توصيات «إنفستجيت»: خريطة جديدة لدمج الاستثمار العقاري والسياحي في مصر
عقدت منصة «إنفستجيت» مائدتها المستديرة السادسة والعشرين، يوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025، تحت عنوان «من التراث إلى الآفاق: دمج فرص الاستثمار في العقارات والسياحة»، وذلك بفندق النيل ريتز كارلتون – قاعة ألف ليلة وليلة، بمشاركة نخبة من المسؤولين التنفيذيين والخبراء والمطورين العقاريين ورواد القطاع السياحي.
جاءت الفعالية لتجسد رؤية الدولة نحو تكامل القطاعات الاقتصادية الحيوية، وفي مقدمتها السياحة والعقارات، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في نموذج التنمية المستدامة لمصر الجديدة، وفقًا لاستراتيجية «رؤية مصر 2030»، التي تركز على بناء اقتصاد متنوع ومبدع يربط بين التراث والتطوير، وبين التاريخ والمستقبل.
أدار جلسات النقاش الأستاذ معتز صدقي، المدير العام لشركة «ترافكو هوليدايز»، وسط حضور نوعي ضم كبار القيادات التنفيذية في الوزارات المعنية والمطورين العقاريين والمستثمرين المحليين والدوليين، كان من بينهم الدكتور المهندس عبد الخالق إبراهيم، مساعد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية للشؤون الفنية، والمهندس خالد صديق، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الحضرية، والدكتور مصطفى منير، رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة العامة للتنمية السياحية، إلى جانب نخبة من القيادات البارزة بقطاعي العقارات والسياحة من شركات كبرى مثل أوراسكوم، جاز، الإسماعيلية للاستثمار العقاري، TLD، مدار للتطوير، وفانتدج للتنمية العمرانية.
وخلال النقاشات، برزت فكرة محورية مفادها أن العقار لم يعد مجرد مبنى أو مشروع هندسي، بل تحول إلى "وجهة متكاملة للحياة"، وأن السياحة بدورها لم تعد تجربة مؤقتة، بل أصبحت منظومة اقتصادية وثقافية وإنسانية متكاملة تعيد تعريف مفهوم التنمية.
توصيات المائدة: خارطة طريق للتكامل
اختُتمت المائدة المستديرة بسلسلة من التوصيات التي وُزعت على خمسة محاور رئيسية، تهدف جميعها إلى صياغة رؤية وطنية موحدة لدمج الاستثمار العقاري والسياحي:
أولاً: السياسات والتشريعات
تم التأكيد على ضرورة تسريع إصدار وتفعيل القوانين المنظمة للتكامل بين القطاعين، وعلى رأسها قانون تراخيص السياحة رقم 8 لسنة 2022، بما يسهم في تقليل التعقيدات البيروقراطية وتيسير تنفيذ المشروعات. كما دعت التوصيات إلى توحيد إجراءات الترخيص عبر آلية «الرخصة الذهبية»، وتطوير نظام مشترك للحوافز الاستثمارية التي تجمع بين مكونات الضيافة والسكن، إلى جانب تفعيل آليات التحكيم الدولي لتسوية المنازعات مع المستثمرين الأجانب بما يعزز الثقة في بيئة الأعمال المصرية.
كما تضمنت التوصيات إطلاق خريطة قومية للمشروعات العقارية والسياحية المتكاملة، تحدد أولويات التنمية في المواقع التراثية والساحلية والمراكز الحضرية الجديدة، مع تعزيز التنسيق بين الوزارات والهيئات المعنية عبر لجنة دائمة لمتابعة تنفيذ هذه المشروعات.
ثانيًا: تطوير القطاع العقاري
أكد المشاركون على أهمية دمج المكونات الفندقية والسياحية ضمن المشروعات العقارية الجديدة، مع التوسع في إنشاء المدن الذكية وتطبيق أنظمة التحول الرقمي في الترخيص والتسويق والإدارة، فضلًا عن مراعاة مبادئ الاستدامة في التصميمات المعمارية، لتكون كل وجهة عمرانية ذات طابع فريد يرسخ الهوية البصرية المصرية الحديثة.
ثالثًا: تطوير القطاع السياحي
ركزت التوصيات على تحسين تجربة السائح من لحظة وصوله وحتى مغادرته من خلال تطوير الكوادر البشرية وتبسيط الإجراءات ورفع جودة الخدمات، مع التوسع في مشروعات الفنادق التراثية وإحياء الأصول التاريخية لتصبح معالم سياحية حية. كما أوصت بخطط طموحة لإضافة أكثر من 300 ألف غرفة فندقية جديدة خلال السنوات القادمة، لتحقيق مستهدف الوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا.
رابعًا: التوعية والترويج
دعت «إنفستجيت» إلى تنويع الأنشطة السياحية لتشمل التسوق والسياحة العلاجية والمؤتمرات والسياحة الداخلية، بجانب تعزيز الشراكات مع المؤسسات الدولية ووسائل الإعلام العالمية للترويج لمصر كوجهة متكاملة تجمع بين الاستثمار العقاري والمقومات السياحية المتنوعة، بما يعزز الصورة الذهنية لمصر كمركز استثماري وسياحي عالمي.
خامسًا: الكفاءة التشغيلية
أوصت المائدة بتطوير منظومة النقل واللوجستيات لضمان الربط السلس بين الوجهات السياحية والعمرانية، مع تكرار النماذج الناجحة مثل مشروع تطوير منطقة أهرامات الجيزة الذي يمثل نموذجًا رائدًا للتكامل بين السياحة والثقافة والاستدامة.
نحو رؤية مصرية متكاملة
أثبتت المناقشات أن مصر باتت على أعتاب مرحلة جديدة من التنمية المتكاملة، تجمع بين الاستثمار في الإنسان والمكان، بين الجذب السياحي والقيمة العقارية، في نموذج اقتصادي مبتكر يليق بمكانة الدولة المصرية في الإقليم والعالم.
وقد جاءت رعاية المائدة من كبرى الشركات المصرية والعربية، من بينها «دلتا كابيتال للتطوير العقاري» كراعٍ رئيسي، ومجموعة «السالم القابضة» راعٍ بلاتيني، إلى جانب «TLD» و«مدار للتطوير العقاري» كراعين ذهبيين، وعدد من الرعاة الفضيّين مثل «فانتدج» و«مصر لإدارة الأصول العقارية» و«براسبل للفندقة».
واختُتمت الفعالية بتأكيد مشترك من الخبراء على أن مصر تملك مفاتيح النمو المستدام من خلال توحيد جهود الدولة والقطاع الخاص في رسم خريطة جديدة للاستثمار المتكامل، قوامها الثقة، والتنظيم، والرؤية المستقبلية.
بهذا، لا تبدو مائدة «إنفستجيت» مجرد حدث اقتصادي، بل منصة فكرية تضع أسس التحول الاستراتيجي لمستقبل الاستثمار في مصر، حيث تتلاقى الحضارة مع الحداثة، ويتقاطع التاريخ مع الطموح، لتصنع القاهرة مجددًا معادلة النجاح التي تجمع بين البناء والازدهار والسياحة والتنمية في آن واحد.
