدى النشء.
فالأمن لا يتحقق فقط بالسلاح والكاميرات، بل بتربية الإنسان على الضمير والرحمة والوعي.
كلمة أخيرة
حين يصل الأمر إلى أن يقتل طفل طفلًا بهذه البشاعة، فاعلموا أن الخلل في الجذور لا في الفروع.
نحن أمام أزمة ضمير، أزمة تربية، أزمة مجتمع فقد بوصلته.
فلنستيقظ قبل أن نصحو على جرائم أكبر، ولنتذكر أن من يزرع القسوة في قلوب الصغار سيحصد الخراب في مستقبل الوطن.

