recent
أخبار ساخنة

أحمد السقا وموقف محمد صلاح: مرآة تعكس أزمة الأخلاق العامة

 

أحمد السقا وموقف محمد صلاح: مرآة تعكس أزمة الأخلاق العامة

أحمد السقا وموقف محمد صلاح: مرآة تعكس أزمة الأخلاق العامة


بقلم: حاتم السعداوي

منذ زمن بعيد، كان الفنان أحمد السقا يُعتبر أيقونة للرجولة، والشهامة، والفن الجاد القريب من الشارع المصري. هو ذلك النجم الذي لا يتردد في دعم زملائه وأصدقائه علناً، معتمداً على رصيد كبير من الحب الجماهيري. لكن في الأيام القليلة الماضية، تحول فعل الدعم النبيل إلى ساحة معركة، وتم تفسير الموقف الإنساني كـ "فعل يستحق العقاب" من قِبل فئة كبيرة من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي.


بدأت القصة حينما قرر السقا، بصفته صديقاً ومحباً، نشر فيديو لدعم اللاعب الأسطوري محمد صلاح بعد الموقف المثير للجدل الذي عُرف بـ "موقف سبوت" (أو أي موقف مشابه أثار ردود فعل متباينة). كان الهدف واضحاً: الوقوف بجانب نجم يمر بظروف ضغط هائلة، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي له. لكن رد الفعل على هذا الدعم كان صاعقاً، وكشف عن جرح غائر في نسيج سلوكنا المجتمعي.

التنمر الرقمي يلتهم الأخضر واليابس

لم يكتفِ المنتقدون بتوجيه النقد الموضوعي لموقف صلاح أو حتى للسقا نفسه، بل تجاوز الأمر كل الحدود ليتحول إلى حملة تنمر ضخمة، استهدفت الفنان السقا شخصياً. تعليقات جارحة، سخرية من مظهره، وتشكيك في صدقه، بل وتذكيره بمواقف سابقة قديمة بهدف الإهانة.

لقد وضع أحمد السقا نفسه في مرمى نيران لم يكن يتوقعها بهذا الحجم والحدة. هذا التنمر يكشف عن حقيقة مرة: وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد مساحات للحوار، بل أصبحت أدوات لجلد المخالف بالرأي، وتدمير صورته العامة دون رحمة. تحول "التريند" إلى محكمة شعبية تصدر أحكامها بالإعدام المعنوي، ولا يوجد بها محامٍ للدفاع أو قاضٍ للإنصاف.

سلوكيات شعبنا: إلى أين نتجه؟

ما حدث مع أحمد السقا هو مجرد قشة كشفت عن تيار جارف من الغضب والإحباط المكبوت، الذي يتم إخراجه في أسوأ صورة ممكنة على الآخرين. سؤالك الذي يدمي القلب: "هل بقينا نأكل بعض؟" هو تساؤل مشروع ومرعب في آن واحد.

لقد أصبحنا نلاحظ تحولاً في سلوكيات الشارع الرقمي، يتسم بالآتي:

التحيز الأعمى ونبذ المخالف: إذا لم تكن معي تماماً، فأنت ضدي وتستحق الهجوم. غاب مفهوم "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".

تحويل الدعم إلى خيانة: رأينا كيف أن مجرد دعم صديق أو زميل أصبح يُنظر إليه على أنه "تطبيل" أو "خيانة للموقف العام"، حتى لو كان الدعم يتعلق بقيمة إنسانية بحتة.

استباحة الخصوصية والكرامة: أصبح السهل على أي شخص، يختبئ خلف شاشة، أن يوجه أفظع العبارات، معتقداً أن "الحرية الرقمية" تعني استباحة كرامة الآخرين وتاريخهم.

غياب السياق الأخلاقي: هناك تفكك في السياق الأخلاقي والتربوي الذي يحكم تعاملاتنا. أصبح الهدف هو "الانتصار في المعركة اللفظية" حتى لو كان الثمن هو تدمير سمعة أو مشاعر شخص آخر.

إن ما حدث للسقا هو ناقوس خطر يقرع ليوقظنا على حقيقة أننا نسير في طريق غير مألوف، طريق يجعل من العصبية والانفعال الأداة الرئيسية للتعامل، ويحوّل المتابعين إلى قطيع يهاجم كل من يخرج عن رأيه، حتى لو كان نجماً محبوباً بقيمة السقا.

خاتمة: دعوة للصحوة والمراجعة

إن الهجوم العنيف والمُنظَّم الذي تعرض له الفنان أحمد السقا بعد موقفه الإنساني الداعم لمحمد صلاح، ليس مجرد حادثة فردية. بل هو مؤشر على أننا بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة لأسلوب تعاملنا وحوارنا.

على كل شخص منا أن يسأل نفسه: هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة لتحرير أسوأ ما فينا؟

يجب علينا أن نستعيد قيم الشهامة، والدعم، واحترام الخلاف. يجب أن ندرك أن الدعم فعل حضاري، والتنمر جريمة معنوية لا تسقط بالتقادم. الفنان أحمد السقا دفع ثمناً باهظاً لموقف إنساني، وعليه، يجب أن يكون ما حدث له درساً لنا جميعاً بأن نوقف هذا النزيف الأخلاقي، قبل أن "نأكل بعض" بالفعل، ونفقد آخر ما تبقى لنا من قيم المحبة والود والرحمة.

google-playkhamsatmostaqltradent