recent
أخبار ساخنة

حسن سليم يكتب: في قلبها عاصفة

 

حسن سليم يكتب في قلبها عاصفة

حسن سليم يكتب: في قلبها عاصفة


 بعض النساء لا يبالغن في القسوة إلا مع الرجل الذي منحوه مكانة خاصة في القلب، كأن القرب يمنحه تلقائيًا قابلية أعلى للعقاب.. هنا لا يعود الأمر متعلقًا بخطأ ارتكبه، ولا بسلوك يستحق هذا العنف العاطفي، بل بحقيقة أعمق تتصل بما يوقظه وجوده داخل النفس.


فعندما يقترب الرجل الذي يعني لها شيئًا، لا تتعامل معه بوصفه شخصًا عاديًا، بل بوصفه احتمالًا للفقد.. هنا تبدأ المعايير في الاختلال، فما كان مقبولًا من الآخرين يصبح غير محتمل منه، وما كان يغتفر يتحول إلى تهديد.. تأخر بسيط في الرد، أو كلمة عابرة، أو صمت عابر، كلها أفعال عادية في سياقها الطبيعي، لكنها حين تصدر ممن تحبه، تقرأها بعيون الخوف لا بميزان العقل.. هي لا تتفاعل مع ما فعله، بل مع ما أيقظه فعله داخلها.


الخوف هنا ليس وليد اللحظة، بل خوف قديم، متراكم، تشكل عبر تجارب سابقة، وخيبات، وانسحابات مفاجئة، ووعود لم تستكمل.. وحين يظهر رجل يلامس قلبها بصدق، تستيقظ كل هذه الذاكرة دفعة واحدة، فتتعامل معه وكأنه المسؤول عنها جميعًا.. تعاقبه لا لأنه أخطأ، بل لأنها تخشى أن يخطئ يومًا، وتضغط عليه لا لأنها لا تحبه، بل لأنها تحبه أكثر مما تحتمل.


فالابتعاد الحقيقي لا يحدث دائما بالجسد أو بالكلمات، بل يحدث أولا في الداخل.. فالرجل الذي لا يسكن وجدانها يمر بسلام، لا يترك أثرا، لا يثير قلقا ولا يستدعي ردود فعل حادة.. أما الرجل الذي استوطن مشاعرها، فيصير مرآة لكل ما هو مؤجل ومكبوت في روحها.. معه تغضب أكثر، وتختبر أكثر، وتتقلب أكثر، لا لأنه الأسوأ، بل لأنه الأقرب.


المفارقة المؤلمة أن ما يؤلمها فيه ليس ضعفه، بل قوتها هي.. قوتها في الإحساس، في التعلق، في الرغبة العميقة في القرب.. فمشاعرها نحوه تتجاوز أحيانا مستوى نضجها العاطفي، وحين تعجز عن احتواء هذا الفيض الداخلي، تحوله إلى سلوك متناقض، يربك العلاقة ويدمر ما كانت تأمله.. ثم تقف لاحقا متسائلة لماذا لا يسير الواقع كما تشتهي.


فالعاطفة حين تنمو بلا اتزان، تتحول من نعمة إلى عبء، ومن دافع للحب إلى أداة عقاب.. هي لا تعاقبه لأنه أساء، بل لأنها لا تحتمل فكرة أن تتألم بسببه وحدها، فتشركه في الألم، وتحمله عبء خوفها.. تطلب اهتمامًا زائدًا، ثم تضيق به، تريده قريبا، ثم ترتبك حين يقترب، كأنها عالقة بين رغبتين متناقضتين، أن تحب، وأن تحمي نفسها من الحب.


الحب غير الواعي لا يكون هادئًا، بل صاخبًا، مليئًا بالإشارات المتضاربة.. يخلط بين الامتلاك والارتباط، بين الخوف والحنان، بين الاحتياج والرغبة في السيطرة.. فتبدو قرارات المرأة غير مفهومة، بينما حقيقتها في غاية البساطة، هي خائفة، لكنها لا تعرف كيف تعبر عن خوفها دون أن تجرح.


المرأة التي لا تفصل بين مشاعرها وسلوكها، قد تهدم بيدها ما تبنيه بقلبها.. تحب حتى الوجع، لكنها تتعامل مع من تحب وكأنه خصم، لا شريك.. تشتد في الكلام، ثم تندم، تعاتب بقسوة، ثم تشتاق بشراسة.. هذه الازدواجية لا تعني نفاقا، بل جرحا قديما يعاد فتحه مع كل اقتراب حقيقي، فتظن أنها تحمي نفسها، بينما هي في الحقيقة تفقد نفسها، وتفقد الرجل معها.


فمن لا يضبط اندفاعه، يخسر غالبا ما اندفع نحوه.. فالمرأة حين لا تهدأ قبل أن تتكلم، ولا تراجع دوافعها قبل أن تتصرف، تطرد الرجل الذي أرادها.. ليس لأنه يخاف الحب، بل لأنه لا يحتمل الفوضى.. الرجل لا يهرب من شخصية قوية، بل من عاصفة داخلية لا يعرف كيف يعيش وسطها.


كثيرا ما تظن المرأة أن الرجل خذلها، بينما الحقيقة أن سلوكها هو من خذل مشاعرها.. لأن الحب بلا وعي يتحول إلى خوف، والخوف حين يعلو صوته يصبح عقابا لمن نريد قربه.. ويبقى السؤال الأهم، هل تحب المرأة حقا، أم تحارب أشباح خذلان قديم لم تتصالح معه بعد؟


المرأة التي تهدأ قبل أن تتكلم، وتفهم دوافعها قبل أن تطلب الفهم من غيرها، تمنح علاقتها فرصة حقيقية للاستمرار. والرجل الذي يقرأ اضطرابها بوعي، دون أن يتنازل عن حدوده، يمنحها أمانا لا تصنعه الكلمات وحدها.. فالعلاقات لا تحتاج إلى صراخ ولا اختبارات ولا معارك يومية، بل إلى قدر كافٍ من الهدوء الداخلي، وقدر أكبر من الصدق مع النفس.


google-playkhamsatmostaqltradent